انتفاضة وادي موسى عام ١٩٢٦
حين تم تشكيل إمارة شرق الأردن عام ١٩٢١ بتعداد سكاني يقارب من ٢٢٥ ألف نسمة، وضم منطقة العقبة ومعان إليها عام ١٩٢٤ و وضعها تحت الإنتداب البريطاني، كان التركيب السكاني حينها مكون من ثلاث فئات اجتماعية، مصنفة وفقاً لاستقرارها المكاني والإنتاجي، من بدو رحل يعتمدون ويمتهنون الرعي، وفقاً لتقسيم مناطقي لم تتحدد فيه الملكية الفردية بل الملكية العامة للأرض للقبائل وتحالفاتها مع القبائل الأخرى.
وهذه الفئة الإجتماعية الرعوية كانت تشكل ما يقرب من الأربعين بالمئة من هذا التعداد، يليها الفلاحون الذين يعتمدون على الزراعات التقليدية بإنتاج حد الكفاف والإكتفاء الذاتي، وهم يشكلون ما يقرب من ال ٢٣ بالمئة من هذا التعداد، أما سكان القرى والحواضر والمدن القديمة، فكانوا يعتمدون على (تجارة) المقايضة بشكل رئيسي لفائض حاجات الإنتاج الرعوي والفلاحي، وامتاز سكان الحضر، بالإستقرار المكاني وعلى مبادلة السلع وقليل من التداول النقدي في التجارة والحرف البدائية بالعملات العثمانية والفلسطينية والمصرية.
ضمن هذا السياق وفي ظل غياب شبه كامل لمظاهر مؤسسات المجتمع المدني، ألحقت بالإمارة عام ١٩٢٥ منطقة معان والعقبة و بسطت فيها حكومة الإمارة حضورها عن طريق تشكيل مديرية ناحية ومخفر للدرك في وادي موسى، في الوقت الذي كانت فيه ارتدادات واصداء انتفاضة أيلول عام ١٩٢١ وأيلول عام١٩٢٢ في الكورة، وانتفاضة العدوان في أيلول عام ١٩٢٣ قد عمت ارجاء البلاد حالة الغضب الشديد، خاصة ضد الإنتداب البريطاني والهجرة اليهودية لفلسطين والوكالة اليهودية و (الحج) السياحي اليهودي للبتراء، مما دفع أهالي وادي موسى وما جاورها إلى الإنتفاض بعد تأكدهم بأن حكومة الإمارة التي يرأسها الركابي قد منحت إحدى الشركات الصهيونية التي يملكها أبراهام حزبون عطاءً لشق طريقين، الأول بطول ٤٥كم يصل من سكة حديد القطرانة (الكرك) إلى منطقة الأغوار الجنوبية في غور المزرعة وصولاً للبحر الميت، والثاني بطول ٤٥كم يربط مدينة معان بوادي موسى (البتراء) لتسهيل وصول السياح اليهود إليها، هذا الرفض أدى إلى احتجاجات واسعة ومن ثم إلى انتفاضة عارمة أدت إلى استيلاء السكان على مديرية الناحية و مركز الدرك، ومصادرة معدات الشركة وطرد العاملين فيها، باعتبار أن هذا المشروع يشكل تمهيداً للهجرة الصهيونية الناشطة في الإستيلاء القسري على الأراضي الفلسطينية وسيؤدي ذلك إلى الإستيلاء على منطقه شرق الأردن بما في ذلك البتراء، مما استدعى حكومة الركابي بالتعاون مع المندوب البريطاني في الإمارة إلى انتهاج أسلوب الإحتواء لهذه الإنتفاضة وإمكانية إسترضاء بعض الأشخاص المحليين عن طريق منحهم الألقاب الإجتماعية أو الإسترضاء بالهبات المالية، إلا أنه وبعد شهر من الإنتفاضة الأولى في شباط ١٩٢٦ اندلعت الإنتفاضة الثانية في شهر آذار من نفس العام ولذات الأسباب (هودنة و َصهينة) المنطقة، مما استدعى الطلب من المساعد الأول للمعتمد البريطاني (مستر درنج) من رئيس حكومة الركابي بالذهاب للمنطقه عن طريق القطار إلى معان و بصحبته ٥٠٠ جندي وضابط، وعلى مشارف وادي موسى استدعى الركابي بعضاً من أهالي المنطقة مهدداً إياهم بأنه ما لم يكفوا عن احتجاجاتهم فإن حكومته لن تتوانى عن قصف البلدة وماجاورها بالمدفعية، مما اضطر الأهالي للإذعان لهذا التهديد الوجودي وو قف انتفاضتهم.
بناءً على ما تقدم واستنتاجاً لمراحل كفاح الشعب الأردني ضد الوجود البريطاني المتحالف تاريخياً وعضوياً مع الحركة الصهيونية والمنشئ لها فإنه لازالت الأحلام الصهيونية ممتدة إلى شرق الأردن والمنطقة العربية استيلاءاً جغرافياً تطبيقاً لوهم توراتي بأن أرضهم من الفرات إلى النيل، ولا زالت الحركة الصهيونية المحتلة للأراضي الفلسطينية تسعى لتهويد المنطقة عبر حلفائها وحلفائها المحليين من خلال اتفاقيات إذعان في كامب ديفيد وأوسلو و وادي عربة و إتفاقية الغاز وشركة كهرباء( روتنبرغ) الجديدة وصفقة القرن، ولازالت شعوب المنطقه تناضل باتجاهين الأول قلع الإحتلال الصهيوني عن الأراضي الفلسطينية المحتلة والثاني النضال من أجل الدفاع عن ترابها الوطني ضد التهويد والتطبيع وبيع الأراضي بعناوين استثمارية ومن أجل حريتها واستقلاليتها وسيادتها وديموقراطيتها .