مقالات

إضراب المعلمين: قواعد جديدة للعبة

عدة دروس وعبر يمكن استخلاصها من تحليل تطورات أزمة إضراب المعلمين وما خلصت إليه من نتائج، تمتد إلى ما هو أبعد من قصة الحصول على علاوة مهنية وحقوق وظيفية وإعادة اعتبار لشريحة مهنية واسعة على أهمية كل ذلك.

فمآلات إدارة هذه الأزمة من قبل جميع أطراف المعادلة؛ حكومة ومعلمين ومجتمعا، تقدم قراءة، وبالذخيرة الحية، لمعادلات جديدة لأسس اللعبة السياسية والعلاقة الشعبية مع الحكومة وتظهر بوضوح التغير في أوزان عوامل القوة، بمختلف أنواعها السياسية والقانونية والأمنية والنقابية والإعلامية.

قد تكون الحكومة هي الطرف الأول الذي التقط، وإن كان ذلك متأخرا وبفضل الإرادة الصلبة والواعية لنقابة المعلمين وتفهم غالبية الرأي العام لمواقف المعلمين، التغير في قواعد اللعبة ما دفعها أخيرا -أي الحكومة- للنزول عن الشجرة والاستجابة لمطالب النقابة وإنهاء الأزمة، فيما يمكن القول إن قيادة النقابة والمعلمين وكل المراقبين، والحكومة طبعا، ربما لم يكونوا قد توقعوا قبل يوم “اعتصام الخميس” المشهود هذا التدحرج لكرة الثلج وما وصلت اليه الأزمة من نتائج وتكريس لحقائق جديدة باللعبة السياسية على الأرض، لا يمكن القفز عنها بعد اليوم لتجنب انفجار مثل هذه الأزمات لمن أراد أن يعتبر.

ثلاثة محاور رئيسة يمكن ملاحظتها وتسجيلها عناوين رئيسة بهذه الأزمة وشكلت المرجل الذي أعيد فيه صهر وتشكيل شروط اللعبة الجديدة، وأظهرت بوضوح التغير في مصادر القوة، الأول هنا هو تقدم العمل النقابي المنظم لقيادة حراك مجتمعي واسع، وإن كان على قضية قطاعية محددة، وهي قيادة عملت بشكل مثابر وواع وبإيمان بقضيتها، وبخطاب خرج من ثوب المطالب المباشرة للمعلمين إلى فضاءات الشعار العام الملح وطنيا اليوم، وهو شعار العدالة الاجتماعية والمساواة والحياة الكريمة لكل مواطن.

صحيح أن العمل النقابي المنظم سبق وأن تقدم في أزمات وقضايا شعبية أخرى، كان أبرزها وآخرها تصدر النقابات المهنية لحراك الرابع الذي أسهم بقدوم الحكومة الحالية، لكن هذا العمل النقابي بالأزمة الأخيرة قدم تجربة أوسع وأقوى وواجه صعوبات وتحديات رسمية أكبر بكثير لكنه صمد وتمكن من توسيع قاعدة المتضامنين شعبيا وصولا إلى تحقيق نتائج مرضية وتكريس المعادلة الجديدة.

المحور الثاني تمثل في أن أزمة إضراب المعلمين كشفت بوضوح حجم الاحتقان الشعبي والمدى الذي وصل إليه سوء الأوضاع الحياتية والعامة وعدم الرضا الشعبي عن الإدارة العامة، ما وفر بيئة مجتمعية حاضنة لتحرك المعلمين رغم قساوته وطول أمده نسبيا وتأثر الغالبية الشعبية سلبيا بالآثار الجانبية للإضراب وشلل العملية التعليمية. هذه البيئة الحاضنة المتعاطفة لم يؤثر الخطاب المضاد ولا محاولات الشيطنة على صلابتها، وأظهرت نزوعا يمكن تسميته تجاوزا بـ”الانتحاري” في دعم تحرك المعلمين وصولا إلى كسر قواعد اللعبة وتغييرها بالعلاقة مع الحكومة وفي إدارة الشأن العام.

أما المحور الثالث، فتمثل بمعركة الإعلام والاتصال، حيث تكرست قدرة مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام البديل على الوصول للرأي العام والاشتباك معه وحشده وراء قضية المعلمين دون الاعتماد على الإعلام التقليدي، الذي بات يخسر محليا ودوليا في معركة النفوذ والتأثير الجماهيري أمام تقدم “السوشال ميديا”.

الأزمة كشفت أيضا أن نهج إدارة الأزمات قد آن أوان تغييره، ولم يعد ما كان ممكنا ومجديا قبل سنتين أو عشر صالحا اليوم، فالقوة التي تملكها السلطة، سياسيا وأمنيا وقانونيا وإداريا وإعلاميا، قد لا تكون خيارا متاحا أو ممكنا في إدارة أزمات مجتمعية معقدة باتت تدور اليوم في ظل احتقانات واسعة وفشل نهج سياسي واقتصادي رسمي، تتعالى الأصوات اليوم من كل حدب وصوب بتغييره وتعديله!

السؤال هنا؛ هل ستسلم الحكومات بقواعد اللعبة الجديدة؟ وتتحول إلى نهج التوافقات الوطنية بحثا عن مقاربات سياسية واقتصادية جديدة لتفكيك الأزمة العامة وما تولده من أزمات فرعية يومية؟ نأمل ذلك.

بواسطة
ماجد توبة - الغد
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى