لبنان تحت الوصاية الدولية.. مشروع إمبريالي / هيثم صادق
الدعوات لتدويل التحقيقات التي تعقب كل كارثة تحل بلبنان، والتي تهدف إلى جعل تلك الكوارث مسوغات لفرض الوصاية على ذلك البلد، ووضعه تحت مظلة دولية تتحكم في مصيره وتعيده إلى حقب استعمارية قديمة، هو مشروع أميركي- صهيوني تتولى تنفيذه دول أوروبية في إطار التقسيمات الإمبريالية للشرق الاوسط الجديد، ويسمح لإسرائيل بالتنقيب عن مصادر الطاقة والآبار البحرية المتنازع علبها بين لبنان واسرائيل، وينزع من لبنان قوى الصمود والتصدي ممثلة في القوى التقدمية وحزب الله اللبناني من خلال تأليب الشعب ضدها.
بتصويرها كقوى طاردة للسلام الوطني والأمن الأهلي وجالبة للدمار الشامل، وهذا ما يعمق الاعتقاد أن انفجار مستودع نترات الأمونيوم في المستودع 12 في مرفأ لبنان لم يكن حدثًا عرضيًا، بل أن هناك أصابع قذرة خفية كانت وراء ذلك الانفجار الذي تسبب بفاجعة مؤلمة ومدمرة. التطورات الدراماتيكية المتسارعة التي بدأتها اسرائيل باستهداف أحد عناصر حزب الله، وما تلتها من حشود عسكرية اسرائيلية وتوجيه اتهامات لحزب الله باختراق الخط الدولي الأزرق للهدنة على الحدود بين الكيان الصهيوني ولبنان وسوريا، كان يمهد لاظهار حزب الله كعامل تفجير للصراع في المنطقة وذلك بهدف شيطنة الحزب وجميع القوى السياسية الرافضة لمشروع الوصاية الدولية على لبنان الذي بدأ طرحه بقوة منذ اغتيال رفيق الحريري وتحميل مسؤولية ذلك لسوريا وحزب الله، والذي أعقبته مباشرة الدعوة لفتح تحقيق دولي بما يمثل إلغاءً شاملًا لسيادة الدولة اللبنانية وتسويغًا لإعادة تموضعها تحت انتداب فرانكفوني ووصاية دولية تلغي سنوات طويلة من الكفاح الوطني الذي خاضه الشعبان اللبناني والسوري للتحرر من نير الاستعمار الفرنسي والمساومة على دماء الشهداء، وذلك في إطار عقاب جماعي على الشعب اللبناني بعد أن تمسك بحريته واستقلاله الوطني وحقه بالسيادة في وطنه ورفضه لاحتلال أي شبر من أرضه، وتعميد ذلك بتضحيات عظيمة ومآثر ملحمية بطولية في مواجهة العدوان الصهيوني وحروبه المتتالية على لبنان. إن لبنان وشعبه ومعه كل قوى التحرر القومية والأممية قادر على إعادة بناء وطنه وليس طفلًا يتيمًا بحاجة إلى وصاية دولية لتسيير أموره، بل شعب قادر على إعادة الأعمار والتنمية لبلده وحمايته من كل أشكال العدوان الخارجي، وهذا ما أكدته سنوات الصراع الدامي بين قوى الاحتلال العنصري الصهيوني وقوى لبنان الوطنية والتقدمية الحية، والتصدي لمحاولات اسرائيل الاستيلاء على موارد لبنان المائية والنفطية واستغلالها لتحقيق مصالحها وأهدافها العنصرية. إن لبنان رغم تلك الكارثة التي سببها انفجار المرفأ البيروتي، والدمار الذي خلفه والذي يحاول اليمين الصهيوني استغلاله لخداع العالم بوجه “إنساني” زائف وتحاول دول الاستعمار والقوى الداخلية اللبنانية المتواطئة معه استغلاله لفرض الوصاية الدولية على لبنان لن ينجح، فالشعب اللبناني أثبت أن بمستوى عال من الوعي أنه قادر على تجاوز كل المحن التي يتعرض لها، والمؤامرات التي تستهدف وطنه وحريته وسيادته على أرضه وموارده. لقد طرحت صيغتان مختلفتان للتعاون بين لبنان وفرنسا في قضية المرفأ، الأولى دون المساس بسيادة لبنان على أرضه والتعاون على أساس الصداقة والتضامن، وتحقيق بمشاركة خبراء دوليين تحت مظلة السيادة اللبنانية واحترام القضاء اللبناني وهي الصيغة التي طرحها الرئيس عون حين طلب من الرئيس ماكرون صور الأقمار الصناعية التي سبقت الحريق لمعرفة أسبابه وما إذا كانت أيد معادية أدت لاندلاعه، وحين وافق لبنان على إشراك خبراء دوليين في التحقيقات بشأن الانفجار، أما الصيغة الثانية فتمثلت بالشطب التام لدور الدولة اللبنانية وأجهزتها العسكرية والأمنية والتطاول على قضائها والطعن السافر بنزاهته بالدعوة إلى تدويل التحقيق بحيث يمكن للدول الامبريالية التدخل الفظ في شؤون الدولة اللبنانية والاعتداء على استقلاليتها وسيادتها الوطنية على أرضها. إن الضغوط الدولية التي بدأت باستنكاف المؤسسات المالية الدولية عن تقديم أي مساعدات لبنانية إلى لبنان لإنقاذها من أزمتها الاقتصادية الحادة، بهدف فرض سياسة التجويع على الطبقة الاقتصادية الأكثر عوزًا ولجم أي توجه تنموي وتعميق ظاهرة التضخم المالي وانهيار القيمة الشرائية لليرة إن لم تستجب لشروط تلك المؤسسات المالية الإمبريالية المجحفة لتنتقل تلك الضغوط إلى محاولة احتواء لبنان سياسيًا ومحاولة فرض الوصاية عليه.