مقالات

مؤشرات عدم المساواة الاقتصادية في الأردن

تواجه المجتمعات كافة ظاهرة عدم المساواة في العديد من الحقوق الاقتصادية، التي يجب وبالضرورة الحصول عليها بعدالة ودون تمييز أو امتيازات، لأفراد أو مجموعات أو مناطق جغرافية دون أخرى، وتنص الدساتير والقوانين والاتفاقيات العالمية صراحة على تلك العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع أفراد المجتمع، بل تذهب بعض الاتفاقيات والشرعات العالمية المصادق عليها والموقعة بين الكثير من الدول إلى أبعد من ذلك بالمساواة بين المواطنين والبلدان على الصعيد العالمي، إلا أنه ومع التطورات التي تشهدها المجتمعات في زمن الانقلابات التكنولوجية فان ظاهرة عدم المساواة تزداد أفقيا وعموديا،
تتعدد المؤشرات التي تدل بالملموس والتي لا تنكرها الحكومات والمؤسسات الرسمية، على التفاوت والتمييز الاقتصادي بين أفراد المجتمع، مترافقا ذلك مع الكثير من جوانب التمييز الأخرى الثقافية والسياسية وغيرها من الجوانب، التي تدعي الكثير من الدول بصعوبة تحقيق العدالة فيها وانها من طبيعة الحياة الانسانية، فاذا كان الأخذ بعين الاعتبار أن أفراد المجتمع يتفاوتون في الثقافة والثروة على سبيل المثال، فأين تكمن الصعوبة في المساواة بين شخصين أحدهما يحصل على حق اقتصادي ويحرم منه الآخر في نفس المكان أو في مكان آخر دون وجود أية فوارق بينهما؟ أوليس من انعدام العدالة والمساواة في أن يحصل فرد أو مجموعة على خدمة ما باتصال هاتفي بينما ينتظر آخرون عدة أشهر للحصول على نفس الخدمة؟

ينص الدستور الأردني في مادته السادسة على «الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين»، «تكفل الدولة العمل والتعليم ضمن حدود امكانياتها وتكفل الطمأنينة وتكافؤ الفرص لجميع الاردنيين». وقد اعترفت الدولة الأردنية بالاعلان العالمي لحقوق الانسان وهي طرف في «العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية» الذي يسمو على القوانين المحلية وتلتزم الدولة العضو بتطبيق محتواه دون أدنى مخالفة، والتي تنص المادة الثانية منه على « تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد بأن تضمن جعل ممارسة الحقوق المنصوص عليها في هذا العهد بريئة من أي تمييز بسبب العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسيا أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة، أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب».
لا تقتصر عدم المساواة على التفاوت في الدخل فقط وانما تشمل أوجه أخرى، فالتفاوت في الخدمات الصحية والتعليمية والبيئية وتوفير البنية التحتية ووسائل المواصلات والاتصالات وغيرها من الخدمات لا تقل أهمية وذات تأثير مؤكد في التمييز بين جميع فئات السكان، خاصة عندما يختلف الدخل وتقديم الخدمات بناء على الموقع الجغرافي والجنس والعرق والسن والمعتقد الديني والانتماء السياسي والتصنيف الطبقي ودرجة القرابة والمال الأسود.

عدم المساواة في الدخل

يتسم المجتمع الاردني بشكل واضح بعدم المساواة في الدخل، ليس للفئات المختلفة في الوظيفة والرتب، بل بين الفئة الواحدة وبين القطاعين العام والخاص وبين العمال والموظفين الحكوميين وبين المحافظات وبين الرجل والمرأة وبين عمل الكبار وعمل الأطفال, وهذه عدم المساواة لها دور كبير في خلق الفقر والتفاوت الطبقي والاختلاف الشديد في نمط الاستهلاك، والفرق الشاسع في مستويات المعيشة للأفراد والأسر، والفجوة ما بين الدخل الاسمي والدخل الحقيقي وارتفاع معدلات البطالة، وهذه العوامل تمثل سببا مباشرا للأزمات الاقتصادية وعقبة كأداء في طرق النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة. فنسبة عدم المساواة في الدخل تتجاوز معدل 30% يترافق ذلك مع انخفاض نصيب العمالة في الدخل القومي لصالح العمل الآلي وارتفاع العمالة غير المنظمة، ذوي الدخول غير الثابتة وغير المستقرة الذين يتعرضون لخفض اجورهم وحرمانهم من برامج الأمان الاجتماعي، وسرعان ما يتم الاستغناء عن خدماتهم وخروجهم من سوق العمل بسبب تدني اجورهم وعدم قدرتهم على مواجهة أي أزمة اقتصادية.
حسب تقرير البنك الدولي فان متوسط دخل الفرد في الاردن يقدر بـ 2408 دينار سنويا. ومع ذلك فان أغنى 10% من السكان يحصلون على 48% من الدخل بينما 50% من الفقراء يحصلون على 18% من الدخل. ويختلف هذا المتوسط من محافظة إلى أخرى، فبينما متوسط دخل الفرد أعلى من المتوسط العام في العاصمة عمان، فان هذا المتوسط أقل منه في المحافظات الأخرى. أما متوسط دخل الاسرة فقد قدرتها دائرة الاحصاءات العامة بـ 11242 دينار سنويا، واشارت إلى أن محافظتي العاصمة والكرك يزيد فيها متوسط دخل الأسرة عن المتوسط العام، بينما باقي المحافظات يقل فيها دخل الأسرة عن المتوسط العام، وعلى مستوى المملكة فان 70% من الأسر يقل دخلها عن المتوسط العام للدخل. أما فيما يتعلق في عدم المساواة في الأجور والرواتب، فقد تظهر عدم المساواة في الفرق بين رواتب العاملين في الدائرة الواحدة، حيث قدر متوسط الرواتب بـ 455 دينار فيما الحد الأدنى للأجور حسب القانون يبلغ 220 دينار وفي نفس الوقت تتم تعيينات جديدة في القطاع العام بعقود ومستشارين براتب 3000 دينار. وبالمقارنة مع رواتب العاملين في الهيئات المستقلة والشركات التي تمت خصخصتها تظهر عدم المساواة في الفرق الشاسع واللامعقول بين رواتبهم ورواتب نظرائهم في الدوائر الحكومية، ففي شركة البوتاس على سبيل المثال لا الحصر فان الحد الأدنى للاجور يبلغ 850 دينار مضافا اليها الضمان والمكافآت والتأمين الصحي للعامل وأسرته والأشهر الاضافية لكل عام، أما رواتب الادارة العليا فتزيد عن عشرة أضعاف هذا الراتب.

عدم المساواة في المستويات المعيشية ورفاه الأسرة

لا شك أن مستويات المعيشة للأسر الأردنية منخفضة جدا لعدة أسباب، أهمها البطالة وتدني مستويات الأجور وارتفاع الأسعار وغيرها من الأسباب، لكن الأهم هو الفجوة العميقة في المستويات المعيشية بين الفئات المختلفة من السكان سواء بين سكان المحافظات أو داخل المحافظة الواحدة.
في قياس مستويات المعيشة تعتمد دوائر الاحصاءات ومراكز البحوث مؤشر «معامل جيني» الذي يقيس المدى الذي ينحرف فيه توزيع الدخل، وفي بعض الحالات الانفاق الاستهلاكي بين الأفراد والأسر في اقتصاد ما عن حالة التوزيع المتساوي، ويتراوح المؤشر بين الصفر الذي يمثل المساواة التامة و100 التي تمثل عدم المساواة التامة. وحسب البنك الدولي فان الاردن يتسم في عدم المساواة في توزيع الدخل والانفاق والثروة حيث يصل معامل جيني الى 38 وهذا يبين الابتعاد كثيرا عن عدالة التوزيع، والأسوأ في اللامساواة في عدالة التوزيع بين المحافظات.
أما مستويات رفاه الأسر الأردنية فقد بينت بيانات دائرة الاحصاءات العامة للعام 2017-2018 من خلال تقسيم الأسر الأردنية إلى خمس شرائح لكل شريحة 20% من مجوع الأسر الأردنية تحت بند خميسات الرفاه، تبين من خلالها أن 21% من الأسرالاردنية تقع ضمن شريحة الخميس الأعلى للرفاه بينما 16% منهم يقعون ضمن الخميس الأدنى للرفاه، وعلى صعيد المحافظات فان العاصمة عمان هي الأعلى في مستوى الرفاه حيث 34.4% من السكان يقعون ضمن الخميس الأعلى للرفاه و11.2% من السكان ضمن الخميس الأدنى. وبالمقارنة مع باقي المحافظات فإن 49% من سكان محافظة المفرق (بما في ذلك اللاجئين السوريين) يقعون ضمن الخميس الأدنى و3.3% فقط في الخميس الأعلى تليها محاظة معان( 36% في الخميس الأدنى و10% في الخميس الأعلى) .
عدم المساواة بين الجنسين في الدخل والملكية
أهم ما في هذا المؤشر لعدم المساواة بين النساء والرجال يكمن في مشاركة المرأة في سوق العمل ومستويات الأجور والملكية بما في ذلك ملكية المنزل الخاص والأرض.وقد أظهرت الاحصاءات الرسمية في الأردن أن مشاركة المرأة في سوق العمل لا تتعدى نسبة 15% وهذه المشاركة واحدة من أدنى النسب العالمية، بينما يشارك الرجل بما يزيد عن 65% فيما بلغ معدل مشاركة المرأة في القوى العاملة أقل من ربع مشاركة الرجل ليحتل الاردن المرتبة 120 من بين 134 دولة، وأغلب مشاركة المرأة في العمل يقع في قطاع التعليم بنسبة 43% من النساء العاملات يليه قطاع الخدمات الصحية بنسبة 16% وقطاع الادارة العامة بنسبة 14.2%. ومن بين فرص العمل المستحدثة تحصل النساء الأردنيات على 30% من مجموع الفرص بينما يحصل الرجل على نسبة 70%. كما أن المرأة لا تتمتع بالحماية الاجتماعية التي يتمتع بها الرجل مثل الميراث والتقاعد والتأمينات الصحية.
من المؤشرات التي تدل على عدم المساواة استنادا الى النوع الاجتماعي مؤشر معدل البطالة بين الجنسين، إذ أعلنت الاحصاءات الرسمية مؤخرا بان معدل البطالة في الاردن بلغ 23% بينها 21.5 بين الرجال و28.6% بين النساء.
في جميع القطاعات الاقتصادية وبالتحديد في القطاع الخاص فان المرأة تتقاضى أجرا شهريا أقل من الرجل، حيث كشفت الأرقام الرسمية للعام 2019 أن متوسط أجور العاملين في التشريع والادارة العليا في القطاع العام 1214 دينار للذكور و942 دينار للاناث، وفي القطاع الخاص 1597 دينار للذكور و1051 دينار للاناث، أما المهن الأولية فقد بلغ فيها متوسط اجور الذكور 406 دينار و300 دينلر للاناث. وفي مهن المتخصصين في القطاع العام فان متوسط الاجور للذكور 769 دينار وللاناث 564 دينار. أما الكتبة فان متوسط أجور الذكور 546 دينار و444 دينار للاناث وفي القطاعات الحرفية فقد بلغ متوسط الاجر الشهري للذكور 616 دينار وللاناث 447 دينار أما مشغلي الألات فقد وصل متوسط الأجر الشهري للذكور575 دينار و504 للاناث. أما القطاع الخاص فان عدم المساواة في الأجر حسب النوع الاجتماعي يظهر جليا في نفس موقع العمل وبالعمل المتساوي، إذ يتقاضى المتخصصين الذكور أجرا شهريا قدره بالمتوسط 742 دينار و 498 دينار للاناث، والفنيين والمساعدين يتقاضى الذكور 573 دينار والاناث 427 دينار والكتبة يتقاضى الذكور أجرا شهريا بالمتوسط 475 دينار والاناث 375 دينار والباعة في المحال التجارية والأسواق يتقاضى الذكور 302 دينار والاناث 281 دينار والمهن الحرفية بمتوسط 351 دينار للذكور و244 دينار للاناث ومشغلي الألات بمتوسط شهري 312 دينار للذكور و207 دينار للاناث.
بخصوص الملكية فان مشاركة المرأة في ملكية الأعمال متدنية جدا حيث تشكل نسبة عضوية المرأة في غرفة الصناعة 5% بينما هي 1% في غرفة التجارة. وان نسبة الملكية المباشرة للنساء لأسهم الشركات لا تتتعدى 5%. أما الملكية الشخصية خاصة ملكية المنازل والأراضي فقد بلغت نسبة الرجال الذين يمتلكون منازلا بمفردهم 27.5% بينما نسبة النساء اللاتي يمتلكن منزلا لوحدهن بلغت 6.1%، أما الأراضي فان نسبة الرجال الذين يمتلكون أرضا لوحدهم تعادل 11.3% فيما نسبة النساء تعادل 3.2%.
إن أول آثار ظاهرة عدم المساواة تنعكس سلبا على معدلات النمو وتحقيق أهداف التنمية المستدامة بالاضافة إلى انعكاساتها في خلق الازمات والاختلالات الاقتصادية والتهديد للسلم المجتمعي وخلق التطرف والجنوح للعنف وخرق المعايير الاخلاقية ومخالفة القوانين وغيرها من الخسائر التي تمثل عدم المساواة بيئة صالحة لزراعتها ونموها.

بواسطة
د. عارف حمو
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى