مقالات

الحكومة بين الرحيل والتعديل.. والاستدارة المطلوبة / ماجد توبة

لا يبدو رئيس الوزراء د. عمر الرزاز حاليا في أفضل أوقاته في ظل ارتفاع منسوب النقد والهجوم على حكومته وسياساتها، والنقمة العامة على تردّي الأوضاع المعيشية والاقتصادية لأغلب الشرائح المجتمعية والاستعصاء المستحكم في عجلة النمو الاقتصادي وما يتركه من أثر سلبي على المالية العامة والدين العام وعلى التشغيل والحركة الاقتصادية. ويفاقم مشكلة الرجل أيضا التخبط في بعض القرارات التي تستفز الرأي العام أكثر وتمس عصبا حساسا لدى هذا القطاع أو ذاك.

المطالبة برحيل الحكومة شعار آخذ بالتوسع باطراد مع تزايد تآكل الشعبية والثقة بقدرة الحكومة، فيما ينصب الهجوم شعبيا ونخبويا على الفريق الاقتصادي للحكومة لارتباط الأزمة الداخلية أساسا بالمعضلة الاقتصادية وتفاقم اعبائها معيشيا والفشل بالتخفيف من غلوائها على الناس ومختلف القطاعات. هذا التركيز على الفريق الاقتصادي -الذي لا يبدو أحيانا بريئا- يترك الباب مواربا أمام الرزاز للاستمرار في الدوار الرابع وتزيين خيار التعديل الوزاري، باستبدال اعضاء الفريق الاقتصادي للخروج من أزمة رحيل الحكومة.

قد يكون جزءا من الحل لوضع الحكومة هو التعديل الوزاري وإخراج من فشل بسياساته وقراراته فهذا خيار صحيح برأيي، لكن ذلك لا يكفي فالأزمة أكبر من أشخاص وأعقد، وهي أساسا في نهج اقتصادي وسياسي متواصل يثبت يوما بعد آخر فشله بحل الأزمة العامة بل ويفاقمها.

رغم كل التحفظات والانتقادات لأداء الرئيس الرزاز وحكومته، فأعتقد أن الرجل لم يصل بعد إلى النقطة الحرجة التي تدفع صانع القرار للتغيير، سواء لجهة ظروف موضوعية لها علاقة باستحقاقات المرحلة واقتراب استحقاق الانتخابات النيابية، أو ذاتية لها علاقة بشخص الرزاز، الذي حافظ رغم كل الانتقادات والهجوم على أدائه وقراراته على صورته العامة بنظافة اليد وبهدوئه واشتغاله على بعض الملفات برؤية واضحة لكنها تحتاج لوقت لتثمر، كما في قطاع النقل والصحة والتعليم والتشغيل.

مقابل ذلك؛ ثمة ملفات وجوانب مهمة تستنزف سريعا من رصيد الرجل وتقرّبه أكثر من النقطة الحرجة، يقف على رأسها تراجع النمو الاقتصادي والتعثر حتى الآن بتشجيع الاستثمار وإزالة عراقيله وتحريك السوق بخفض أعباء كلف الانتاج وإنعاشه وعدم إحداث فرق حقيقي بخفض الإنفاق العام كبديل مجد عن السعي لزيادة واردات الخزينة بالضرائب والرسوم والقرارات الهوجاء كما في موضوع الرمثا الأخير.

باب آخر مهم لاستنزاف الشعبية والثقة بالحكومة له علاقة أساسية بالولاية العامة للحكومة، والتي يبدو الرزاز غير معني كثيرا وللأسف بخوض معركتها أو اعتبارها أولوية له، حيث يفاقم التوسع بالاعتقالات لحزبيين وحراكيين وإحالتهم إلى محكمة أمن الدولة والتضييق على النشطاء السياسيين من الأزمة العامة، وبالتالي على مستوى الثقة بالحكومة وبقدرتها على ادارة الملفات العامة. ناهيك طبعا عن المراوحة في مربع العجز عن إحداث تطوير حقيقي للقوانين الناظمة للحياة السياسية من انتخاب وأحزاب وغيرها!

رغم اعتقادي الشخصي بأن الرزاز لم يصل إلى مرحلة “النقطة الحرجة” التي تدفع لرحيل حكومته، إلا أن الوصول إليها لا يبدو مستبعدا وقد يكون ذلك سريعا جدا، خاصة في ظل شيوع وترسخ حالة عدم اليقين والإحباط العام وتزايد الاحتقان الشعبي.

حتى من يطالب اليوم برحيل الحكومة، وأيضا مجلس النواب، فإنه لا يبدو متفائلا بمن سيأتي بديلا لتشكيل الحكومة فالمشكلة الرئيسة ما تزال هي، عقم النخب السياسية القائمة في ظل استمرار نهج تشكيلها وتقييداتها وحساباتها وعدم تمكينها من الولاية العامة كاملة، وكذلك عقم البيئة السياسية والشعبية العامة التي تفرض اعتبارات جهوية ومناطقية على أي تشكيل حكومي وعلى حساب الكفاءة والقدرة السياسية لوزرائها.

بعيدا عن تحليل خيارات التغيير والتعديل الوزاري ثمة حاجة ملحة اليوم لاستدارة رسمية واضحة، اقتصاديا وسياسيا، تكون قادرة على التعاطي مع تفاقم الأزمة العامة وباتجاه خفض منسوب الاحتقان في الشارع.

المصدر
الغد
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى