التنسيق الأمني بين الاستراتيجية والتكتيك
لم يكن اتفاق أوسلو عملية تحرير للأراضي المحتلة، بل كان إلقاء عبء أمني على السلطة الفلسطينية، لتخفف الضغط على سلطات الاحتلال فتكثف جهودها في السيادة على الأراضي المحتلة وبناء المستوطنات لفرض أمر واقع جديد.
وحتى تثبت السلطة الفلسطينية مصداقيتها، عملت كأداة لضرب المقاومة وقامت بدورها على أكمل وجه في تنفيذ التنسيق الأمني، عبر جمع المعلومات الأمنية وتقديم التقارير للعدو، وأحيانا اعتقال أعضاء المقاومة وتسليمهم لسلطات الاحتلال مباشرة، أو بالتحايل.
ولم تكن هذه الخدمات مقابل خدمات بل إن رئيس السلطة محمود عباس قال « كل العالم يشهد أننا نجحنا بدورنا بالتنسيق الأمني 100%».
وقد كرر عباس تصريحاته حول اعتبار «التنسيق الأمني مقدس» وسيستمر، أليست قوات الأمن الفلسطينية هي «قوات دايتون» الجنرال الأمريكي، والتي حلت مكان رجال المقاومة الذين تم تحويلهم للتقاعد لأنهم لن يعتقلوا أعضاء الفصائل المقاومة؟
ولأن عباس يتمسك باستراتيجية المفاوضات ولا علاقة له بمبادئ فتح، ولا استراتيجيتها، فإن «التنسيق الأمني» هو استراتيجي بالنسبة له، أما التكتيك فهو التلويح بوقف التنسيق الأمني.
فقد قرر المجلس المركزي الفلسطيني والمجلس الوطني واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وقف التنسيق الأمني في عام 2015 وظل دون تنفيذ، بل استخدمت القرارات كتكتيك سياسي للتهديد بوقف التنسيق الأمني خلال السنوات الخمس ولم يفلح هذا التكتيك في تحقيق أي مطلب للسلطة، إذن ما الذي يجري الآن؟
أعلن الرئيس عباس في 19 أيار 2020 أن منظمة التحرير أصبحت في حل من جميع الاتفاقيات التي عقدتها مع الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية، وما ترتب عليها بسبب خطة ضم المستوطنات وأراضي الأغوار الفلسطينية مما يمنع قيام دولة فلسطينية، هل هذا الإعلان استراتيجي؟
لا شك أن هناك شرائح بورجوازية فلسطينية سياسية وعسكرية ورجال أعمال وسماسرة… لهم مصالح مرتبطة بالعدو المحتل وكذلك حصلوا على امتيازات منه لتسهيل أعمالهم ومصالحهم، ومن هنا فإن استخدام «التنسيق الأمني» يرتبط بمصالحهم ولا يستغنواعنه، وإلا سحبت منهم بطاقة VIP التي تسهل لهم أمورهم! إذن وقف التنسيق الأمني يرتبط بمصالحهم ولا يستغنوا عنه، وإن وقفه عمليا ليس استراتيجية، بل لتحسين أوضاعهم ولذلك انطلقت الأصوات التي تخفف من صدى العدو على القرار.
جاء تصريح حسين الشيخ «نموذجا»، وهو المقرب من عباس، لصحيفة نيويورك تايمز والذي أكد فيه أن السلطة «لوحدها» ستستمر في محاربة «الإرهاب» ويقصد «المقاومة»، وتابع نحن لا نريد الفوضى ولا نريد الأمور أن تصل إلى نقطة اللاعودة، وأن القرار جاء لتعريف «إسرائيل» بحجم العبء في حال غياب السلطة، أي؛ باختصار ورقة ضغط/ تكتيكية. بينما دعا جبريل الرجوب إلى الاحتجاج على الضم بطرق سلمية!.
الطرف الآخر يؤكد أن التنسيق الأمني مستمر رغم إعلان وقفه وتمت اجتماعات بناء على طلب الطرف الفلسطيني ولكن بشكل سري.