مقالات

مختصون: صفقة القرن ليست قدرًا والشعب الفلسطيني قادر على إسقاطها بوحدته وصموده

يقول المفكر السوري قسطنين زريق، في كتابه (معنى النكبة): «ليست هزيمة العرب في فلسطين بالنكبة البسيطة، أو بالشرّ الهيّن العابر، وإنما هي نكبة بكل ما في هذه الكلمة من معنى، ومحنة من أشدّ ما ابتُلي به العرب، في تاريخهم الطويل، على ما فيه من مآسٍ ومحن.»

سبعةُ عقود وعام مرّت على احتلال نحو 20 ألف كم2 من فلسطين – أي نحو 77% من مساحتها الكلية -، وتهجير قرابة 900 ألف فلسطينيّ من أراضيهم إلى الضفة الغربية، وقطاع غزة، والأردن، وسوريا، ولبنان وغيرها، فضلًا عن تدمير 531 قرية فلسطينية وهي ما أصبحت تُعرف بـ «القرى المُهجّرة»، ووفقًا لتقديرات شيخ المؤرخين الفلسطينيين عارف العارف؛ ارتقى 16721 شهيدًا عربيًا وفلسطينيًا في المعارك والمذابح وقتذاك.

يسترجع اللاجئون الفلسطينيون النكبة بكل ما فيها من ألم ودروس مُتشبّثين بأمل العودة، واقفين سدًا منيعًا في مواجهة ما يُعرف بصفقة القرن.

أبو هاني: الخيارات الكفاحية ربما مكلفة لشعبنا في هذه الظروف، لكن شعبنا قادر عليها، وهذا يتطلب وجود قيادة وطنية منتخبة وطنيًا

 

مراغة: حتمية التحرير والعودة أمر لا جدال فيه، وستفشل صفقة القرن كما فشلت سابقاتها من مشاريع لتصفية هذه القضية

 

أمل العودة بعد 71 عامًا على التهجير

يقول نائب مسؤول دائرة اللاجئين وحق العودة في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وديع أبو هاني: «حق العودة حق يتوارثه الأجيال منذ الفصل الأول للمؤامرات الدولية التي استهدفت شعبنا وأمتنا منذ ولادة اتفاقية سايكس بيكو، مرورًا بوعد بلفور ونكبته عام 1948، ومحاولات الأسرلة والعبرنة والتهويد التي استهدفت الأرض والشعب والمعالم وأسماء المدن وغيرها، إلى المخاض الجاري لولادة صفقه القرن.»

ويتابع أبو هاني، «منذ عام 1949، انهالت على شعبنا عشرات المشاريع التصفوية من توطين، وتعويض ووطن بديل رفضها شعبنا، ومازال يرفضها، ولن تكون صفقة القرن وفصولها أوفر حظًا، ولن يكون  مصيرها إلا الفشل. لذلك فإن المعسكر المعادي الإمبريالي الاستعماري الصهيوني الرجعي وفي مقدمته ترامب ونتنياهو والمطبعين العرب ينهون أي فرصة لرهان خاسر أصلًا على أي عملية سلام ،روّجوا لها منذ كامب ديفيد، مرورًا بوادي عربة، وكارثة أوسلو التي يدفع شعبنا أثمان كبيرة نتيجة ملاحقها الأمنية والاقتصادية والتخلص منها. هذا المعسكر المعادي لشعوبنا وحقوقنا وبعد تبهيت وخطف الشرعية الدولية وضرب قرارات الأمم المتحدة وإعاقة تنفيذها خاصه المتعلقه بالقضية الفلسطينية، وفي المقدمة منها القرار 194 الذي يدعو إلى عودة اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم.»

ويستدرك قائلًا:»يُجدد شعبنا اليوم رهانه على إرادته ومقاومته الشاملة بالدعوة الى الوحدة الوطنية الشاملة، وإنهاء الحصار من خلال استراتيجية وطنية تطلق العنان للشعب في الميدان، من أجل نيل حريته وعودته وتقرير مصيره على أرضه كخيار أستراتيجي لهزيمة المشروع الصهيوني في منطقتنا.»

بدوره يقول عضو اللجنة المركزية لحزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني، أحمد مراغة: «سمة الكيان الصهيوني أنه كيان إحلالي كولونيالي، يبني مشروعه بإسناد مباشر من الإمبريالية، معتمدًا أساسًا على طرد السكان الأصليين لفلسطين، وبطرق عديدة جلّها إجرام وعنف واستقدام اليهود من كل بقاع الأرض ليحلوا محل السكان الأصليين، وما زال هذا الاحتلال يسعى لتفريغ فلسطين من أهلها حتى تكون يهودية خالصة، وبحُكم هذه السّمة فهو يخشى التفوّق الديمغرافي الفلسطيني ويعمل ألّا يتحقق، لهذا نرى تنكّره للقرار الأممي رقم 194.»

ويضيف مراغة: «اليوم وعطفًا على الواقع الفلسطيني والعربي المتردّي تجرّأ هذا الكيان ومن خلال الحليف الأمريكي طرح مشروع صفقة القرن التي تستهدف بالأساس إنهاء القضية الفلسطينية، وشطب هويتها وحق العودة عبر توطينهم، وحملهم جنسيات بلدان اللجوء، وإنهاء المخيمات وما ترمز إليه، عبر وقف الدعم لوكالة الغوث ونقل مسؤوليتها إلى الدول المضيفة، عارضين إغراءات مالية، غالبًا ما تكون وهمية، كما صاحب إغراءات معاهدات الاستسلام الثلاث كامب ديفيد، وأوسلو ووادي عربة، كل ذلك حتى يكون الكيان الصهيوني طبيعيًا في قلب الوطن العربي، محافظًا على ديمومة وجودهن ومحققًا أطماعه التوسّعية ومُلبّيًا مصالح الإمبريالية وعلى رأسها أمريكا.»

الرهان الفلسطيني

حول معطيات التشبّث بأمل العودة والرهان الفلسطيني، يقول القيادي في الجبهة الشعبية، وديع أبو هاني: «الرهان دائمًا على إرادة الشعب وتمسكه بحقوقه الوطنية، وقد تجاوز شعبنا امتحانات كثيرة وتاريخية، وأثبت أكثر من قرن وهو يتصدى للهجمهة الصهيونية المدعومة دوليًا، وفي ظل تواطؤ وعجز النظام الرسمي العربي المتهافت  والمتآكل والآيل للسقوط؛الرهان اليوم على إرادة الشعب الذي يرفض الاستسلام، والمتشبّث بأمل وحق العودة؛ الرهان على المتجذرين على مساحة الوطن التاريخي في فلسطين الذين يُثبتون يوميًا بصمدوهم وتضحياتهم بأن هذه الأرض أرضنا، هذه هي الإرادة الشعبية الفلسطينية والعربية الشريفة التي ستفشل صفقه القرن.»

ويردف قائلًا: «رهاننا اليوم على حراك شبابي فلسطيني وعلى رموز وأبطال حقيقيين على الأرض، يعيد رسم خارطة وحدود فلسطين بالدم، قادرين على تحديد معسكر الأعداء والأصدقاء بدقة ووضوح. ويتابع، «الرهان على حركات المقاطعة للكيان الصهيوني، وأحرار العالم في الساحات الدولية، إضافة إلى رهاننا على إنجازات محور المقاومة في فلسطين ولبنان وإيران وعلى الأصدقاء في الساحة الأممية.

من جهته يقول القيادي في حزب الوحدة الشعبية، أحمد مراغة: «71 عامًا مضت قدّم العدو وحلفاؤه خلالها العديد من المشاريع التي تهدف إلى إنهاء حق العودة باعتباره الحلقة المركزية في الصراع الدامي مع هذا الكيان، والأبرز في هذا الصراع رغم التضحيات الكبيرة عبر هذه السنين، وشعبنا الفلسطيني رغم اختلال ميزان القوى، والحالة العربية الرسمية المتردّية، وقبول أوسلو وتبعاته، فقد بقي شعبنا الفلسطيني متمسكًا قولًا وفعلًا بحق عودته إلى وطنه فلسطين من البحر إلى النهر، حتى أنه غيّر مفهوم العودة بأنه عودة الوطن وأهله.»

ويُشدد مراغة، «هذه إرادة شعب ازدادت جيلًا بعد جيل، آمن بالمقاومة طريقًا أساسيًا لتحقيق التحرير والعودة، وبهذه الإرادة بقيت القضية الفلسطينية كقضية مركزية تحظى باهتمام العالم على الدوام، لهذا فشلت كل مشاريع التصفية التي سبقت صفقة القرن التي ستفشل كسابقاتها من المشاريع.»

