ليس مجرد إعلان!
تكاد تطغى إعلانات البنوك بالحجز على قطع أراض وشقق سكنية لتسديد قروض متعثرة على المساحات المخصصة للإعلان بالصحف اليومية الأردنية، عاكسة عبر عشرات إعلانات البيع بالمزاد العلني لهذه الشقق والأراضي يوميا عمق هذه المشكلة واتساعها نسبيا، وبما يعكس أيضا حجم التردّي المعيشي والاقتصادي للأسر وتراجع القدرات الشرائية في ظل تزايد الأعباء الضريبية وتآكل الأجور والرواتب.
باتت هذه الإعلانات ركنا ثابتا يحتل صفحات عديدة من الصحف قد لا يستوقف إلا القليل من فضوليين أو من راغبين بالشراء، لكن خلف كل إعلان وبيع بالمزاد العلني قصة مأساة لأسرة وأزمة مالية خانقة تدفعها لأزمة اجتماعية وحياتية أعقد، حيث يعني الحجز والبيع بالمزاد لشقة واحدة أن أسرة على شفا التشرد وفقدان بيت العمر الذي دفعت من أجل امتلاكه الكثير من تحويشة العمر ودخل الأسرة قبل أن تدور بها الأيام وتتعثر ماليا وتدفع ضريبة أزمة اقتصادية عامة ونهج اقتصادي رسمي يخلق من الأزمات والمشاكل أكثر بكثير ممّا يحل ويعالج.
الأزمة الاقتصادية وتآكل القدرات الشرائية لشرائح واسعة من المواطنين انعكست وتنعكس في تراجع التداول بقطاع العقارات والإسكان، فبحسب تقرير الاستقرار المالي الصادر عن البنك المركزي تراجع عدد الشقق السكنية المباعة خلال العام 2018 إلى (34.260) شقة مقارنة مع (36.651) العام 2017 وبنسبة تراجع 6.5 %. وهي أزمة تعمقت العام الحالي، حيث بلغ عدد الشقق المباعة خلال النصف الأول منه حوالي (13.281) شقة مقارنة مع (15.816) لذات الفترة من العام الماضي وبنسبة تراجع بلغت 16 %.
هذا التراجع بسوق العقار رغم أهميته كمؤشر سلبي على النمو الاقتصادي، قد لا يقارن بقساوة مؤشر أرقام الحجز على الشقق المباعة والمموّلة بقروض بنكية، حيث التداعيات الاجتماعية والإنسانية أكثر صعوبة وقسوة على الأسر، وحيث يصعد هذا المؤشر للأعلى بحسب المعطيات المتوفرة.
في هذا السياق، يلاحظ المراقب والمتابع غيابا واضحا للإحصاءات والأرقام الرسمية لحجم مشكلة التعثر بالقروض الإسكانية والحجز على الشقق وبيعها بالمزاد العلني، فأغلب الأرقام والاحصاءات المنشورة هي تقديرية وغير رسمية. وبعد البحث عبر الشبكة العنكبوتية ظهر أن آخر احصائية رسمية لعدد العقارات المحجوزة من قبل البنوك تعود للعام 2015، وبينت أنه تم في ذلك العام الحجز على 5300 شقة، بارتفاع بلغت نسبته 15 % عن العام 2014. وإذا اعتمدنا نسبة الارتفاع تلك كمعدل سنوي فإن عدد الشقق المحجوزة العام الماضي يقدر بين 7500 – 8000 شقة سكنية.
هذه الأرقام ورغم أنها تقديرية وغير رسمية فإن ملاحظة ما ينشر بالصحف يوميا من إعلانات بيع بالمزاد العلني من قبل البنوك تؤشر إلى اقترابها من الدقة، وهي تعكس تعمق هذه المشكلة بين الأسر بالتوازي مع استمرار الأزمة الاقتصادية والمعيشية بل وتزايد تداعياتها على أغلب الشرائح المجتمعية بما فيها الطبقة الوسطى التي تعرضت خلال السنوات القليلة الأخيرة لعمليات “حتّ وتعرية” متواصلة ومثابرة ما قلص كثيرا من حجمها وهبط بالكثير من مكوناتها إلى مستوى الشرائح الفقيرة ومحدودة الدخل.
هي مشكلة اجتماعية وإنسانية ليست بسيطة، ولها تداعيات تمس الأمن والاستقرار المجتمعي ولا يمكن اعتبارها في ظل اتساع أعداد المتضررين سنويا مشكلة فردية، بل هي مشكلة عامة ويجب أن يكون جزء رئيسي من حلولها أيضا عاما ورسميا. لكن وقبل ذلك، وربما تمهيدا له فإن المطلوب هو وضع قاعدة معلومات دقيقة ومفصلة لهذه المشكلة وانتشارها، بحيث تكون قاعدة شاملة ومركزية لا الاكتفاء بوجود إحصاءات وأرقام خاصة لدى كل بنك ومؤسسة مالية، ما يترك المشكلة عائمة وغير قابلة للقياس والتحليل والتشريح.