الأردن “غير مستقر” وسط طوقٍ ملتهب.. فهل من استراتيجية سياسية دبلوماسية اقتصادية؟: الحرب الباردة بين “إسرائيل” والسعودية وأميركا مع ايران تحيط بعمان.. وتساؤلات عن مغزى “زخم” تدريبات الأسد المتأهب 2019.. استحقاقات صفقة القرن مقبلة وتحذيرات من انفجار الغضب الداخلي
يطوّق الخطر العسكري والحربي المملكة الأردنية من كل الجهات، بينما تغرق عمّان تماماً بهمومها الداخلية في الأسابيع الأخيرة.
العاصمة الأردنية محاطة ولمرّة نادرة بالخطر من كل الجهات ضمن سياق الحرب الباردة بين “إسرائيل” والسعودية ومن خلفهم واشنطن من جهة وإيران وحلفائها من جهة أخرى، إذ تستنفر “إسرائيل”- وفق اعترافها تارة واتهامها أخرى- قدراتها الهجومية منذ الأسبوع الماضي في هجمات على سوريا ومعاقل حزب الله في لبنان ومكاتب الحشد الشعبي في العراق بالإضافة لاستهدافها غزة والتلويح بحرب معها، بينما لا تزال الهجمات الحوثية من اليمن تستهدف مدناً سعودية مختلفة ومرافق حيوية في الدولة المحاذية لحدود الأردن الجنوبية.
يحصل هذا بينما يستضيف الأردن تمرينات الأسد المتأهب السنوية، حتى بداية سبتمبر/أيلول المقبل، والتي عادت 28 دولة لتشترك فيها بعدما اقتصرت العام الماضي على التمرينات الأردنية الامريكية.
ووفق بيان الجيش الأردني تشترك 28 دولة غربية وعربية بثمانية آلاف مقاتل، وستحاكي مناورات هذا العام الحالة العسكرية والتصدي لـ “عدو واحد” كما سيتم التدرب على الأزمات المرافقة للحروب من لجوء وأوبئة وامدادات غذائية.
ويُنظر لاستعادة التمرينات المذكورة الزخم الدولي كمؤشر إضافي على احتمالات الحرب المتوقعة في المنطقة، وهي تمرينات أساساً يُنظر اليها بتوجّس إقليمي اذ بدأت فعالياتها مع بداية الأزمة السورية.
ورغم ان الازمة السورية تبدو على وشك الحسم مع تصاعد وتيرة المعارك في ادلب كآخر معاقل المعارضة المسلحة، إلا ان عودة الزخم الدولي للتمرينات تتزامن أولا: مع زيادة التوتر في الخليج بين الولايات المتحدة وايران، وهو الأمر الذي يوحي بالمزيد من الخطر المحتمل على الأردن بكل الأحوال، حتى من حيث انطلاق أي هجمات منها.
وثانياً: بزيادة وتيرة الضربات العسكرية “الإسرائيلية” على حلفاء ايران في المنطقة وفي دولتين حدوديتين مع الأردن (العراق وسوريا) وأخرى قريبة جدا (لبنان) بالإضافة للهجمات على قطاع غزة.
وثالثاً وهو الأخطر على عمان: هو تزامن هذه التدريبات مع احتمالات اعلان البيت الأبيض الأمريكي ما عرف بصفقة القرن، المتوقع أن تتحول لعامل توتر إضافي في المنطقة وداخل الأردن أيضاً.
بهذا المعنى تظهر عمان وهي تستعد ميدانيا وعسكريا فقط في مواجهة أي توترات او تصعيد في الأردن والجوار، بينما لا تملك العاصمة أي خطة سياسية أو دبلوماسية للعب دورٍ معتدل بين الأطراف المتأزمة (وهذا له أسبابه السياسية المعقّدة اليوم) من جهة، كما لا تملك خطة لانفتاح سياسي داخلي ومحلّي لاحتواء الغضب الشعبي المتوقع تزامنا مع الإعلان عن صفقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر، من جهة ثانية.
في السياق الأخير، يزداد الغضب الشعبي كثيرا على الحكومة وتتحدث مؤسسات بحثية عن فجوة بدأت تظهر حتى مع النظام الحاكم بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة من جهة، وبسبب الضغط السياسي وزيادة اعداد المعتقلين بسبب معارضتهم من جهة أخرى، وهذين مؤشرين ينبغي بكل الأحوال الانفتاح التام بأحدهما وتخفيفه عن كاهل الأردنيين قبل أي استحقاق قد يؤدي لانفجار كبير محتمل في الشارع مع الضغط المتنامي.
عمان إقليميا تعاني من علاقات بين فاترة ومجمّدة وأحيانا من قطيعة أو انقلاب اليوم مع حلفائها التقليديين وحتى أولئك الذين استحدثتهم لنفسها مؤخرا في ضوء التطورات في المنطقة، وهنا لا يقتصر الامر على السعودية والامارات وعلاقتها المعقّدة معهما وانما يتجاوز ذلك لوصول علاقتها مع قطر للسقف المفترض كما وعدم تنامي العلاقات مع تركيا بالشكل الذي كان يراد له ان يحصل. الامر الذي يضع عمان في موقع لا تحسد عليه اذ لا بد لها ولمرة واحدة التصرف داخليا وبوتيرة اسرع من التوجيه فيما يتعلق بالاستثمارات حيث بدأت تتنامى مفردة “الجوع” بين المواطنين العاديين وهنا إنذارات لا تبدو بسيطة.
بكل الأحوال، فالاردن ضمن طوق ملتهب اليوم ولا يبدو ان الازمة في هذا الطوق على وشك الحل او حتى التهدئة، بل على العكس، بينما داخل البلاد ايضاً تنعكس إخفاقات اقتصادية متتالية مع قبضة امنية متنامية ما يعاظم فرص انفجار الغضب في البلد بأي لحظة، والسلطات مطلوب منها تخفيف الاحتقان بصورة ناجعة.
عدم تخفيف الاحتقان بعقلية سياسية واقتصادية مع تعاظم العقليتين الأمنية والعسكرية قد يُبعد حلفاء مهمين للأردن ويحاولون مساعدته، إلى جانب زيادة الفجوة الرسمية مع الشارع وهنا نواقيس خطر كثيرة ينبغي لها أن تُقرع.