الأقصى في الذكرى الـ50 لإحراقه: تهويد وتخاذُل… ومقاومة / براءة درزي
تحلّ الذكرى الـ50 لإحراق الأقصى على يد المُتطرِّف مايكل دنيس روهان وكيان الاحتلال لا ينفكّ يمارس اعتداءات متوالية على المسجد لإحراز السيطرة الكاملة عليه.
وقد زادت وتيرة الاعتداءات على الأقصى في السنواتِ القليلةِ الماضيةِ بفعلِ التداخُل بين المصالح السياسية ومطالب “جماعات المعبد”، إذ باتت شخصيات سياسية تسعى إلى إرضاء هذه الجماعات لتضمن أن تصبَّ في رصيدها سياقاتُ التصويت التي تقف خلفها. لكن على الرّغم من هذا التداخُل والتبنّي السياسي لمطالب “جماعات المعبد” القائم على مصالح انتخابية، فإنّ ذلك لا ينفي أنّ بعض الشخصيات السياسية “الإسرائيلية” تتبنّى فكرة “المعبد” من مُنطلقٍ إيديولوجي بحت، بل تتوسّل السياسة لخدمة هذه الفكرة وليس العكس.
تطوّرات كثيرة تعصف بالأقصى بعد 50 عاماً على إحراقه، و52 عاماً على احتلاله من قِبَل الصهاينة. وإذا راجعنا المشهد في المسجد في الأعوام الماضية وجدنا زُخْماً في الاعتداءات “الإسرائيلية” التي تُوجّت عام 2019 باتجاه الاحتلال إلى تخطّي الوضع القائِم التاريخي بمسارٍ جديدٍ من الاعتداءات ليرسم بها ملامح المشهد في الأقصى في المرحلة القادمة. ومن أوجه هذه الاعتداءات الاقتحامات التي ينفِّذها المستوطنون بحماية شرطة الاحتلال، ومحاولاتهم أداء طقوس تلمودية في الأقصى تحت أعين الشرطة، ومحاولة الاحتلال فرض التقسيم الزماني والمكاني في المسجد، والدعوات الصادِرة عن بعض السياسيين وعن “جماعات المعبد” لإنهاء الوصاية الأردنية على المسجد، والسماح للمستوطنين بالصلاة فيه، ومَنْع المسلمين من الدخولِ إليه، والدعوات إلى بناءِ كنيسٍ في داخله ليُصلِّي فيه المستوطنون. وتورِد التقارير السنوية الصادِرة عن مؤسّسة القدس الدولية بعنوان عين على الأقصى تفاصيل الموقف “الإسرائيلي” من المسجد، وتطوّرات الاعتداءات “الإسرائيلية” عليه، فيمكن الرجوع إليها لمزيدٍ من الاطّلاع.
وفي خضمِّ هذه الاعتداءات بَرَزَ هذا العام تطوّر مهم وخطير، لما له من انعكاساتٍ على المسجد في المرحلة القادمة، وهذا التطوّر تجلّى في سماح الاحتلال للمستوطنين باقتحام الأقصى في المناسبات الدينية الخاصة بالمسلمين، على الرغم من أنّ سياسته استقرّت في الأعوام السابقة على مَنْعِ الاقتحامات في هذه المناسبات. فقد سمحت السلطات “الإسرائيلية” هذا العام باقتحام المسجد في العشر الأواخر من شهر رمضان، لا سيما يوم 28 رمضان، وفي اليوم الأول من عيد الأضحى، إذ تزامن اليومان مع احتفال المستوطنين باستكمال احتلال القدس في رمضان (2 حزيران)، وبـ “ذكرى خراب المعبد” في أوّل أيام الأضحى (11 آب). فجاء قرار المؤسّسة الأمنية بتوجيهٍ من وزير الأمن الداخلي غلعاد إردان، بالسماح باقتحام الأقصى في ظلّ الاعتداء على المسلمين الموجودين في المسجد وتحويل المكان إلى ما يشبه ساحة حرب.
ووضع إردان قراره السماح بالاقتحامات في إطار سعيه إلى “ضمان حقّ اليهود بالدخول إلى مكانهم المُقدَّس”، ولم يلبث أن دعا إلى تغيير الوضع القائم في المسجد والسماح للمُستوطنين اليهود بالصلاة في المسجد. وحتى إن وضعت هذه التطوّرات في سياق تعزيز نتائج الانتخابات “الإسرائيلية” العامّة المُقرَّرة في 17/9/2019 لمصلحة حزب “الليكود” الذي ينتمي إليه إردن، إلّا أنّ ذلك لا ينفي خطورتها وتداعياتهاعلى الأقصى في المرحلة القادمة إذ إنّها تؤسِّس لمسارٍ جديدٍ من الاعتداءات لا يقف عند أيّ “خطّ أحمر”.
وفيما تتزايد الاعتداءات “الإسرائيلية” ويجري العمل على نقلها إلى مستوياتٍ أكثر خطورة، فإنّ مشهد التفاعُل معها على المستويين العربي والإسلامي يبدو هزيلاً ومُتخاذِلاً بالعموم، من مسار التطبيع مع كيان الاحتلال الذي يقوده عدد من دول الخليج العربية، إلى التماهي العربي الرسمي مع صفقة القرن وما تحمله من نُذُرٍ تُنبِئ بتصفية القضية الفلسطينية، وبينهما كثير من الضعف والتخاذُل الذي تعكسه بيانات التنديد والتحذير من مغبَّة الاعتداء على الأقصى! وعلى ذلك فإنّ عنوان الخطر على الأقصى لا يقتصر على الاحتلال “الإسرائيلي” وسياساته، بل يتعدَّى ذلك إلى الموقف العربي والإسلامي الرسمي عموماً، والرَكْض وراء التطبيع مع الاحتلال والتحالف معه والانصياع للإرادة الأميركية تحت عنوان “مواجهة الخطر الإيراني”، وإن كان ذلك يعني المشاركة في تصفية القضية الفلسطينية.
لكن في مقابل قَتامة المشهد الذي تتجاذبه اعتداءات الاحتلال من جهة، وضعف المواقف من جهةٍ أخرى، مشهد من الصمود والمقاومة يتصدَّره المقدسيون، والفلسطينيون عموماً، دفاعاً عن المسجد في وجه المُخطَّطات التي تستهدفه. ومن أبرز المحطَّات في الأعوام القليلة الماضية هبَّة باب الأسباط عام 2017 التي انتهت على انتصار شعبي في معركة البوابات، ومن ثمّ هبَّة باب الرحمة في شباط 2019 التي استعاد فيها المقدسيون مُصلَّى باب الرحمة الذي أغلقته شرطة الاحتلال عام 2003 استناداً إلى قرارٍ مزعومٍ من محكمة الاحتلال، وهذا النصر لا يزال الاحتلال يحاول تقويضه لمنع تكريس باب الرحمة مُصلَّى، وتدارُك النكسة التي مُنيَ بها مشروع التقسيم المكاني للأقصى الذي كان الاحتلال يُمهِّد له انطلاقاً من المنطقة الشرقية من المسجد التي فيها باب الرحمة. يُضاف إلى ذلك عمليات الدَهْس والطَعْن من هبَّة القدس عام 2014 إلى انتفاضة القدس عام 2015، وصولاً إلى العمليات الأخيرة في “غوش عتصيون”، وكلها تصبّ في إطار الدفاع عن القدس والأقصى والمُقدَّسات، من دون إغفال مسيرات العودة في غزَّة التي تستمر منذ 30/3/2018 لإحباط مُخطَّطات تصفية القضية الفلسطينية، بما فيها المسجد الأقصى.