الدين العام وقصة إبريق الزيت../ خالد الزبيدي
في الامثال الشعبية تبرز قصة ابريق الزيت التي تحاول حكايتها الجدات للأطفال قبل النوم ويحاول الاطفال الاستماع للقصة وتبادر بالقول سأحكي لكم قصة ابريق الزيت او لا .. يقولون نعم وتعيد وتزيد بنفس الثلاثة كلمات بدون سرد القصة فيضجر الاطفال ويستسلمون للنوم بدون الإستماع للقصة التي اصبحت مثالا للمماطلة والتسويف حتى يمل المتابع العادي وينسى الموضوع ويدخل في موضوع اخر وهكذا، وهذا ينطبق الى حد كبير مع الموازنة العامة للدولة من ايرادات ونفقات وعجز وديون. المتاح امام الباحث والمراقب الراصد والمحايد لايجد سوى ارقام الحكومة ووزارة المالية، وفي حال التدقيق وإجراء مقارنات نجد في كثير من الاحيان ارقام صادمة وغير مقنعة، وفي هذا الحال ندخل في حوار غير منتج والنتيجة الاقتصاد يعاني اكثر وعلى المواطن ان يتحمل اما الحكومة بإعتبارها السلطة التنفيذية لا تأبه فالنفقات والسيارات الفارهة لا تجد مثيلا لها في الدول الثرية وصاحبة الفائض المالي، يصبح مثلث الاقتصاد مقلوب على رأسه والضلع الاكبر في الاعلى، وهذا ما نراه في المناسبات والإجتماعات حيث يدرك ان الشعب عليه ان يوفر لفئة محدودة الرفاه والامتيازات وعلى عامة الناس ان تواجه الحياة ومتطلباتها وصولا الى ابسط حقوق العيش الكريم.
مع بداية العام الحالي اقرت الحكومة مجموعة القرارات المالية الإنكماشية التي اثرت على الاقتصاد والاستثمار في الاردن وكان الهدف زيادة الإيرادات لخفض عجز الموازنة من جهة وعدم السماح للدين العام بالإرتفاع اكثر من جهة اخرى، الا ان النتائج خالفت التوقعات حيث تراجعت الايرادات المحلية بـ 118 مليون دينار، وزادت النفقات الجارية بـ 121.7 مليون دينار، وإنخفاض النفقات الراسمالية بـ 40.5 مليون دينار في النصف الاول من العام الحالي.
الدين العام له الف قصة وقصة غير مقبولة حيث تجاوز الدين العام 41.5 مليار دولار 60% منه داخلي بالدينار ( اي جففت الحكومة مصادر الاقراض المصرفي للقطاع الخاص )، وإرتفع الدين العام في ستة الاشهر الاولى 1177.8 مليون دينار، وبالرغم من ذلك يطلق مسؤولون ان الدين العام انخفض نسبة الى الناتج المحلي الاجمالي، والسبب في ذلك نسب الدين العام الى النمو الاسمي المتوقع بحدود 4.8%، وهذا يشير الى ان الدين العام حقيقي مؤكد والنمو الحقيقي بحدود 2%، فالحديث بهذه الطريقة الرقمية تنطوي على تهويم يحاول تقديم الاقتراض الخارجي و/ او الداخلي على انه إنجاز للحكومة.
إستمرار الحكومة الحالية على نفس المنوال وهو اكثر ضراوة من الحكومات السابقة سنجد انفسنا وقد تجاوز الدين العام حاجز 43 مليار دولار وربما اكثر، وهذا يرتب اعباء على الاقتصاد وعلى كل اردني حتى لو كان عمره يوما واحدا، وبدون خفض النفقات الجارية والنفقات الادارية والعمومية للحكومة وتفكيك الوحدات المستقلة، وترشيد النفقات المنفلتة خارج الموازنة لا يمكن ان يتحسن اداء المالية العامة التي تعتمد ثلاثة فرضيات اوصلت البلاد الى نقطة القاع وهذه الفرضيات..زيادة النفقات سنة بعد اخرى، وفرض المزيد من الرسوم والضرائب، والاقتراض اكثر بما يرهن البلاد للدائنين، ومن يمنح شهادات الإئتمان صندوق النقد الدولي الذي يعتبر اداة إستعمارية وإستعبادية وهي صورة من صور الرأسمالية الوحشية.