ملف اللاجئين لتمرير صفقة القرن

في معرض الحديث عن إنهاء ملف اللاجئين الفلسطينيين، عن طريق محاولات إلغاء الأونروا، والتوطين والتهجير، لتمرير صفقة القرن، يُعلّق أبو هاني قائلًا: «لا نستطيع إدارة الظهر أو التقليل من خطورة مشروع صفقة القرن في ظل تجانس وتتطابق رؤية ترامب وفريقه ونتنياهو حول كيفية تصفية الحقوق الوطنية الفلسطينية مستفيدين من حالة الهوان والتراجع في الموقف الرسمي العربي والفلسطيني وفي ظل موجات التطبيع التي تجري على قدم وساق، وموازين القوى المختلفة، يعمل ترامب جاهدًا لتصفية وإضعاف هيبة مؤسسات الشرعية الدولية، وتوظيف الأمم المتحدة وشطب القرارات الدولية المتعلقة بالقضية والحقوق الوطنية الفلسطينية،وفي المقدمه منها القرار 194.»

ويؤكّد، « تتطابق رؤية ترامب في صفقة القرن مع اللاءات الصهيونية المعروفة (لاءات نتنياهو)، وهي:لا لدولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وبحدود؛ لا للقدس عاصمة لدولة فلسطين؛ لا لعودة اللاجئين؛ لا لإزالة المستوطنات.»

وعن سُبُل المواجهة يقول أبو هاني: «إن الخيارات الكفاحية ربما مكلفة لشعبنا في هذه الظروف، لكن شعبنا قادر عليها، وهذا يتطلب وجود قيادة وطنية منتخبة وطنيًا، ومؤتمنة من خلال العمل على استعادة الوحدة الوطنية على أسس سياسية وتنظيمية ديمقراطية، واعتماد استراتيجية مقاومة شاملة تُعيد الاعتبار لأصل الصراع ومفتاح الحل لقضية للاجئين باعتبارهم جسر العودة للتحرير وتقرير المصير، وبأن فلسطين التاريخية الهدف الاستراتيجي لعموم الشعب الفلسطيني، واعتبار صراعنا مع العدو الصهيوني هو صراع وجود واشتباك تاريخي مفتوح.»

ويختم قائلًا: « قد ينجح المعسكر المعادي نظريًا بشطب القرار 194، وربما يعيد تعريف اللاجئ وربما يضيق الخناق على اللاجئين وخدماتهم، وربما يحجب أموال الدعم الدولي عن الأونروا، وربما يحاصر شعبنا ويضيق الخناق عليه، لكن لن يستطيعوا  قتل إرادة الحياه والبقاء والمقاومة لدى شعبنا.»

وفي ذات السياق يقول أحمد مراغة: «التحرير والعودة أمر حتمي الوقوع مهما طال الزمن، وهي قناعة راسخة لدى شعبنا لأنه يؤمن بإرادة المقاومة والنضال، ومعه كل أحرار العرب والعالم، وما يعزز هذه القناعة وهذا الإيمان أنه أصبح الآن للمقاومة محورًا ماضيًا في تعزيز قدرته على الردع، والعدو وحلفاؤه يهابون هذا المحور.»

ويضيف مراغة، «ما يجعلنا نؤمن بالتحرير والعودة هو هشاشة هذا الكيان رغم امتلاكه قدرات حربية هائلة، لأنه مجتمع مفتعل ليس بين سكانه اي رابط أو جذور بالأرض، ولا حتى ترابط اجتماعي بين الجنسيات المختلفة في انتماءاتها، ويظهر ذلك جليًا عند احتدام الصراع فتراهم لا يطيقون المكوث في الملاجئ ولا يتحملون وجود قتلى، ويلجأون للهجرة العكسية بحسب الجنسيات التي يحملونها، بينما صاحب الأرض لا يغادرها، ويبقى صامدًا رغم هول ما تعرض له من قتل وتدمير واعتقال، والشواهد على ذلك كثيرة.»

ويختم عضو اللجنة المركزية في حزب الوحدة قائلًا: «لهذه الأسباب، ورغم مرور هذه السنين على اغتصاب فلسطين، وحجم ما قدمه الشعب الفلسطيني من شهداء وجرحي ومعتقلين، وما يتعرض له من معاناة يومية، فإن حتمية التحرير والعودة أمر لا جدال فيه، وستفشل صفقة القرن كما فشلت سابقاتها من مشاريع لتصفية هذه القضية.»

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى