آراء ومقالاتمقالات

من يقرع ناقوس الخطر..؟

التسرب من المدارس بات يشكل ظاهرة خطيرة، والحكومة لا تقدم الحل العادل!!
الفكرة قديمة قدم النظام، لكنها تعود مع الوباء إلى وزارة التربية والتعليم هذه المرة، وتحت ذريعة الوباء، وإجراءات الحظر، تمارس الحكومة عادتها المترسخة بمعاقبة الفقراء مرة أخرى.
حرمان التلاميذ من التعلم الوجاهي، بذريعة حمايتهم وأهاليهم من العدوى، تكشف عن فهم  قاصر لكل المعايير، خاصة عندما نعرف بأن استمرار تطبيق مثل هذا القرار، يتعارض مع المفاهيم والمعطيات الاجتماعية والمسؤوليات السياسية للدولة تجاه الشرائح المجتمعية الأكثر فقرا وهشاشة!
أغلقتكم المدارس، ولكن ماذا قدمتم بالمقابل؟
وما هو البديل بعدما تبخرت أحلام 250 ألف طالب بالحصول عل جهاز لوحي (تابلت)، أضلت طريقها بين تجاذبات وزارة الاقتصاد الرقمي، ووزارة التربية والتعليم؟
التسرب المتفاقم من المدرسة الحكومية، أصبح حقيقة صارخة، وليست بحاجة إلى بحث دقيق.
وتعرف الحكومة ذلك جيدا، ولكنها لا تفعل شيئا حيال ذلك، كما خبر الآباء ثقل العوامل الموضوعية والخاصة التي تلعب دورًا منفرا من التعليم، وقد بتنا ندرك جميعا حجم الصعوبات الذاتية عندما يشرف الآباء بشكل مباشر على تعليم أبنائهم، ويحصل ذلك في الغالب دون تدريب أو مِران مسبق: حيث يشكو معظم الأهالي الآن من حالات الاكتئاب، وعدم الثقة بالنفس، والشعور بالإقصاء والتقصير. وتزداد المعاناة أمام تردي البيئة المعيشية الأسرية والتي أصبحت أكثر تعقيدا مع الوباء، مما أدى إلى تفشي العنف والغضب والعدوانية، وإدخال تعقيدات إضافية إلى مشهد التعليم عن بعد.
مئات الآلاف من العائلات المهمشة من قبل الدولة، تُحرم في زمن الوباء من الكرامة البشرية، ومن حقوقها الأساسية في حدها الأدنى من نموذج مدرسي حكومي مستحق ولائق.. وسط الإضرار بالمحرومين والشرائح المفقرة، وحرمانها من التعليم الضروري، ودفعها إلى خيارات عقابية بائسة، تتعارض بالكامل مع الدستور ومبادئ المساواة والعدالة وحقوق الإنسان في حدودها الأدنى، وسط تساؤلات: كيف يعتاد المجتمع على معادلة الحكومة المفروضة بالقوة؛ كلما كان المجتمع أكثر فقرا، ازدادت معاناته، وتعقدت ظروف حياته في التعليم والصحة، والبيئة الأسرية الآمنة.
  ندرك بأن الآباء المقتدرين وميسوري الحال يعانون أيضا من آليات التعليم عن بعد، فهم ينفقون على المدارس الخاصة مبالغ تشكل نسبة كبيرة من مداخيلهم الشهرية، وفي نفس الوقت يراقبون بقلق تراجع مستوى أبنائهم التعليمي والثقافي والاجتماعي، وإن كان حجم معاناتهم أقل بكثير من معاناة الفئات المهمشة والتي تشكل الأغلبية العظمى من عدد السكان، وتتفشى فيها حاليا ظاهرة التسرب من المدرسة، وما يرافقها من تزايد نسب عمالة الأطفال، وحرمان الفتيات من مواصلة التعلم.
بتخبطها وفشلها وغياب استراتيجيات برنامجية حقيقية، تُعرّض الحكومة طبقة اجتماعية عريضة، وعائلات بأكملها مع جيل كامل إلى خطر الإقصاء والأمية والاضطرابات النفسية، والسقوط في مستنقعات البؤس والعوز والتجهيل.
  ظروف صعبة، لم يعد يشعر فيها الطفل بالطمأنينة على طموحه ومستقبله، وبات يلقي باللوم بكل ذلك على نفسه، وعلى أسرته، ويحمّلها فوق طاقتها، بينما هي تغرق في الفقر، ولا تمتلك ما يكفي للعيش الكريم، وتشعر بالذنب تجاه أطفال لا يُقدَّم لهم ما يستحقون من التعليم المناسب، والعيش الكريم.
كل ذلك وسط تخبط السياسات الحكومية في المجال الصحي والتعليمي، وتقويض قيم التضامن والتعاون، في عالم هرمي يتشكل من قمة مرفهة فاسدة، وقاعدة عريضة يتم تغييبها والتضحية بها من قبل حكومة فاشلة وصلفة ومجردة من الإنسانية.
ببساطة، لا يجدر لأحد أن يعاني  في دولة تقوم وارداتها على الضرائب التي تدفع من جيوب الفقراء قبل الإغنياء، وتتسرب مواردها في ثقب الفساد الأسود، وتعتاش نخب سلطتها التنفيذية ببذخ وإسراف على حساب المجتمع، وحكومات تابعة، تتخلى بشكل تدرجي عن مسؤولياتها في خدمة المجتمع.
وحتى لا يتحول الغياب القسري إلى تسرب نهائي من المدارس، على الحكومة أن تتوجه فورا و-كأولوية- إلى توفير الظروف والوسائل العملية للعودة إلى التعليم الوجاهي، ورفع سوية التعليم والمدارس والجهاز التعليمي،

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى