لبنان على مفترق… والقلق يتفوّق على الأمل
– الأكيد بالنسبة للذين لا مصالح لهم في قراءات محرّفة للواقع، أن الساعات الأولى من ليل أول أمس، حملت أول انتفاضة شعبية سلمية مدنية عابرة للطوائف والأحزاب في تاريخ لبنان، توحّد خلالها الشعب بوجه شعور بالاستهتار بأوجاعه، عبّر عنه ما بدا أنه تمرير لقرار الضريبة على الواتساب، بين مَن اقترح ومَن وافق ومَن اعترض وتحفّظ واكتفى بذلك، أو مَن أنكر أن هناك قراراً وصمتاً على ترويج القرار حتى منتصف الليل.
– ككل انتفاضة شعبيّة عفويّة بلا قيادة ولا برنامج، ولا جهة منظمة، يصير الناس أفراداً لهم صوت جمعي احتجاجي عنوانه وسقفه مرتفعان، إسقاط النظام واستقالة الحكومة والحكام والوزراء والنواب، لكن هذا لا يعني أن ملاقاة الانتفاضة في منتصف الطريق لحلول عاقلة تمنع الذهاب إلى الفوضى والمجهول، وتمنع تسليمها لمن يريد استثمارها سياسياً وتوظيفها بتبنّي شعارات عالية السقوف لتبرير مواصلة التأزم، لتخلو الساحة للتخريب، وأجهزة المخابرات والمجموعات المنظمة.
– مصدر القلق هو هنا. فالقراءات الخاطئة ممن لديهم القرار تقطع الطريق على الملاقاة المشنودة، والوقت الذي يمضي هو ليس مهلة طلبها أو منحها رئيس الحكومة، بل صارت الإثنين وسبعين ساعة التي تحدّث عنها رئيس الحكومة، مهلة للذين يريدون سرقة الانتفاضة، وتحويلها مصدراً للفوضى، لتبرير تفريق المنتفضين بالقوة. وهذا لن يجلب الاستقرار. فالقراءة الخاطئة التي قدّمها رئيس الحكومة تفترض أن مشروعه الذي اختلف عليه مع شركائه، كما وصفهم، مقبول من الشارع. وهو مشروع يتضمن ضرائب أشدّ قسوة من الضريبة التي فجرت الانتفاضة، على يد أحد أبطال الفريق الاقتصادي للرئيس الحريري، الوزير محمد شقير، الذي كان أفضل لرئيس الحكومة لو أعلن إقالته في رسالته للبنانيين، وتواضع للناس معترفاً بخطأ التفكير الضرائبي وتعهّده بتقديم برنامج مختلف يعرضه على اللبنانيين، ويطلب ثقتهم على أساسه، ويشترط عودتهم لممارسة رئاسته للحكومة بوضعه موضع التنفيذ، شرط أن يكون إنقاذياً فعلاً، يبدأ بتأمين موارد الخزينة من الفارق المحقق بين ترك سوق النفط للشركات والسمسرات وبين شراء النفط من دولة لدولة، كما عرض الحريري في لقاء بعبدا الاقتصادي، ولم ينفّذ.
– الآن ولأن القلق يتفوّق على الأمل من الجهتين، جهة الخطاب السياسي العاجز عن ملاقاة اللحظة الحرجة بما يناسبها، وجهة الشارع الذي يحتله تدريجاً من يتربّصون بالبلد لأخذه إلى الفوضى، وبينهما حلفاء الحريري الوهميّون الذين يتربّصون لإخراجه نهائياً من المشهد السياسي بتزيين الاستقالة أمامه، لم يتبقّ إلا أن يدعو رئيس الجمهورية إلى لقاء رئاسي في بعبدا يضمّه مع الحريري ورئيس مجلس النواب، يخرج بعده الحريري لإعلان استقالة وزيرَيْ الأزمة محمد شقير وجمال الجراح، ويقدم تعهّداً بأن لا ضرائب جديدة، ويعلن الإجراءات التي يعرفها جيداً لوقف الانهيار النقدي والاقتصادي، من استيراد النفط والقمح من قبل الدولة وخصوصاً الفيول للكهرباء، وتوفير قرابة ملياري دولار على الخزينة سمسرات وأرباح شركات، إلى فوترة الخلوي والمولدات والبنزين والمازوت بالليرة اللبنانية، مروراً بإلغاء استئجار المباني للحكومة وشركاتها وضيوفها الأجانب وتجميعها في مبانٍ حكومية، وصولاً إلى وضع ضوابط وقيود على دولرة السوق ونزيف العملات الصعبة، وأخيراً إعلان زيارة رئيس الجمهورية إلى دمشق لتأمين فتح الطريق أمام التصدير والترانزيت عبر سورية نحو العراق والخليج، وضمان خطة لعودة النازحين. وكلها خطوات واقعية يعرفها الجميع وكان يضعها في سلة التجاذب السياسي الذي صار ترفاً مع مشاهد أمس، والتي ستزداد سوءاً.
– يبقى أن ننتظر كما كل اللبنانيين الأمل بدلاً من القلق، مع كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.