حول مفهوم الاستقلال في ظل التبعية الاقتصادية
(( لم يتوقع الا القليل القليل ان يثبت الاستعمار الاقتصادي انه اثبت اركاناً من الاستعمار السياسي, وان حكم الطبقة المتوسطة, سيكون لمصلحة هذه الطبقة (البرجوازية الجديدة) بالذات لا لطبقات الشعب كله, وان الولايات المتحدة الامريكية سوف ترث دور اوروبا بالنسبة للعالم الثالث ولكن في شكل جديد وتحت شعارات جديدة وانه لذلك سوف يطول البؤس وسوف تغلق الابواب على التطور والانطلاق, وستخوض شعوب العالم الثالث معركة جديدة امام اللون الجديد من الاستعمار))
منيف الرزاز/فلسفة الحركة القومية ص417
وفي السياق ذاته خاطب نهرو في سنة 1955م ممثلي (29) دولة وافقت ان تكون بعيدة عن الانحياز لمعسكري الرأسمالية والاشتراكية آنذاك!؟ , ليقول احذروا مما هو قادم لدولكم فهناك ستتكون طبقة سياسية اقتصادية يكون مصلحتها التعاون مع الدول الاستعمارية التي رحلت مرغمة بعساكرها, لتحقيق مصلحتهما المشتركة في توارث الحكم من جهة وفي السيطرة على ثروات دولكم من جهة اخرى, لما تتمتع به الدول المستعمرة من خبرات وامكانيات علمية وصناعية وزراعية وخدمية وامنية على حدٍ سواء قدمتها على طبق من ذهب لهذه الطبقة الجديدة التي ادارت اقطارنا العربية.
انسجاماً مع مقولة محمد حسنين هيكل حول (الفهم قبل الحكم) فلا بد من التعريج على ما كتبه جون بيركنز في مؤلفه (اعترافات قاتل اقتصادي) الذي سلط الضوء على النظام العالمي الجديد ما بعد الحرب العالمية الثانية حيث اجتمع المنتصرون بالحرب بناءً على دعوة موجهة من الولايات المتحدة الامريكية في « بريتون وودز» سنة 1944 حيث كان على جدول اعمالها «النظام الاقتصادي العالمي الجديد» حيث كان من نتائج المؤتمر (الاجتماعات) انشاء البنك الدولي, صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية بالاضافة الى قضايا التجارة الخارجية/الذهب وانتقال الاموال وغيرها الكثير, حيث هدفت امريكا كما يقول بيركنز من وراء المؤتمر الى السيطرة على القرارات السيادية للدول عبر اغراقها بالديون والسيطرة على عملاتها وتحويلها الى اسواق لاستهلاك منتجات الدول الغربية مما دفع الاتحاد السوفيتي الى الانسحاب من المؤتمر وتعليقه على ذلك المؤتمر بأنه يهدف الى السيطرة على سياسات واقتصاديات العالم, مؤكداً (بيركز) ان المساعدات والتوصيات والاقتراحات المقدمة من الصندوق والبنك لا يمكن لها ان تساهم في تنمية بلدان العالم الثالث ولن تسمح لها بامتلاك عناصر التنمية, باعتبار ان هدف هاتين المؤسستين الرئيسي (البنك والصندوق الدولي) هو ادخال هذه الدول في امبراطورية امريكا سياسياً واقتصادياً واجتماعياً .
من هنا فإن الاستقلال الذي حصلت عليه الدول العربية القطرية بقي ناقصاً واصبحت هذه الدولة رغم اهمية ما بنته على صعيد البنية التحتية من طرق وصناعات وتطوير للزراعة او التربية او التعليم, تشكل عقبة حقيقية امام أي محاولة لبناء دولة العرب النموذج, فتجربة مصر/عبد الناصر, كمحاولة لاحياء محاولة محمد علي, او دولة العراق او سوريا / حزب البعث في بناء دولة الوحدة, لم يسمح لهما بالنجاح لاعتبارات ذاتية هامة وبسبب التحديات الكبرى التي تعرضت لها تلك التجارب من الدول الغربية خاصة الولايات المتحدة الامريكية, مما حال دون ربط التنمية الاقتصادية بالاستقلال السياسي التي باكتمالها تتحقق التنمية المستقة التي يهدف مؤتمركم العتيد الى بناء جيل مؤمن بها وقادر على انجازها, بإعتبار ان بنائها يتطلب سياسيون يؤمنون ان وحدة الامة لا تتم الا بتنمية مستقلة باعتبارها الاداة والمدخل الحقيقي لتحقيق نمو اقتصادي يستطيع ان يحقق العدالة الاجتماعية التي بها يمكن ان نرفع من سوية التعليم والبحث العلمي وبهما نعظّم من الانتاج ومن خلال تعظيم الانتاج نستطيع ان نؤثر على التجارة الخارجية لصالحنا وبهذا نستطيع ان نشغّل ملايين العرب طالبي الوظيفة والذي بهم يعظّم الانتاج وتطوّر التكنولوجيا وتزدهر الدولة المنشودة.