(قانون منع الجرائم)
هذا عنوان اصبح مقلقا للعاملين في الحقل العام وبات في منتهى الخطورة، مما يتطلب منا جميعا تسليط الضوء عليه وعدم الاستهانة بانعاسكاته،السياسية والاجتماعية وهذا مدخل يضعنا امام سؤال مفهوم معنى الديمقراطية التي تتشدق به الحكومات صباحا مساء بالحديث عنها.
الديمقراطية… ليست صندوق إقتراع بالطريقة التي يتم العمل بها من قبل السلطة، وإنما هي منظومة متكاملة، تبدأ بحرية الراي والتعبير وحرية الصحافة والحق في التظاهر والتجمع، وكذلك الحق في تأسيس الاحزاب والنقابات… الخ.
والاهم من ذلك، استقلال القضاء عن مراكز القوى.
كما ان الدستور حدد دور السلطات واكد على الفصل بينها وعدم تغول سلطة على اخرى وهذا ما نفتقده، فنحن نعيش مرحلة تغول السلطة التنفيذية على باقي السلطات.
وانا ساتحدث هنا بجزئية لها علاقة بقانون وضع كالسيف على رقاب الناس واعطى صلاحيات للحاكم الاداري، قانون يتم استغلاله ليصبح المحافظ “الحاكم بامره”.
هذا القانون هو قانون (منع الجرائم) والذي يتم استخدامه من قبل الحكام الاداريين، بصورة تعسفية تحديدا في السنوات الاخيرة، مما يدل على تراجع كبير وملحوظ، في الحريات العامة والديمقراطية والتجاوز على الدستور والمعاهدات والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الانسان والتي وقعت عليها الدولة الاردنية والتي هي ملزمة للدولة التي وقعت القيام بتطبيقها.
هذا القانون المتخلف والذي رسم في بداية عهد الدولة وتحديدا في فترة، “الامارة” في العام 1927 اي قبل قرابة قرن مضى من الزمن
وفي ابان الانتداب البريطاني.
بعد انتهاء الانتداب صدر الدستور الاردني في العام 1947حيث طلب البرلمان المنعقد انئذاك من الحكومة، الغاء مجموعة قوانين بما فيها قانون “منع الجرائم”، الا ان هذا الامر لم يتم لغاية صدور دستور 1952وكلنا نعرف ما جرى في حينه من تطورات سياسية وتشريعية والتي ادت بدورها الى الغاء قانون منع الجرائم.
لكن سرعان ما تم الانقلاب على ما تم اقراره وذلك باصدار قانون رقم (7لعام1954) والذي مازال ساريا ليومنا هذا
وبشكل اكثر تعسفا، والا ماذا يعني ان تعطى كل هذا الصلاحيات للحكام الاداريين للتوسع في التوقيف الاداري ليصل عدد الموقفين الذي تم توثيق توقيفهم في العام 2018 الى(37684)حسب التقرير الاخير الصادر عن المركز الوطني لحقوق الانسان.
ان السلطة واجهزتها لا تقرأ القضايا بعين سياسية وانما تنحاز للمقاربات الامنية والتوسع في إرتكاب انتهاكات مثل التوقيف بدون محاكمة وتحديدا( للحزبين والنشطاء السياسين) وعدم التزام المحافظين بقرارات المحاكم.
وهذا يطرح سؤال، هل نحن امام سلطة صلاحياتها اكبر سلطة القضاء؟
سؤال يتطلب من كل المعنيين من قانونين وسياسين بالتصدي لسياسات وممارسات الحلف الطبقي الحاكم، التي تعمل على عودة البلاد للمرحلة العرفية وذلك لاسكات كل الاصوات التي تنادي بفك التبعية والارتهان للمحور الامبريالي الصهيوني الرجعي، وبناء دولة المؤسسات، وتسعى لسيادة القانون واسترداد مقدرات الدولة والمنادين بالفصل بين السلطات ومنع التدخلات الامنية في الحياة السياسية.
هذا المدخل الذي يجيب على سؤال، لماذا يتم في السنوات الخمس الاخيرة استهداف كل الفاعلين في العمل السياسي من خلال قانون منع الجرائم؟
وما هو هذا القانون؟ وماهي اليات التصدي له؟
نص هذا القانون بتفويض الحاكم الاداري و(بالمناسبة بقرار امني)
صلاحيات مطلقة في اصدار القرار في التوقيف دون تحديد مدة التوقيف،إذ يستطيع “الحاكم بامره”اصدار امر التوقيف ورفض قبول الكفالة، مما يبرر الاستمرار في توقيف الاشخاص لاجل غير مسمى.
كما ان القانون منح الحاكم الاداري تحديد “مبلغ الكفالة” وتحديد نوع الكفالة مالية اوعدلية، ونسمع ونقرا يوميا بان هناك ارقام فلكية تفرض من اجل الافراج عن الاشخاص الموقفين، تصل الى250الف دينار وربما اكثر، وما يعني هذا من دفع رسوم تفرض على ذوي الموقوفين، في ظل واقع اقتصادي لا يخفى على احد.
والادهى ان القانون اعطى الحق للحاكم الاداري، برفض اي كفيل لا يرضى عنه (بمعنى اذا شكلي مش معجب عطوفته، برفض كفالتي).
لكن الاخطر، يحق للحاكم الاداري اعادة توقيف من افرج عنه من قبل القضاء.
كما انه يحق له سماع الشهودوالتحقيق معهم واصدار الاحكام دون اي ضمانات لمحاكمة عادلة.
ان المخرج هو بتوافق الحركة الشعبية الاردنية بالنضال لارغام السلطة بالالتزام بما جاء بالدستور والقوانين والمواثيق الموقع عليها من قبل الدولة.
كما ان المدخل لاي تغيير في النهج السائد على الصعيدين السياسي والاقتصادي والذي يقود البلاد لمزيدا من التازيم، يتمثل بقانون انتخاب ديمقراطي يعتمد التمثيل النسبي والقائمة الوطنية المغلقة، قانون يوفر ارضية لفرز برلمان يعيد التوازن للحياة السياسية ويعيد الدور للمؤسسات الدستورية.
برلمان يمتلك ارادة سياسية في الرقابة والتشريع، ولا يلتزم باملاءات من مراكز القوى.
برلمان يستطيع ان يفرز حكومة تعبر عن تطلعات الاردنين في التداول السلمي للسلطة.
برلمان يجرم التطبيع مع العدو الصهيوني ومنحاز لعروبة الاردن. ويعي بان الدولة الاردنية لا مستقبل لها بدون عمقها العربي.
برلمان يتصدى بجذرية لمؤسسة الفساد.
عدا عن ذلك سنبقى نعيش تحت وطأة قوانين واشخاص يعتقدون ان الحل يكمن في القمع والتعسف في استخدام الصلاحيات وانهم باقون للابد.
برلمان يمكن له مع القوى الفاعلة في المجتمع العمل على حل الازمة المركبة التي تعيشها البلاد.
على كل من يعتقد ان استخدام قوانين عرفية، على هؤلاء ان يتعظوا من تجارب الاخرين.