هل يقع الجخ في فخ التطبيع؟
أثار قرار الشاعر المصري هشام الجخ، إحياء أمسية شعرية في مدينة الناصرة غضب الكثيرين من النشطاء السياسيين وحتى محبي أشعار الجخ، لما تشكله هذه الخطوة من خرق واضح لمعايير مقاطعة إسرائيل المتفق عليها عربياً، والتي تسعى لإبقاء إسرائيل وسفاراتها كياناً غير طبيعي ومعزول عن محيطه.
وهذه ليست المرة الأولى التي يحاول فيها فنّانون عرب القدوم إلى البلاد بذريعة التواصل الثقافي، وفي المقابل يصرّ الشباب المناهض للتطبيع على أن الفلسطينيين في الداخل تواصلوا فعلاً مع ثقافتهم العربية على مر السنين دون أن يحتاجوا لكسر الحصار الذي فرضه الفنّانون العرب على إسرائيل منذ النكبة.
واستطاعت حملات المقاطعة التي أطلقها الشباب المناهض للتطبيع مع إسرائيل، وبمشاركة ناشطين من الدول العربية ومجموعات تناهض التطبيع الثقافي، في وقت سابق أن تمنع إقامة جولة عروض كانت مقرّرة للفرقة الأردنية ‘حرقة كرت’ بعد أن أثار قدومهم غضب الكثيرين.
وكانت الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل راسلت الشاعر المصري هشام الجخ وطلبت منه العدول عن قراره بإحياء الأمسية المقرّرة في مدينة الناصرة، لما فيها من خرق لمعايير المقاطعة الثقافية لإسرائيل.
دراوشة: الشعوب أصرّت على رفض التطبيع الثقافي كونه يمسّ بقدرتها وتحدّيها للحكومات
وقال الناشط السياسي، أحمد دراوشة من مدينة الناصرة،”، إن ‘اللبنة الأولى التي جُبِلَت عليها فكرةُ الصهيونيّة، هي التغلغُل داخل البيوت العربية في شتّى أنحاء الوطن العربي، وخلقُ تاريخ وواقعٍ جغرافيّ جديدين، وفق الرؤية الصهيونيّة، وتكريس وجود إسرائيل كَدولةٍ جارة وصديقة، وكواقع لا يُمكن تجاهله، أو بالأحرى، منع التعامل معه‘.
وأضاف: ‘بدأت إسرائيل الترويج لنفسها أمام العرب بأنها الدولة الديمقراطيّة الوحيدة في المنطقة، وأنها واحة الأمن والأمان، خصوصًا بعد معاهدة كامب ديفيد مع مصر، التي رفضتها غالبية الشعب المصري، وحتّى حين بدا أنه من الصعوبة بمكان التخلّص منها، بدأت حركات المقاطعة الشعبية للتطبيع مع إسرائيل، ثقافيًا، سياسيًا واقتصاديًا؛ ولمّا كان التطبيع السياسي والاقتصادي مرتهنًا بيد حكومات الدول التي أقامت علاقات سريّة وعلنيّة مع الإحتلال؛ أصرّت الشعوب على رفض التطبيع الثقافي كونه يمسّ بقدرتهم وتحدّيهم للحكومات ورفضهم لمشاريع الهيمنة في المنطقة داخليًا وخارجيًا‘.
واختتم حديثه وقال: ‘سيزور هشام الجخ البلاد، سيمرّ على تل أبيب، وسيقول: ‘هيَّ يافا دي حارة بتل أبيب؟’، لن يرى الجخ قصر آل الخوري في حيفا، إنما سيرى مبنىً آخر مكانه، والأهم من ذلك، سيحتفظ صاحب قصيدة التأشيرة، بالتأشيرة الإسرائيليّة على جواز سفره؛ وهو الذي بكى وأبكى الحاضرين، لأنه لم يحصل على تأشيرةٍ للبحر، ومن يدري، ربّما يكون العامل في المطار يتقن العربيّة، كَحالِ معظّم عمّال المخابرات، وسيقول له: ‘أرأيت؟ أوقَفَكَ ‘جواز سفر غير مختومٍ على الشبّاك’ وإسرائيل تفتح أبوابها لك، اهلًا وسهلُا بيك في إسراييل‘.
