وَتَستَمِرُّ النَكبَة
لَيسَت الإنتخابات للكنيست الصَهيوني بِمنأى عَن صِناعَة وَهم «المواطَنَة» وَتَدعيم فِكرَة فَبرَكَة الهُويّة «الإسرائيلية» الجامِعَة للمجموعات السُكانية الصُهيونية الإستعمارية في فلسطين، وفي بوتَقَةِ هذه الفَبرَكَة يَتم شَمل الفلسطينيين أبناء الأرض والوطن كَمواطنين «إسرائيليين» رَغمَ كَونِهِم في بقاءِهم خَطَأ إستراتيجي عدا عن كونهم من «ضَحايا» النكبَة وسياسة التطهير العِرقي في العام 1948 وَكما هو مَعروف فقد كانَ من شُروط قُبول دولَة الكيان الصَهيوني في عُضويّة الأمم المُتحدَة بَعدَ أن تَقَدَّمَت بِطلَب إلى الأمين العام للأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني/ من العام 1948 وَقد رُفِضَ الطَلب في السابع عشر من كانون أول من ذات العام على قاعِدَة أنَّ الدولَة الجَديدَة لَم تَستوفي الشروط المطلوبة بحسب ميثاق هيئة الأمم وبعدَ ذلك بأشهُر قليلَة وبالتحديد في 24 شباط من العام 1949 تَقَدَّمت بطلب جَديد وفي الحادي عشر من أيار عام 1949 تم الموافقة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة على طلب دولَة الإستعمار الصَهيوني وأصبحت دَولة ال 59 عضو في المنظمة الأمَمية وهي الدَولة الوحيدة التي دَخلت هيئة الأمم المتحدَة بِشروط، أي بعضوية مَشروطة، والشروط هي أن تَعمل على تنفيذ قرارات هيئة الأمم المتحدة وبالتحديد في حينِهِ القرارين (181) قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 29/11/1947 والقرار (194) والصادر عن ذات الهيئة بتاريخ 11/12/1948 والخاص باللاجئين والذي يَنُص على تأمين عَودة اللاجئين وتعويضهم، وفي صُلب القرار الأول هُناك بند يتعلق بمنح الجنسية للمواطنين غير اليهود وإعطاءهم حقوقهم كامِلَة كَمواطنين دون تَمييز.
لَم يَحصَل أن نَفَّذت «إسرائيل» أي من هذه البنود أو القرارات الصادِرَة عن هيئَة الأمم المُتَّحدَة، فالقادَة الصَهاينَة إعتبروا بقاء الفلسطينيين في داخل حدود «دولتهم» خطَأ إستراتيجي رَغم إدراكهم في حينِهِ لأهميّة موقع الفلسطينيين في الحيّز «القانوني» الرسمي، ورغمَ ذلك تعرض الداخل المُحتل إلى الحكم العسكري والتهجير القَسري والمصادرَة والقتل والإبعاد والسجن وكل أصناف الأبرتهايد، التوقيع على الميثاق وتقديم التعهدات بالإلتزام لم يَمنع الصَهيونية ووليدتها «إسرائيل» من خَرق كل ما لهُ علاقَة بمواثيق دولية، فهذه المواثيق قَد خُرِقَت لِصالح هذا الكيان وَكانَت الولايات المُتحدة الأمريكية والإتحاد السوفيتي ومعهم غواتيمالا أو من إعترفوا بهذا الكيان كَدولَة شرعية ضاربين بعرض الحائِط الحق الفلسطيني في وطنِهِ.
لَم تَتَوَقَّف مُحاولات التهجير القَسري والطوعي للفلسطينيين في داخل دولة الكيان الصَهيوني، رغم وجود «هامِش» ديموقراطي كما يحلو للبعض أن يُسميه بعض الفلسطينيين من دُعاة الإندماج، وفي هذا السِياق لا بُد من الإشارة إلى أنَّ «إسرائيل» تُسَيطِر اليوم على كُلّ فلسطين من النهر إلى البَحر وهي بهذا تُجَسّد حُلُم السيطَرة الصَهيونية على «أرض الميعاد» أو «أرض إسرائيل» وهي إنتقَلت عَمليًا بعدَ قبولها لشروط هيئة الأمم المُتحدة من مرحلَة إنشاء الوطن القَومي إلى مرحلَة بناء الدَولَة اليهودية كَكيان مُستقل وذا سيادَة نحو التوسُّع وبَسط السَيطرَة على على كل فلسطين وإنجاز الحُلُم الصَهيوني بالسيطرة على المنطقة العربية إقتصاديًا وسياسيًا من خلال حُكام موالين لها.
في صَفقة القرن والتي أعلنَ عنها من قبلِ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، هناكَ بنود لها علاقَة بضم أكثر من 32% من مساحة الضفة الغربية إلى السيادة الكاملَة لِ»دَولَة» الإحتلال بما في ذلك منطقة الأغوار هذا عَدا عن القُدس التي أضحَت تحتَ السيادَة الصهيونية الكاملَة، إداريًا وإقتصاديًا وسياسيًا وأمنيًا قبل أن يَعترف بها ترامب كَعاصِمة موحّدَة وأبدية للدولَة العبرية، وَشَملَت أيضًا الصَفقة حديث عن تبادل أراضي وسُكان في منطقة المُثَلَّث، وهو السيناريو الأبعَد من أن يُنَفَّذ على الأقَل في المدى والواقع المنظور، ليسَ لأنَّ حكومات «إسرائيل» رحيمة بمواطنيها الفلسطينيين، لا أبدًا، بل لأنَّ الأمر كَسيناريو عَملي غير قابِل للتنفيذ وما النِشر عَنهُ بهذه الطريقَة البروبوغاندية إلّا خدمَة لِ»إسرائيل» وَلِمُرَوِّجيه الإندماج، هذا السيناريو سَيُخرِج غالبية أهل المثلث للتصويت خَوفًا من الإنتقال إلى منطقة الضفة الغربية، فقد رَبحَت المؤسَّسة الصَهيونية من خروج أصوات كثيرة وكبيرة تُعَبّر عن رفضها التخلي عن الجنسية الإسرائيلية ورفض العيش في مناطق الضفة الغربية أو تحت السلطة الفلسطينية، وعلى كل الأحوال ففي الحالتين سيكون المثلث تحت لإحتلال، هذه الأصوات لَم تَكُن هامِشية أو عابرَة رغم تَمَسُّك أهل المُثلث كما باقي التجمعات الفلسطينية بفلسطينيّتهم وإنتماءهم العروبي إلّا أنَّ الدعاية والتهويل من خَطر الترانسفير كما يُسمّونَهُ كانَ دافعًا للطرفين النقيضين للعمل على الإكتساب من وراء هذه الزوبعَة، فَ»إسرائيل» رَبحَت تَمَسُّك «مواطنيها» العَرب بها وتباكيهم على «ديموقراطيتها» وساهمَ في ذلك التيار السياسي الفلسطيني الإندماجي عبرَ تهيج الناس هُناك للخروج للتصويت مَنعًا للترانسفير بحسبِ زعمهم.
وهكذا مع إستمرار سيطرَة عقليّة وهم كَبح مُخطَّطات «إسرائيل» من خلال عضويّة الكنيست الصَهيوني، كالإعلان عن إسقاط صفقة القرن بعدَ الإنتخابات السابقة في 19 أيلول من العام 2019 حينَ صَرَّحَ عضو الكنيست الصَهيوني، د أحمَد طيبي بأنَّ «عَهد نتياهو إنتهى، وَمصيرَهُ إمّا البيت أو السِجن، وبذلك نقول إنّ صَفقة القرن إنتَهَت» – تصريح على قناة مكان الصهيونية الناطقة بالعربية وَقَد قالَ ذات الكلام وزَفَّ إلى شَعبنا إسقاط صفقة القرن في مهرجان شعبي عشية الإنتخابات الأخيرة، وفي ذات السياق قالَ أيمن عودة رئيس القائِمة المُشتركة: «إسقاط نتنياهو أهم إنجاز وإنتصَرنا على صَفقَة القَرن» – البيادر السياسي 17/ أيلول 2019..
هذا الإستخفاف بِمشاعر الناس وعقولِهم هو حلقَة من مُسلسَل النكبَة المُستَمرّ والذي ما زالَ شعبنا يَدفَع ثَمنَهُ وَسيبقى ولو إلى حين.