دولة مواطنة ام دولة عشائر وقبائل وعائلات
الكثيرون يتحدثون عن دولة المواطنة ضمن عدة مسميات، ابرزها (الدولة المدنية او دولة المؤسسات او دولة القانون او الدولة الديمقراطية )، وبغض النظر عن كل هذه التسميات فإن مستلزمات وشروط تحقيق هذا الشعار يقوم على أساس سيادة القانون وهذا يعني أن الجميع متساوون أمامه.
هذا يضعنا امام عنوان تفسير ماهية القانون (الدستور)، الذي يحدد ان الدولة ومؤسساتها معيارها هو ان تقف على مسافة واحدة من كافة القوى الاجتماعية وتمثيلها السياسي، وتحكم الصراع فيما بينها باعتماد ناظم واحد هو القانون، معيار فعالية القانون يكون بتطبيقه الخلاق على الجميع من خلال نظام قضائي مستقلا عن المؤسسات التنفيذية للنظام السياسي وفوقه كأداة لسلطة تنفيذ القانون لتعميق عدالة الدولة.
تتطور صيغة الدولة من خلال ادراك القوى الاجتماعية لضرورتها، وتتعمق عدالتها ارتباطا بتطور الوعي العام ان الدولة هي الاطار الجامع لتلاقي مصالح جميع القوى الاجتماعية. هذه المصالح تتعزز وحدتها بمقدار ارتفاع مستوي قيم العدالة والمساواة والمشاركة في اطار النظام السياسيالذي عليه ان يعبر عن جوهر العقد الاجتماعي (الدستور).
التنافس السياسي بين ممثلي القوى الاجتماعية يحدد على أساس البرامج السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية.
تأسيس أحزاب على أساس الدين أو الجنس أو العرق، العشيرة او العائلة يتعارض مع أسس الديمقراطية من حرية وعدالة ومشاركة، هذه الاسس لكي تعمل كمنظومة يجب ان تكون محصنة قانونيا أي أن كل القوانين قائمة على أساس تعميق هذه الجوانب ولا أحد فوق القانون .
أما عن القضايا المتعلقة بالقضايا المصيرية فإن جميعها خاضعة للإرادة الشعبية أي الإستفتاء عليها.
إن الحديث عن النظام السياسي يبدأ اولا بصياغة قوانين للأحزاب تقوم على أساس المواطنة بعيدا عن الدين والعرق والجنس والعشيرة والعائلة .
القانون لكي يكتسب طابع العدالة الاجتماعية عليه ان يصاغ بطريقة عادلة يؤمن التمثيل الحقيقي للقوى الاجتماعية ويعكس ميزان القوى الاجتماعية الحقيقي.
إن أية صياغة تتنافى مع معيار العدالة الاجتماعية والمشاركة وحرية التعبير ستخلق بيئة للفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي (الامثلة الملموسة القائمة في البلدان العربية أكبر دليل على ذلك).
ثانيا البدء بإعادة بناء ثقافة جمعية، تقوم على أساس تعزيز المبادرات الشعبية في المشاركة بحل الأزمات العامة وتعزيز دور المواطن في مسؤوليته الوطنية، أما عن السلطات فيجب أن تقر بمسؤوليتها عن الوضع التي وصلت إليه أوطاننا، إذا كانت تريد مصالحة مع شعوبها وتبعد شبح الفوضى التي ستحرق الجميع،وتبدأ بإيجاد وسائل جديدة وأدوات جديدة لا تمت لمسببات الأزمات بصلة وهنا تبرز اهمية التزاوج بين إيجابيات القديم والطاقات الكامنة في الجديد المطلوبة لحل التعارض بينهما .
في ظل معطيات الواقع القائم، فان التعارضات بين متطلبات دولة القانون وبين دولة (العشيرة او القبيلة او العائلة)، يجب ان يحسم في لحظة ما من تطور الصراع لصالح دولة القانون اذا ما حل هذا الصراع على اساس القانون .
أما اذا كانت متطلبات استمرار النظام قائمة على اساس التوازن، بين المصالح القبلية، فان هذا يدخل الدولة في تعارض بين بنيتها القبلية-العشائرية، وبين متطلبات سيادة قانون الدولة الذي يقوض لمصلحة الفئات الاكثر نفوذا في منظومة العشائر والعوائل، هذه الفئات التي من مصلحتها ان تعزز نفوذها في مؤسسات الدولة بناء على التقاسم الوظيفي بين منظومة العشائر والعوائل، هذا المنظومة التي تستغل مؤسسات الدولة لتجييرها لمصلحة الفئات الاكثر نفوذا فيها، وتخلق حالة من التوتر بين الفئات الاجتماعية الاخرى في المجتمع، نتيجة لحالة التهميش السياسي والاقتصادي، ومع تعمق نفوذ منظومة العشيرة والعائلة على حساب القانون، تتعمق الهوة بين الفئات الاجتماعية داخل العشيرة والعائلة من جهة وبين مصلحة افراد العشيرة وباقي القوى الاجتماعية من جهة اخرى، وبذات الوقت ترتفع وتيرة التعارض بين القوى الاجتماعية المهمشة وبين منظومة الدولة ونظامها العشائري والعائلي ومؤسساته. هذا التعارض يؤسس لحالة غياب العدالة الاجتماعية التي تؤدي لتآكل مفهوم الدولة.
