مارش عسكري فلسطيني
من يراقب المشهد الفلسطيني من الداخل أو من الخارج سيكتشف أن هناك مارش فلسطيني يختلف عن كل المارشات العسكرية في العالم، ففي فلسطين كل واحد فى اتجاه وكل مجموعة تسير فى اتجاه دون السير فى وجهة واحدة والكل يَدّعي حرصه على القضية وأنه مؤتمن عليها، والكل يَدّعي وصلاً بليلى وليلى تنكر أن أحداً يصلها، حتى أن أحد المطبعين وبامتياز خرج علينا صباح هذا اليوم مسروراً بالإحتفال بيوم الأرض ومشاركته دون أن نعرف أيَّ أرض يحتفل بها وبيومها.
أعتقد أن جذور هذا المارش تكمن فى قبولنا بالسماح لكل طرف بالاجتهاد لطبيعة الصراع والسير عليه وتفسيره على هواه وعلى هوى قوى دولية.
هناك من تعامل مع الصراع على أنه صراع وجودي مع حركة تحرر فلسطيني ومشروع عربي نهضوي ضد مشروع صهيوني استعماري استيطاني إحلالي، وهناك من تعامل على اعتبار الوجود الصهيوني على أنه حركة قومية يمكن التعامل والتفاهم معها .
هذا الفهم انعكس سياسيا على الواقع الفلسطيني بقبول أحد الأطراف الفلسطينية بقرار التقسيم، ثم تحول هذا الموقف السياسي إلى حالة فكرية تُنظّر للتسوية تجلت بما يعرف بالنقاط العشرة فى سبعينات القرن الماضي وصولاً إلى التوقيع على اتفاقيات مع الكيان الصهيوني وصولاً إلى إعطاء مشروعية لإتفاقية أوسلو سيئة السّيط والسّمعة ثم التعامل مع المؤسسات الصهيونية كالكنيست وغيرها.
وازدادت مجموعات أخرى لتبدي حماسا أكثر بالعبث بمفاهيم الصراع حيث أن أحد الباحثين أبدى تشجيعا لتوطين الفلسطينيين حيث هم، وأمام هذه الصورة بات من واجبنا أن نسأل ونتساءل هل من حق أي مجموعة مهما كانت منطلقاتها الفكرية أن تفسر الصراع على هواها ؟! وتحدد المدى للأهداف المستقبلية للشعب الفلسطيني ؟!!! .
وهل من حق طرف فقط بسبب قوته أن يدخل في مفاوضات وأن يوقع معاهدات على قياس رؤيته؟!! .
هذا الدرب وإن بدى للبعض أنه مرحلة سياسية يمكن القفز عنها، ما هو إلا كلام مضلل لأن هذه الأفكار مع الوقت ستتحول إلى منطلقات فكرية تحت مسميات السلام والتعايش.
السؤال هل من حق هؤلاء الاختلاف وقبولهم على الرغم من أنهم بسلوكهم يقوضون الثوابت الوطنية؟!!
إن الأناس العاديون وبحكم واقعهم وما يتلمسونه يرون أن هذا العدو لا يمكن التعايش معه، وأن كل ما يقال ليس إلا هذيان فكري.
ومسألة أخرى هل تشكل الأيدولوجيا ساترا وواقيا وأمراً مباحاً لتسويق تلك الأفكار؟ ،فهناك من يستشهد بصلح الحديبيه وهناك من يستشهد بصلح بريست .
أعتقد أن الواجب يقتضي تجريم كل من يقفز على الثوابت الوطنية تحت أية مبررات أو ذرائع فلولا تلك الرخاوه لما نجح الكيان الصهيوني بالتمدد وقبول العرب على التطبيع، إلا لأن الفلسطيني سبقهم فى ذلك .
ما هو مطلوب العودة لمنطلقات الصراع بأنه صراع بين حركة تحرر وقوة استعمارية استيطانية وعدم السماح لأي جهة تطرح فهماً غير ذلك بطرح فهمها المشوه، فالعبث بالمنطلقات الوطنية والسماح به ليس ديمقراطية ولا حرية رأي.