الفرصة الأخيرة / جهاد المنسي
قد تكون الحكومة أمام فرصتها الاخيرة لتثبت قولا وفعلا نجاحها في مساعيها لتحفيز الاقتصاد، وعكس ذلك التحفيز في موازنتها العامة عن السنة المالية 2020 والتي يتوقع ان تكون قد باشرت في إعدادها لتقديمها لمجلس الأمة لإقرارها في الدورة العادية الرابعة في حال لم يتم حل مجلس النواب.
وقد تكون الحكومة معنية للدخول في مراجعة جادة وحقيقية وملموسة لكل الإجراءات التي تم اتخاذها وقراءة الأثر المالي الذي نتج عن تلك السياسات، وكذلك دراسة الواقع الاجتماعي في البلاد والذي بات يئن بشكل واضح تحت وطأة الفقر والعوز، والبطالة، ولذا فإن إشاحة الوجه عن الوضع الحالي وعدم ملامسته، ومهاجمة كل طرف اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي يؤشر لذلك، لا يفيد إطلاقا.
زيارة جلالة الملك الاخيرة لرئاسة الوزراء وحديث جلالته مع وزراء حكومته، فتحت بابا واسعا أمام الرأي العام لتكهنات مختلفة وتوقعات متباينة، فهناك من دفع باتجاه قرب رحيل الحكومة، وهناك من ذهب باتجاه منحها فرصة جديدة مع إمكانية إجراء تعديلات جراحية سريعة عليها وإخراج وزراء وإحلال بديل عنهم لهدف تسريع مرحلة النهضة التي وعدتنا الحكومة بها، وجعل المواطن يلمس ذلك بشكل مباشر.
قد يكون السيناريو الأقرب هو منح الحكومة فرصتها الأخيرة قبل النهاية بدقائق، وتركها خلال تلك الفترة لجهة إعادة ترتيب صفوفها ومحاولة تحقيق نقاط تمنحها فرصة بقاء اطول، لاسيما وان فرصتها الاخيرة لن تكون طويلة ابدا، وربما سيكون عليها إعادة تقديم كشف حسابها قبل نهاية العام، وفي تلك الحالة سيتم التقييم أن كانت نجحت في تحقيق نقاط لصالحها أم لا؟!، فإن نجحت يمكن أن تطول فترة بقائها في الرابع حتى نهاية عمر مجلس النواب الدستوري، وعكس ذلك سيكون عليها لملمة أوراقها والرحيل، وهنا يمكن أن يرحل معها مجلس النواب ايضا.
بطبيعة الحال فإنني هنا لا أفترض ما تفترضه صفحات التواصل الاجتماعي بشأن الحكومة، وما يتوقعه أصحاب تلك الصفحات من تكهنات أغلبها افتراضية لا تقوم على معلومة مؤكدة بقدر اعتمادها على رغبات هذا وذاك، وانما الاعتماد على ما جاء في كلام جلالة الملك للحكومة، وكلام جلالته كان محددا والملاحظات واضحة.
الحكومة إن أرادت ان تحصل على فترة اطول من شوط إضافي، وتؤمن استمرارها حتى نهاية عمر مجلس النواب، عليها ترتيب اوضاعها وإعادة النظر بكل معوقات التطور والنهوض التي اعترضت طريقها خلال المرحلة الماضية، ونزع كل اشكال التأزيم التي ساهم فيها وزراء ومسؤولون حكوميون، ووضع بعض النقاط على حروف القلق التي أثيرت حول قدرتها على الاستمرار وتحقيق تطلعات الملك والشعب.
هذا يتطلب جرأة حكومية لمعالجة كل الامور، وإغلاق ابواب الريح التي جعلت الحكومة تقف في مهبها دون ان يكون بمقدورها الابتعاد عنها، ووضع النقاط على الحروف وخاصة ما تعلق بالمال العام وبواطن الفساد والافساد، والذهاب لتطبيق مواد القانون على الصغير والكبير، ووضع لبنة لبداية طريق دولة المؤسسات والقانون والمواطنة والتعامل مع القانون دون أخذ خاطر لهذا او ذاك، وإطلاق الحريات العامة وسراح أي معتقل سياسي، وإعادة النظر بكل ما يتعلق بتأخير العبور باتجاه الإصلاح والدولة الحضارية المدنية، إذ لا يمكن أن نبقى في هذا الوقت ندور في المنطقة الرمادية دون ان نستطيع ان نخط طريقنا التي تحدثنا عنها وبشرنا بها قبل اكثر من 30 عاما إبان التحول الديمقراطي الذي بدأ في العام 1989، دون ان نستطيع ان نقطع شوطا مقنعا حتى اليوم باتجاه تأسيس دولة المؤسسات والقانون بعيدا عن الجهوية والعنصرية والشللية، والافكار المتحجرة التي لا تفيد سوى إرجاعنا للوراء، بطبيعة الحال فإن الحكومة لا تملك ترف الوقت، وإن لم تستطع إغلاق ملفاتها والعمل سريعا فإنها ستجد نفسها بدون سابق إنذار خارج أسوار الرابع حتى دون فترة انتظار او فرصة أخيرة.