غياب العدالة الاجتماعية يؤدي الى وضع تصبح فيه الدولة امام خيارين، اما ان تحسم خيار سيادة القانون على الجميع، او خيار سيادة العشيرة او العائلة.
عدم حسم هذا التعارض سيؤدي الى تقويض اسس الدولة، ويدع القوى الاجتماعية المتضررة من النظام العشائري والعائلي في حده الادنى، خارج اطار الفعل الايجابي في الحالة البحرانية، وفي حده الاقصى، ممكن ان يصل الى الانخراط الواعي او غير الواعي في مشاريع تفتيت النسيج الاجتماعي، ويضعها في تناقض مع اسس الدولة في الحالة الليبية، وتصبح مصلحة العشيرة اعلى من مصلحة الدولة .
اما الحل الافضل والانجح، فهو ان يحسم التعارض لمصلحة سيادة القانون وهذا سيلاقي دعما من كافة القوى الاجتماعية التي ترى ان مصلحتها في سيادة القانون على الجميع، وبالرغم من لجوء بعض المتنفذين الى حاضنة العشيرة، لاستخدامها للتغطية من اجل الهروب من المحاسبة على تجاوزاتهم، او استخدام مؤسسات المجتمع المدني كاطار للضغط ، او استخدام الاطار التشريعي او مؤسسات الدولة، لحل التعارض بين مصلحة النظام العشائري او العائلي وبين متطلبات سيادة القانون، سيؤدي الى تعرية صيغة الدولة وجعلها في مهب الريح ، لأي مستثمر في تفتيتها والغائها في الحالة الاردنية.
سيادة القانون هي مصلحة جماعية للجميع، واي محاولات انتقائية لتعطيلها تعتبر تعميقا للازمة المجتمعية .
الوقوف ضد ممارسات قمع الحرية السياسية في التعبير عن الراي، هي في الجوهر وقوف ضد الفساد السياسي والاقتصادي.
المطالبة بسيادة القانون تعني المطالبة بالانفراج السياسي وتوسيع اطار المشاركة وتعميق العدالة الاجتماعية التي هي النقيض للفساد السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
المطالبة بسيادة القانون هي مطالبة شاملة وليست انتقائية القانون، عليه ان يعمق مفاهيم الحرية والعدالة والمشاركة وادواتها السياسية، هذه المفاهيم التي تتعارض مع مصلحة استخدام مفهوم العشيرة والعائلة لاستثمارها في تغطية الفساد السياسي والاقتصادي.
ان استخدام هذا السلاح هو خطر يحمل مفهوم التفتيت والتمييز، ويفتح الباب في اية لحظة لحل التعارض خارج اطار القانون الذي يقوض السلم الاهلي.
ان استخدام القانون من اجل تصفية الحسابات يؤدي لذات النتيجة ويعززعدم الثقة بالادوات القضائية.
المظهرالعام لمجتمعاتنا تحكمه العلاقات العشائرية والقبلية والعائلية، وتتجلى مظاهرها بوتائر مختلفة من حيث دور العشيرة او القبيلة او العائلة في النظام السياسي، الذي يطوع الدولة لمصلحة تداخل المصالح وتعارضها، ويخضع منظومة الدولة لمصلحة النظام السياسي القائم، ان كان قبلي او عائلي او حتى حزبي حيث يلعب الحزب دور العشيرة او القبيلة او العائلة.
حتى المعارضة واحزابها تاثرت بهذا الواقع القائم واصبحت احزابها تحكم علاقاتها الداخلية العلاقة العائلية او القبلية اوالعشائرية وتراها تمارس ذات الاسس في التوريث او في تقديس الفرد او غياب الديمقراطية الداخلية مما يؤدي الى فقدان حيويتها ودورها وتصبح مطالباتها بالديمقراطية واسسها عرضة للتشكيك كونها تعاني من عدم تطبيقها.
هذه الحالة العامة التي تحكم مجتمعاتنا وادواته في النظام والمعارضة وان تفاوتت في درجات تاثيرها وظروفها.
اعادة انتاج بناء المشروع الثقافي على اسس علمية واقعية تتعامل مع القيم الانسانية كمعيار للإرث الثقافي الانساني بشموليته، هي مخرج من حالة البحث عن الدور الانساني بين مفهوم عدالة الدولة والمفاهيم القبلية والعشائرية والعائلية وبين وظيفة الدولة ودور النظام.