بيرقدار: في هذه الزيارات أولا رسالة تقبّل وتأقلم مع الواقع الحالي الذي فرض علينا
وعقّبت الناشطة نجوان بيرقدار، على الزيارة، وقالت ، إن ‘منزلق التطبيع الذي حذّرنا منه منذ البداية يبدو واضحا مع كل محاولة زيارة لعروض جديدة لفنانين من الوطن العربي، فحتى أشد المناصرين لهذه العروض في الداخل الفلسطيني باتوا مستغربين ومنزعجين من حيثيات هذه الزيارات بما فيها من تورط بخرق لعديد من المعايير الوطنية وتوريط الفنانين العرب في تطبيع أكبر بكثير من إشكالية التأشيرة‘.
وأضافت: ‘مع العلم أن زيارة هشام الجخ وأوتوستراد وغيرهم من الفنانين هي تطبيعية بشكل قاطع دون علاقة بالحيثيات طالما هي في ظل احتلال، لكن الشعار الذي أصبح شعار زيارة هشام الجخ ‘معا لإلغاء التأشيرة بين الدول العربية ‘، تركنا حائرين لدرجة هزلية بحيث أن المصري حتى اليوم بحاجة لتأشيرة لزيارة لكل دولة عربية فكم بالحري لدولة إسرائيل‘.
وتابعت: ‘نحن نؤيد مطلب الشاعر هشام الجخ بل ونرى فيه حلماً يراودنا، ونقول لهشام أهلا وسهلا بك بعد إلغاء التأشيرة لأن هذا سيعني زوال الاحتلال أولا، وعندها سنسارع ليس فقط بالترحيب بل بدعوة الجميع لبلادنا المحررة دون إذن أحد. إن في هذه الزيارات أولا رسالة تقبّل وتأقلم مع الواقع الحالي الذي فرض علينا بدلا من العمل والإصرار على رفضه ومقاومته يوميا، وثانيا خطر استغلال الكثير من الفنانين والمنظمين التجاريين بذريعة التواصل والتورط في في خرق الكثير من المعايير الوطنية من رعايات وأماكن إسرائيلية وغيرها كما كاد يحصل‘.
وناشدت بيرقدار جميع المنظمين ‘عدم توريط فنانينا العرب بخرق معايير التطبيع التي فرضتها عليهم دولهم العربية، احتراما لحريتنا وكرامتنا، وتوجّهت لهشام الجخ بالقدوم، بعد التحرير وإلغاء التأشيرة بشكل فعليّ‘.
شحادة: معايير المقاطعة التي نتحدّث عنها ليست حديثة
أمّا الناشطة فداء شحادة، فقالت إن ‘قدوم هشام الجخ لإحياء أمسية فنيّة في مدينة الناصرة مرفوض لما في هذه الخطوة من خرق واضح لمعايير مقاطعة إسرائيل‘.
وأضافت شحادة: ‘معايير المقاطعة التي نتحدّث عنها ليست حديثة، ولم نقم نحن بتحديدها، فهي معايير متفق منذ قانون تجريم التطبيع في العام 1955 في لبنان، وحافظ عليها فنّانونا العرب كفيروز وغيرها من الفنّانين الذين تواصلنا معهم وثقافتهم وموسيقاهم. ورفض العالم العربي إسرائيل والتعامل معها على الصعيد الشعبي على الرغم من التطبيع السياسي والدبلوماسي الذي قادته الأنظمة ‘.
وتابعت: ‘نحن في الداخل مرغمون على التعامل مع إسرائيل، ولا نريد للعالم العربي أن يكسر هذا الحاجز النفسي مع إسرائيل‘.
روك: على حركة المقاطعة أن تطال التجّار والمؤسسات التي تتعامل مع إسرائيل قبل هجومها على الفن والفنانين الذي نحن في أمس الحاجة إليه
أما رئيس شركة إنتاج، الراعية لأمسية الجخ، يامن روك، قال إن ‘التواصل الثقافي هو أمر في غاية الأهمية، ومن حقنا نحن الفلسطينيين في الداخل أن نتواصل مع ثقافتنا العربية وفنّانينا العرب، بعد الحصار الثقافي الذي تعرضنا وما زلنا نتعرّض إليه‘.
وأضاف: ‘موضوع التطبيع هو موضوع شائك ومفتوح، وهو موضوع غير محسوم وعليه نقاش نطلب أن يكون بصورة حضارية بلا تخوين للمشاهدين ولهشام الجخ، الذي يعد شاعراً وطنياً من الطراز الأول يأتي إلينا بهدف تواصل وطني، ووجبات من الشعر الوطني التي هي غاية في الأهمية‘.
وعن حركة المقاطعة والحملة التي تشن ضد قدوم الجخ إلى البلاد، قال إن ‘على حركة المقاطعة أن تطال التجّار والمؤسسات التي تتعامل مع إسرائيل قبل هجومها على الفن والفنانين الذي نحن في أمس الحاجة إليه‘.
واختتم حديثه قائلا إن ‘تعاملنا مع إسرائيل هنا بشكل يومي، علينا أولا قبل أن نطالب بمقاطعتها أن نقاطع نحن المنتوجات الإسرائيلية ونرمي الهويات الزرقاء‘.
ناطور: هذه الزيارة تضر في حملة مقاطعة إسرائيل
وقال الأديب سلمان ناطور ‘إنني أتحفظ من خطوة قدوم الشاعر المصري هشام الجخ الذي أفرزته الثورة المصرية إلى مدينة الناصرة، وأعارض هذا الشكل من التواصل، فهذا شكل من أشكال التطبيع وإن التواصل الذي يتم الحديث عنه نستطيع نحن عرب الداخل أن نتوجه للعالم العربي وليس هم من يأتي إلى إسرائيل. إن زيارة الجخ الذي يتم الحديث عنها إن تمت نعتبر أنها تسيء لكل النضال الفلسطيني خصوصا في وقت أن حملة المقاطعة العالمية الثقافية والأكاديمية لإسرائيل آخذة بالتبلور، عدا عن أن زيارة إسرائيل تتطلب إجراءات إدارية وتأشيرات من السفارة الإسرائيلية في مصر‘.
وأضاف: ‘إن وصول مثقفين ومبدعين عرب إلى اسرائيل في مثل هذه الظروف السياسية وهي لم تغير أي شيء من مواقفها وممارساتها تجاه الفلسطينيين في ظل الاحتلال ومواصلة الاستيطان والتنكيل بالشعب الفلسطيني مرفوض ولا يعقل أن يأتي أيا كان متى شاء ويخرج متى أراد. أما بالنسبة لموضوع التواصل مع عالمنا العربي من المحيط إلى الخليج فهو حق طبيعي، ولكن نختلف على الطريقة. ولا يعقل في وقت ندعو فيه المثقفين والأكاديميين العالميين بالمقاطعة أن يأتي مبدع عربي لنظهر أن الوضع على ما يرام وطبيعي، بل إن هذا يسيء لحملة المقاطعة ويحرج الفلسطينيين. أعتقد أن الوضع الفلسطيني وموضوع الاحتلال لا يحتاج إلى مشروع خاص، ولا أحد يستطيع الادعاء أنه ليس هناك قانون يحدد معنى التطبيع وإذا كان من حق كل إنسان أن يقول رأيه يبقى أيضا حق الآخرين وحقنا بالرأي، وبالتالي أعتقد أن الزيارة في ظل بلورة حملة المقاطعة الدولية هو أمر مسيء للنضال الفلسطيني لأن الجخ لن يأتي إلى الناصرة بمهمة نضالية‘.
مهنا: زيارة السجين ليست زيارة للسجّان، وهي كسرٌ للحصار المفروض عليه
وقال الشاعر ورئيس الاتحاد العام للكتاب الفلسطينيين في الداخل، سامي مهنا: ‘كتبت وجهة نظري حول مسألة التطبيع في مقال سابق بعد زيارة الفنّان العربي التونسي المشهور لطفي بوشناق للأراضي المحتلة عام 67 والقدس والداخل الفلسطيني، إثر التهجمات عليه واتهامه بالتطبيع مع الدولة العبرية، مما دفعه لمغادرة البلاد بشكل فجائي، ونرى الآن رفض المعارضين لزيارة الشاعر المصري هشام الجخ يعلو من جديد، ولا شك أن معارضتهم ودعوتهم للشاعر تأتي من دوافع وطنية صادقة، ولكن لي وجهة نظر مختلفة في هذا المضمار الذي يحتمل الاجتهاد والنقاش ويستدعي برأيي إعادة النظر‘.
وأضاف مهنا: ‘إن مسألة التطبيع كانت ولا تزال مسألة غير محدّدة وغير مرسومة الحدود تمامًا، على المستوى العام، ولم تحظ حتى الآن بالنقاش الفكري الجاد، عربيًا ولا حتّى فلسطينيًا، وأدعو مرةً أخرى فتح باب النقاش وإعادة النظر في بعض جوانب الفكرة السائدة، وتقييمها من جديد. فكثيرون يتناسون، حين يتحدثون عن إسرائيل، أنّ هذه الأرض هي أرض فلسطين التاريخية، وأنّه يعيش فيها أكثر من مليون ونصف مليون عربي فلسطيني، صمد معظمهم منذ النكبة أمام مشاريع الأسرلة ومحو الذاكرة واجتثاث الانتماء الوطني والقومي‘.
وتابع مهنا: ‘نردد مرة أخرى أنّ زيارة السجين ليست زيارة للسجّان، وأنّ زيارة السجين هي كسرٌ للحصار المفروض عليه، وتضامنًا مع صموده، ومساندة له، وحثه على البقاء على مواقفه، وهذا ينطبق تمامًا، على ما هو مفترض أن يتعامل بموجبه الأشقاء العرب مع الجزء الصامد على أرضه التاريخية، ولكنني لا أقول أنه يجب أن يُحوّل الداخل الفلسطيني إلى منتجعات سياحية عربية، ولكن زيارات النخب المفكّرة بالإضافة إلى الأدباء والفنانين إلى فلسطين التاريخية، والتضامن والتواصل مع أهلها الفلسطينيين مطلوب، بل ضروري، وفيه تكريس لاعتبارٍ هام، وهو أن الأرض فلسطينية وإسرائيل هي كيان سياسي، والتعامل الرسمي مع الدولة العبرية هو تعامل مع واقع وليس إعطاء شرعية، شرط أن لا يتعامل أي زائر مع أي جهة مؤسساتية إسرائيلية أو أي جهة مطبعة داخل الدولة وإن كانت عربية، وهذا التوجه ضروري من وجهة نظري لإبقاء القضية الفلسطينية مرهونة ومسيّجة بثوابتها الهامة، ومنها التأكيد على أنّ القدس الشرقية هي عاصمة فلسطين التاريخية، وعودة اللاجئين إلى أراضيهم وديارهم المسلوبة، والتأكيد على فلسطينية الجزء الباقي من الشعب العربي الفلسطيني على أرضه التاريخية. فأهلاً بهشام الجخ في الناصرة العربية بين أهله العرب الفلسطينيين، وأدعو مرة أخرى إلى النقاش المفتوح والمتعمق في هذا الموضوع الشائك‘.
عبد الفتاح: المصريون أول من أطلق حملة ضد التطبيع
وقال أمين عام التجمع الوطني الديمقراطي، عوض عبد الفتاح ‘إننا مع التواصل مع العالم العربي وفك الحصار والعزلة التي عشناها سنوات طويلة داخل الغيتو الصهيوني، ولكن أن يأتي مثقفون أو سياسيون أو علماء من العالم العربي إلى داخل إسرائيل فهو يُشكل تطبيعًا للعلاقة معها، ولذلك فإننا نعتبر قدومهم إلى البلاد خطأً جسيمًا ويصبح من الواجب التوجه إليهم والطلب منهم الامتناع عن زيارة إسرائيل حتى لو كانت وجهتهم الفلسطينيين‘.
وأضاف: ‘إن أول من أطلق حملة ضد التطبيع هم المصريون، وذلك بعد أن أقدم النظام المصري بقيادة أنور السادات على عقد اتفاقية استسلام مع إسرائيل، اتفاقية كامب ديفيد المشؤومة عام.1979 وهدفت الحملة وهي شعبية، إلى منع التطبيع بين الشعب والدولة العبرية، بعد أن قام النظام بتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. وبالفعل لم يُطبع الشعب المصري علاقته مع إسرائيل، وظلت العلاقة مقتصرة على النظام‘.
وتابع عبد الفتاح: ‘لقد رأت القوى الوطنية المصرية أنه لا يجوز تطبيع العلاقة بين الأمة العربية ودولة تحتل فلسطين وجزء من الأراضي السورية، ناهيك عن عودة سيناء بلا سيادة، لأن ذلك يعني إسباغ الشرعية العربية عليها وبالتالي تشجيع وتكريس الاحتلال. وزادت مخاطر التطبيع بعد توقيع اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1993حيث رأى البعض أنه طالما قام أصحاب القضية بتوقيع اتفاق استسلام فلا حاجة لمقاومة التطبيع. كان منع التطبيع الثقافي والسياسي مع إسرائيل خط الدفاع الأخير للأمة العربية في مواجهة الصهيونية بعد الاستسلام العربي الشامل وبعد أن تكدست وصدأت أسلحة الجيوش العربية. مع ذلك، لم تستسلم القوى الوطنية والشعبية في مصر وغيرها، فواصلت تصدّيها للتطبيع في السنوات الأخيرة وخاصة بعد انفضاح النوايا الإسرائيلية وانهيار اوسلو، وتعمق المشروع الكولونيالي، وبعد إقدام إسرائيل على شن سلسلة من الحروب الإجرامية على المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وتصاعد حملة المقاطعة العالمية ضد إسرائيل، أصبح هناك حاجة مضاعفة لتصعيد الحملة ضد التطبيع‘.