مقالات

من المصالحة إلى الانتخابات.. وبالعكس!

الدعوة إلى الانتخابات، مثلها مثل الدعوة إلى المصالحة، طريقهما غير سالكة، والخروج من المأزق يقتضي أولاً إسقاط «اتفاق أوسلو»

ثلاث عشرة سنة انقضت على حدوث «الانقسام»، بعد سيطرة حركة (حماس) على قطاع غزة في تموز/يوليو 2007، تجمدت فيها الحياة السياسية الفلسطينية، وتآكلت المؤسسات واهترأ النظام السياسي الفلسطيني، وظلت المراوحة بين محاولات فاشلة وأخرى فاشلة لإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة هي العنوان العريض للحالة، وكل طرف (فتح- حماس) يلقي التهمة وتبعاتها على الطرف الآخر، ثم العودة إلى نقطة الصفر لتبدأ المحاولات الفاشلة من جديد! في الأثناء، وخلال السنوات هذه، لم تتوقف حكومات الاحتلال عن مخططاتها للاستيلاء على كامل الضفة الغربية وحصار قطاع غزة، مستمرة في إجراءاتها واقعياً وقانونياً، وفي الوقت نفسه توقفت المفاوضات مع السلطة الفلسطينية واستمر «التنسيق الأمني» معها، وبدأت مفاوضات عبر أطراف «ثالثة» مع (حماس) للوصول إلى «تسوية» أو «تهدئة طويلة الأمد»، مع استمرار الاعتداءات والاقتحامات للمسجد الأقصى ومدن وقرى الضفة الغربية والقطاع. كذلك استمرت عمليات مصادرة الأرض، وبناء المستوطنات، وإقامة البؤر الاستيطانية، وأيضاً الاعتقالات وعمليات القتل بمختلف الذرائع والحجج. وأخيراً، جاءت انتخابات الكنيست وأزمتها، فتعالت مطالبات الأحزاب «الإسرائيلية» والسياسيين بضم الضفة الغربية، والتهديدات مستمرة بشن حرب واسعة على غزة.

وفي ضوء التغول والسعار الاحتلالي، تحركت الفصائل في غزة، وتقدمت ب«مبادرة الثمانية» لتحقيق «المصالحة»، حتى لا يقال إنها لا تفعل شيئاً إزاء التطورات الجارية، وبعد تقديم «المبادرة» بأيام، ألقى الرئيس محمود عباس كلمته في الجمعية العامة للأمم المتحدة، فأعلن دعوته إلى إجراء انتخابات في الضفة و القدس والقطاع! كان ذلك سبباً لطرح التساؤل عما إذا كان ذلك تجاوزاً لمبادرة الفصائل ورفضاً عملياً لها، خصوصاً أن «المبادرة» تضمنت مطالب سبق لحركة (فتح) أن رفضتها، حيث دعت إلى «تحقيق المصالحة، وتشكيل حكومة وطنية انتقالية، والاتفاق على رؤية استراتيجية وطنية مشتركة..»! اللافت أن «الفصائل» صاحبة «المبادرة» قبلت إعلان عباس، لكن مع الشروط! وفي اجتماع للجنة المركزية لحركة (فتح) واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، يوم الأحد الماضي، قال عباس: إن حواراً سيبدأ مع حركة (حماس) وبقية الفصائل، وإنه تم تشكيل لجنتين للحوار والتواصل مع لجنة الانتخابات والتنظيمات، وكذلك مع الجهات «الإسرائيلية»، وأضاف: «نحن مصرون على أن تجرى الانتخابات في الضفة والقدس وقطاع غزة»! يذكر أن عباس كان قد وعد في ديسمبر/كانون الأول 2018 إجراء هذه الانتخابات في غضون ستة أشهر!!

لن أدخل في «فقه الانتخابات»، ولكني سأتوقف عند بعض الأسئلة التي تطرح نفسها عند الحديث عن الانتخابات في «دولة تحت الاحتلال»، حيث إن الانتخابات وسيلة ديمقراطية في دولة طبيعية. فهل هناك «دولة فلسطينية طبيعية»؟! كل شيء في الضفة الغربية خاضع ل«اتفاق أوسلو»، وهذا الاتفاق لم يعترف للفلسطينيين بأكثر من «الحكم الذاتي المحدود»، ثم جاءت القوانين الجديدة (يهودية الدولة، قانون القومية) لتجعل منها «وطناً قومياً لليهود»، فكيف ستجرى الانتخابات، ومن أجل أية أهداف غير تجديد «شرعيات» انتهت صلاحياتها، دون أن تغير في موازين القوى أو في الوقائع التي تفرض على الأرض؟!

وإذا تجاوزنا، من أجل النقاش فقط، هذا الوضع (الذي لا يمكن تجاوزه)، فإن هناك ما يشبه الاتفاق على أنه بدون تحقيق «المصالحة» لا يمكن إجراء الانتخابات بالشكل المطلوب والشامل. لكن كل المحاولات لتحقيق «المصالحة» فشلت على مدار ثلاث عشرة سنة، فما الذي سيجعلها تنجح الآن، وكيف؟ وإذا كان هناك من يرى أنه يمكن أن تكون الانتخابات مدخلاً للمصالحة بدلاً من أن تكون نتيجة للمصالحة، فهل إجراء الانتخابات كما يجب أن تجرى أسهل من تحقيق المصالحة؟! ولو فرضنا أن الانتخابات أجريت، وبالشكل المطلوب، هل سيعترف الخاسر بفوز الفائز؟ وحتى لو اعترف، ألم يسبق له أن اعترف في انتخابات 2006، وتشكلت حكومة «وحدة وطنية»، فهل غير ذلك من الأوضاع المحكومة ل«اتفاق أوسلو» الذي أصبحت معروفة أهدافه ونتائجه؟!

إن المدقق في «مبادرة الثمانية» يعرف أنها ليست مقبولة من حركة (فتح) والسلطة الفلسطينية، وهي وإن كانت محقة نظرياً، إلا أنها لا تنطوي على جديد من حيث السبل التي تحقق المصالحة أو التوافق على «الرؤية الوطنية المشتركة» ما دام «اتفاق أوسلو» ساري المفعول.. إن الدعوة إلى الانتخابات، مثلها مثل الدعوة إلى المصالحة، طريقهما غير سالكة، وإن الخروج من المأزق يقتضي أولاً إسقاط «اتفاق أوسلو»، واعتماد المقاومة الوطنية المسلحة أساساً طريقاً للحلول كافة. أما طريق «المصالحة – الانتخابات.. وبالعكس»، فهي طريق مسدودة!!

بواسطة
عوني صادق
المصدر
الخليج الاماراتية
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى