مقالات

ميزان المدفوعات الأردني في ظل الكورونا

ميزان المدفوعات هو سجل محاسبي، مالي، اقتصادي، وإحصائي لجميع المعاملات المالية والتجارية بين الدولة وبقية دول العالم الخارجي في فترة زمنية معينة. وهذا السجل يشتمل على بيانات تبين قيمة الحقوق والديون التي تحصل بين دولة ما والدول الأخرى نتيجة للتدفقات المالية والتجارية على شكل مقبوضات ومدفوعات، ويشمل ميزان المدفوعات الحساب الجاري الذي يتكون من التجارة الخارجية (صادرات ووارداتمن السلع والخدمات) والتحويلات المالية (تحويل مبالغ مالية لداخل وخارج الدولة) وحساب رأس المال والاحتياطات (الاستثمارات الأجنبية والقروض والمنح والاحتياطات من العملات الأجنبية) وهذه البيانات تتغير من فترة لأخرى ولذلك يتم قياسه خلال فترة زمنية معينة غالبًا ما تكون خلال شهر معين أو ربع أو نصف سنة أو نهاية العام، ويتم قياس تلك التغيرات بالمقارنة مع الفترة السابقة أو بالمقارنة مع نفس الفترة من سنة أو سنوات سابقة، ويعتبر ميزان المدفوعات مؤشرًا مهمًا في الحكم على المركز المالي للدولة ودرجة التقدم الاقتصادي لهذه الدولة وقدرتها على الوفاء بمستحقات الآخرين غير المقيمين وما يكفي لمعالجة المشكلات الاقتصادية ودفع عجلة النمو الاقتصادي.

في الظروف الطارئة التي لا يمكن التنبؤ بها كجائحة الكورونا العالمية فلا بد أن يتعرض ميزان المدفوعات إلى اختلالات وتغيرات مفاجئة مثله مثل باقي الموازنات والحسابات القومية العامة والخاصة بسبب الانخفاض في حجم الإنتاج وصعوبة انتقال الانسان ورأس المال. فقد أثرت الجائحة على ميزان المدفوعات لجميع الدول وتم تسجيل بيانات غير متوقعة بالزيادة والنقصان على كلا الجانبين الدائن والمدين بعضها ذات أثر ايجابي وأكثرها ذات أثر سلبي.

رغم أن ميزان المدفوعات الأردني يتسم بالعجز الدائم فقد تعرض في النصف الأول من العام الحالي 2020لمجموعة من التغيرات غير المتوقعة والمألوفة كما هي في السنوات السابقة، بعض تلك التغيرات عملت على تخفيض قيمة ونسبة العجز وبعضها رفعت قيمة ونسبة العجز، وحسب الزيادة أو النقصان في أرقام كل بند من بنود الميزان، فقد ظهرت تلك التغيرات مع بداية الجائحة بسبب الإجراءات التياتخذتها بعض البلدان التي يتعامل معها الأردن تجاريًا وماليًا أي في الربع الأول من العام 2020.فما أن بدأتالحكومة الأردنيةباتخاذ اجراءات الإغلاق وتفغيل قانون الدفاع في العشر الأواخر من شهر آذار 2020 حتى بدأت التغيرات النوعية تظهر في الشهر التالي (نيسان)مما أثر على الوضع المالي لميزان المدفوعات للفترة السابقة أي للأربعة أشهر الاولى من العام 2020 مقارنة مع نهاية العام الماضي أو مع الفترة نفسها من العام الماضي 2019 الذي شهد انخفاضًا شديدًا في عجز الحساب الجاري بنسبة 58.4% مقارنة بالعام 2018 حسب تقرير البنك المركزي الأردني حيث وصل العجز إلى 873.2 مليون دينار (2.8% من الناتج المحلي الاجمالي) مقارنة بـ2.1 مليار دينار خلال العام 2018(7%من  الناتج المحلي الاجمالي) وذلك بسبب انخفاض العجز في الميزان التجاري (صادرات وواردات) بنسبة 13.8% وارتفاع الدخل السياحي بنسبة 10.2% الذي وصل إلى 4.1 مليار دينار وكذلك ارتفاع تحويلات الأردنيين في الخارج التي وصلت إلى 2.22 مليار دينار. أما الربع الأول من العام الحالي 2020 فقد سجل الحساب الجاري عجزا مقداره 309.2 مليون دينار (4.2% من الناتج المحلي الاجمالي) مقارنة بعجز قدره 330 مليون دينار (4.6% من الناتج المحلي الاجمالي) للفترة نفسها من العام 2019 وقد كان للمنح الخارجية دورًا مهمًا في خفض قيمة ونسبة العجز. ومع استمرار الإغلاق وتطبيق أوامر الدفاع في شهر نيسان 2020 انخفضت التجارة الخارجية (صادرات وطنية ومستوردات)انخفاضًا جامحًا وصل خلال الثلث الأول من العام الحالي 2020 إلى 906 مليون دينار،ومقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي 2019 حيث بلغت التجارة الخارجية مبلغ 5.102 مليار دينار بينما كانت قد سجلت مبلغ 6.008 مليار دينار لنفس الفترة من العام 2019 أي أن نسبة الانخفاض كانت -15.1%،وقد سجل الميزان التجاري (الفرق بين الصادرات الكلية والمستوردات) عجزًا قدره – 2.046 مليار دينار بينما كان للفترة نفسها من العام الماضي – 2.775 مليار دينار أي أن معدل النمو -26.3% بينما كان في الفترة نفسها من العام الماضي -5,5% وجاء ذلك نتيجة لانخفاض الصادرات الوطنية بنسبة -3.1% وانخفاض السلع المعاد تصديرها بنسبة -29.5% مقابل ذلك فقد انخفضت المستوردات بنسبة -19%، ومن المهم الإشارة إلى أن أوامر الدفاع الخاصة في الشأن الاقتصادي قد كان لها السبب المباشر في خفض حجم التجارة الخارجية هذا ولا نقلل من دور الإجراءات التي اتخذتها بعض الدول بإيقاف أو الحد من حجم تجارتها الخارجية، فخلال شهر نيسان 2020 وحده انخفضت صادرات الأردن الكلية (صادرات وطنية وإعادة تصدير) بنسبة -38.6% بينما انخفضت المستوردات بنسبة -47%مقارنة بنفس الشهر للعام 2019، أما عجز الميزان التجاري فقد شهد انخفاضًا خلال شهر نيسان نسبته -51%.

بواسطة
د.عارف حمو
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى