الصين بين حربين ، الأفيون والكورونا
مقابل اهتمام بريجنسكي بـ روسيا الأوراسية كممثل للقوة البرية الصاعدة المنافسة للقوة البحرية الأمريكية ، ومقابل اهتمام الرئيس الأمريكي الأسبق ، مونرو، بأمريكا اللاتينية ، ركز وزير الخارجية الأسبق ، كيسنجر على الصين، ولم يكن انفتاحه عليها من باب التسليم بالأمر الواقع بل لاحتواء هذا التنين الآسيوي .
وقد برهنت التطورات الاقتصادية العالمية على أن الصواب لم يجانب كيسنجر في مقارباته السياسية المذكورة ، وذلك في سياق التداعيات المتسارعة والنوعية والكبيرة للعولمة الرأسمالية نفسها، كما ظهرت في قراءات سمير أمين وفكرة المركز والمحيط ودور التركيب العضوي لرأس المال وتقسيم العمل العالمي في تحويل الجزء الأعظم من خطوط الإنتاج الصناعية إلى جنوب العالم ، وخاصة الحلقات القوية مثل الصين، مقابل احتفاظ الشمال الرأسمالي باقتصاد الثورة المعلوماتية الرابعة ولعبة البورصة المالية.
والأهم من كل ذلك بالنسبة للصين ما تمثله من تهديد للرأسمالية الأمريكية ، فما من أسواق أو قارات مغلقة اليوم في وجه التمدد الصناعي الصيني وذلك فضلاً عن علاقة الصين بالجاليات الحيوية شرق ووسط آسيا.
في ضوء ما سبق، لم تتردد الإمبريالية السائدة في كل مرة من استخدام أبشع الأساليب لمنع صعود أي مركز صناعي منافس في الجنوب، وكانت البداية مع الإمبريالية البريطانية، عبر حرب الأفيون ومعاهدة شنغهاي التي ألزمت الصين بفتح حدودها أمام البضائع البريطانية وأغرقتها بالأفيون، مما حول الصين خلال سنوات إلى دولة مريضة أنهت ثورتها الإقتصادية البرجوازية الأولى .
أما الإمبريالية الأمريكية ، فقد استخدمت ما هو أبشع من ذلك أكثر من مرة في آسيا بدءاً بالحرب الذرية على اليابان خلال الحرب العالمية الثانية مروراً بالفتن الدموية ولعبة البورصة ضد النمور الأسيوية ، وانتهاء بالحرب الجرثومية ضد الصين على دفعتين : السارس ثم الكورونا.
وقد أرفقت هذه الحرب بحملات ايديولوجية مباشرة وغير مباشرة: الأولى عبر عنها هنتنغتون وكتابه عن صراع الحضارات الذي خص الكونفوشية الصينية بنصيب وافر من حقده إلى جانب بقية الثقافات الشرقية .
والثانية بصورة غير مباشرة عبر خطابين بإسم الدين : الأول خطاب الجماعات الأصولية التكفيرية التي انخرطت في معركة المخابرات الأمريكية، عبر الدعوة إلى مقاطعة الصين بذريعة ما يقال عن أقلية الإيغور، والثاني خطاب الأصوليات البوذية في التبت .
بالعودة إلى الحرب الجرثومية ، فإن الكورونا ليست بعيدة عن حرب السارس التي سبقتها، حيث أشارت تقارير دولية إلى أن هذا المرض الرئوي سريع الانتشار هو فايروس مصنع ومعدل وراثياً من قبل الشركة الأمريكية التي حلت شيفرة الخارطة الجينية للإنسان.
وقد أظهر العديد من الأفلام الأمريكية مثل ظلام الالدورادو وجزيرة شتر ، أن أمريكا دخلت فصلاً جديداً في حرب الجراثيم ، بل أن أمريكا سبق لها أن استخدمت أشكالاً بدائية من هذه الحرب ضد الهنود الحمر ( حرب الجدري) وأشكالاً مطورة كما في السائل البرتقالي ضد فيتنام، وأشكالاً أخرى خلال قصف العراق.
ويشار هنا إلى أن استوديوهات الأفلام الأمريكية كثيرًا ما مهدت لهذه الاستراتيجية الوقحة بإنتاج أفلام مبكرة كما فعلت قبل انهيار البرجين وقبل العدوان على أفغانستان والعراق، ومن الغريب كذلك ، ما أظهرته تقاريرعن استخدام أفلام الكرتون لهذه الغاية ومنها فيلم يتحدث عن الكورونا قبل عشرين عاماً من إنتاج شركة سمبسون.