آراء ومقالات

معركة التطبيع

الإعلان “الإسرائيلي” الذي جرى خلال الأيام الماضية عن أن وفدا إعلاميا عربيا سيزور قريبا فلسطين المحتلة لمشاركة سلطات الاحتلال باحتفالاتها لـ”تخليد الهولوكوست” ليس تصريحا روتينيا، وانما عمل مبرمج وله أهداف عديدة من أهمها، أن التطبيع العربي مع كيان الاحتلال يسير بوتيرة عالية، ولا يشمل الجهات السياسية الرسمية للدول العربية، وانما الشعبية وعلى رأسها الإعلامية.

تزايدت مؤخرا مثل هذه التصريحات أو التسريبات “الإسرائيلية” التي تكشف عن توجهات أو اجراءات أو ممارسات تطبيعية للعديد من الجهات الرسمية أو المؤسسات أو الاشخاص في الدول العربية التي لاتربطها بالاحتلال علاقات رسمية.

ولا يحتاج المرء لجهد ليعرف أن سلطات الاحتلال تولي أهمية كبرى للتطبيع والترويج له، وتولي أيضا أهمية كبرى لإظهار عملية التطبيع، بأنها تسير بوتيرة متسارعة، بحيث ينضم اليها الكثير من العرب الرسميين والشعبيين يوميا.

وفي خضم الترويج “الإسرائيلي” للتطبيع، لا بد من الإساءة للشعب الفلسطيني، فتركز الماكنة الإعلامية الصهيونية على تشويه الفلسطينيين، من خلال اظهار ونشر وبث تصريحات لـ”المطبعين الجدد” من العرب، تسيء للشعب الفلسطيني، عن طريق توجيه الشتائم له ووصفه بعدم الوفاء للعرب الذين قدموا له الدعم فيما قابلهم بتأييد المؤامرات ضدهم، وممارسات أقبح الأعمال ضدهم.

ولا بد أيضا، في سياق هذه العملية الترويجية للتطبيع، أن يشيد “المطبعون الجدد”، بالاحتلال “الإسرائيلي”، وبـ”انسانيته” و”بـمحبته للعرب”، مؤكدين أن الاحتلال لم “يمارس أي شيء سلبي ضد العرب”، محملين في الوقت ذاته الفلسطينيين كل “مساوئ الدنيا”.

لن تنطلي مثل هذه الألاعيب على الشعوب العربية الرافضة كليا للتطبيع، ولكن الدعاية المتواصلة والمكثفة، ستترك انطباعا لدى البعض أن التطبيع يتوسع، وأن فئات جديدة تنضم له، وأن الاحتلال يكسب أصدقاء جددا بعد أن اكتشف (الأصدقاء الجدد) “الخدع الفلسطينية” و”حقيقة الشعب الفلسطيني”.

وبالرغم من ذلك، فإن التطبيع، وعكس ما تروج له سلطات الاحتلال، لا يتوسع، ولا يتمدد، بل بالعكس يعاني باستمرار، وتقاومه بشدة الشعوب العربية، فيما يزداد باستمرار عدد النشطاء العرب الذين ينشطون لمقاومته ورفضه.

والدليل على ذلك، ردة الفعل الرافضة لزيارة الوفد الاعلامي العربي لكيان الاحتلال، فالعديد من الجهات العربية اعلنت رفضها لهذه الزيارة وتوجهها لمحاسبة ومعاقبة وعزل أعضاء الوفد الإعلامي.

وعندنا في الأردن، وبالرغم من عدم ثبوت مشاركة أي صحفي أو إعلامي، بالوفد، إلا أن نقيب الصحفيين الزميل راكان السعايدة، كان واضحا في موقفه الرافض للتطبيع مع سلطات الاحتلال، حيث هدد بمعاقبة أي صحفي أردني يشارك بمثل هذه الزيارة التطبيعية.

وليس غريبا هذا الموقف عن نقابة الصحفيين الأردنيين، فقرارات هيئتها العامة معلنة، برفضها التطبيع، ومحاسبة أي صحفي يقترف مثل هذا الفعل المرفوض والمدان.

وطبعا، هذا الموقف ليس غريبا على الشعب الأردني، الذي يرفض التطبيع، ويعزل المطبعين، ويقف موقفا موحدا ملتزما بالقضية الفلسطينية التي تعتبر أولوية أردنية، لا يمكن التنازل عنها.

بواسطة
محمد سويدان
المصدر
الغد
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى