دفاعا عن مؤسسة البرلمان / جهاد المنسي
قبل التحول الديمقراطي في العام 1989 كانت احزاب (غير مرخصة او معترف بها وقتذاك) وناشطون ونقابات ومؤسسات مجتمع مدني تعلي الصوت للمطالبة بعودة الحياة البرلمانية التي كانت معطلة، ولطالما دفع أفراد وساسة وحزبيون الكثير من ايام عمرهم وراء القضبان لأنهم كانوا ينتقدون تعطيل الحياة البرلمانية ويطالبون بإطلاق الحريات العامة.
عمليا، فإن المطالبة بعودة الحياة البرلمانية المعطلة كان هدفا رئيسا للناشطين، وعندما تم التأسيس للتحول الديمقراطي وإطلاق الحريات العامة وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وسن قانون أحزاب، وإجراء انتخابات برلمانية إيذانا بعودة الحياة البرلمانية ما يعني إعادة جناح مهم من اجنحة الحكم للعمل باعتبار ان الحكم دستوري نيابي ملكي وراثي، وقتذاك، احتفلنا وأطلقنا عنان الأمل لإصلاح حقيقي يذهب بِنَا لمطارح تؤسس لدولة المؤسسات والقانون والحريات العامة والمحاسبة والشفافية ومكافحة الفساد والإفساد، ومحاربة الواسطة والمحسوبية، ونرسي قواعد الحاكمية الرشيدة، وتمنح الحكومات دورها في ان تكون صاحبة ولاية عامة قولا وفعلا.
مُذ ذاك التاريخ (1989) لم تنقطع الحياة البرلمانية، وانتخب مجلس النواب الحادي عشر وصولا للمجلس الحالي الثامن عشر، بيد ان الطموحات التي بنيت قبل ثلاثين عاما ما تزال على حالها لم يتحقق منها سوى النزر اليسير، وما نزال ندور في دائرة الاصلاح نفسها دون أن يتحقق منها سوى مطالب محدودة جدا.
ذاك البطء في تحقيق الاصلاح المنشود كان سببه قوى شد عكسي، وغياب رؤية سياسية، عززها تواصل الهاجس من الانضمام للأحزاب، او حتى الانخراط في مؤسسات مجتمع مدني، وهذا أدى الى خربطة الرؤية لدى مجاميع الناس ودفع البعض احيانا للمطالبة بحل مجلس النواب الذي كانت إعادته للعمل قبل نحو 30 عاما مطلبا سياسيا يلتقي عليه الجميع، ومنذ ما يقرب 15 عاما ارتفعت وتيرة المطالبة بحل البرلمان، وبات هذا الشعار يعلو شفاه الكثير من المطالبين بالتغيير او اولئك المحتجين سواء كان احتجاجهم لتحسين اوضاعهم المعيشية او اولئك الذين يحتجون للمطالبة بإصلاحات سياسية حقيقية وجادة.
شخصيا، قد أتفهم عتب الناس على مجالس النواب، وأتفهم صدمة البعض من أداء بعض النواب، وأتفهم إحباط ناشطين سياسيين من آليات التغيير والإصلاح التي لم تتقدم كثيرا حتى اليوم، بيد أنني شخصيا لا أتفهم بالمطلق المطالبة بحل مجالس النواب، ومنها المجلس الحالي، فتلك المطالبة هي كمن يطلق الرصاص على قدمه، وأعتقد أن الأصل أن نطالب بتقوية مؤسسة مجلس النواب، والدفاع عنها، ورفض أي تغول عليها سواء من قبل السلطة التنفيذية او من قبل اي طرف مؤثر في الدولة، مع الاحتفاظ بحق الناس والناشطين والأحزاب والمجتمع المدني في نقد أداء النواب او المطالبة بالتجويد، او نقد اداء بعض النواب وعدم انتخابهم في الدورة المقبلة، فذاك فعل ديمقراطي لا يختلف عليه اثنان.
واقعيا، لا أرى ان حل مجلس النواب مخرج يساهم في تعزيز حياتنا الديمقراطية، فحل النواب مع بقاء الامور كما هي عليها اليوم سينتج مجلسا نيابيا جديدا لن يختلف كثيرا عن المجلس الحالي او الذي سبقه، وسيجعلنا نواصل دورانا في الدائرة ذاتها غير قادرين على الخروج منها أبدا، وأعتقد ان قوة اي مجلس نواب هي في التفاف القوى الشعبية حوله، وممارسة الضغط عليه لتجويد الأداء وعدم الضغط عليه بسيف الحل.
ولذا فإنني لا أرى داعيا حاليا لحل مجلس النواب، طالما أن آلية تفكير عقل الدولة ما تزال على حالها لم تتغير، أما إذا كان هناك نية للخروج من الدائرة التي وضعنا أنفسنا بها قبل 30 عاما والتقدم لتحقيق إصلاح حقيقي، فإن ذاك بحاجة لأدوات وقوانين اصلاحية وقتها وبعد ان نؤسس لتلك القوانين يمكن حل مجلس النواب على قاعدة الذهاب بالإصلاح الحقيقي الى الامام تحت شرط ان يكون إصلاحيا حقيقيا وليس إصلاحا تتحدث به الشفاه وتقاومه الأيدي.