أحوال الناس الآن أكثر صعوبة مما مضى
توقفت عجلة الإنتاج بمعدل لا يقل عن (80%) بسبب جائحة كورونا، حيث كان للقطاع الصحي ومشتقاته المختلفة من مواد غذائية، سواء كانت زراعية أو تصنيعية أو صناعات مساندة لمواجهة الجائحة، كأدوات النظافة والتعقيم والمشتقات النفطية، وغيرها من متطلبات الدعم والمساندة لنشاط القطاع الصحي، حيث نجحت الدولة الأردنية بكل أركانها في مواجهة مخاطر الوباء والحد من انتشاره، بعد أن التزم المواطنين بأوامر الدفاع وتعليمات الحكومة، التي أتت أُكلها فيما يتعلق بالموضوع الصحي.
من المعلوم أن الحياة المعيشية للمواطنين، قبل قدوم كورونا كانت صعبة، وكانت دخول المواطنين وخاصة منتسبي الطبقتين الدنيا والمتوسطة، قد تآكلت بسبب ارتفاع كلف المأكل والملبس، السكن، التعليم، العلاج، حيث تكالبت عليه الضرائب، الطاقة، وكلفة التمويل (مؤسسات الإقراض المالي)، سواء كان مباشراً تجاه المواطنين أو كان التمويل المتعلق بالإنتاج وانعكاس ذلك على كلفة السلع والخدمات موضوع استهلاك المواطنين بشكل عام.
إن ما تقدم هو انعكاس للسياسات المالية التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة، ابتداءً من ارتفاع النفقات العامة واستحواذ النفقات الجارية على الحصة الأكبر منها، حيث أدى الإفراط في الإنفاق وخاصة ما تعلق منها بـ(تعويضات الموظفين) حسب التصنيف الاقتصادي للموازنة، إلى جمود بنود الموازنة وتراجع الإنفاق الرأسمالي الذي أدى إلى تآكل البنية التحتية، أرضية الاستثمار الجاذبة له مترافقاً ذلك مع تدخلات كثيرة من الأجهزة وأصحاب النفوذ في شؤون الاقتصاد والقضاء وأدواتهما المختلفة في أكثر من مجال.
لقد تم منذ ربع قرن تغليب الضرائب غير المباشرة (جمارك، مبيعات) على الضرائب المباشرة (الدخل) مما أحدث انقلاباً في السياسة الضريبية المتبعة منذ نشأة الدولة الأردنية وبانحياز مكشوف لصالح الأغنياء وعلى حساب الفقراء ومتوسطي الدخل، مما أدى بشكل واضح وجلي إلى ارتفاع أرباح الأغنياء سواء كانوا أفراد أو منشآت، وتجلى ذلك بالودائع لدى البنوك التي قاربت (35) مليار دينار، مقابل معاناة حقيقية للغالبية العظمى من المواطنين، حيث أدت هذه السياسة إلى ارتفاع كلف الإنتاج السلعي والخدمي على حدٍ سواء، الذي أدى بدوره إلى تآكل الدخول وارتفاع مديونية المنشآت والأفراد، حيث وصلت المديونية إلى ما يقارب ال (30) مليار دينار، وهي قريبة من مديونية الحكومة التي ارتفعت إلى هذا الرقم، كنتاج للسياسات الضريبية والمالية التي انتهجتها الحكومات منذ العقود الثلاث الماضية، والتي كانت خلاصة لبرامج الإصلاح الإقتصادي الموقعة مع الصندوق والبنك الدوليين.
لقد انعكست هذه السياسات على الإقتصاد الجزئي (صناعة، زراعة، خدمات)، حيث ارتفعت كلف السلع والخدمات التي تشكل عماد الناتج المحلي الإجمالي، وبعد الانضمام لمنظمة التجارة العالمية، فقد أصبحت قدرة هذه المنتجات على منافسة السلع الأجنبية أكثر صعوبة، مما أدى إلى تراجع الإنتاج، وبالتالي فشلاً ذريعاً في تحقيق نسب النمو المستهدفة، من برامج التصحيح بالإضافة إلى عدم قدرة هذه المنتجات على منافسة السلع في الأسواق الخارجية المستهدفة.
نعم لقد ارتفعت معاناة الناس، حيث ارتفعت معدلات البطالة واتسعت جيوب الفقر إلى حدود الخطر، مما يشكل تهديداً للأمن الاجتماعي الذي لن تستطيع الدولة معالجته والتصدي له، إلاّ بإصلاح سياسي يعيد لشعبنا دوره في صياغة خارطة طريق قادرة على معالجة ملفاتنا التي تنزف منذ عقود، خاصة منها الملف الاقتصادي الذي أصبح في وضع لا يعالجه إلا الإنفكاك من تبعية الغرب وأدواته الإستعمارية.