الخديعة/يحيى صافي
هناك خديعة ما يحسها في خاصرته تتراقص مثل أفعى..!
إنه الآن أمام مسرح دمى متحركة، مسرح مكشوف تماماً.
تباً لكم.. يريد أن يخرج من هذه اللعبة السمجة!
يقف الآن العربيٍ أمام نفسه مكشوفاً.. أنا الخديعة ذاتها، أنا المخدوع والمخدع.!
يكاد لو أبصر انبعاث الساموراي في عينيه يصرخ:
– يوكوميشيما أين سيفك العذل؟! فالمشهد يستحق موتاً سامورايي المطالع.
يا موتك العذب يا ميشيما، سوف أبقى أنحنى احتراماً لهيبة السيبوكو في عينيك.! شرق المتوسط»الآسيوي» يُغربني يا رفيق، وما لنا حيلة..!
«لا موتا جميلا بعد الأربعين».. أدري، ولكن كم يستحق أن نزف مثلك يا رفيق، كي تحيا هذه المدن العربية بكرامة وبهاء.
ما هي كلمة السر التي تحول الإنسان إلى وحش..؟ يسأل بصوته المتحشرج المُدمى:
– ربما كانت الأوسخ في الضمائر: أنا
والأغبى في الأيدولوجيا: نحن.
مثل هدفٍ سهلٍ لقناصة.. ينكشف الآن.!
أخطأ كثيراً، وربما أوغل… ولكن لم يك يوماً خطيئة.!
كوفية.. علمٌ وطني.. شعار الحرب، قطع قماش لم ترق له في حياته، وقد أوصى لما يحضره الموت:
– إن مت، لفوني بمنديل أمي، وحسب.
نظر إلى طفل يبول خلف حاجزٍ للأمن المركزي قرب ميدان التحرير، نظر إلى صف العسكر، وحدق عاليا في صورة للرئيس المخلوع، وفكر في الرئيس المنتظر؛ ثم اعتلى حاوية نفايات مقلوبة كانت قد احترقت للتو، وأخذ يخطب في ثلة متسولين من متشردي الكباري:
– كل القادة العظام يجب أن يركعوا ليقبلوا أحذية الشعوب قبل أن يحكموا الشعوب.. تعال يا سيدي الرئيس قَبّل حذائي قَبلَ أن أقبل بك حاكما للبلاد.
إني أرى أمواتاً هناك في شارع محمد محمود يلوحون لي بقمصانهم المهترئة.. أرى رايات يتفصد عنها الدم والخديعة.. أرى صديقتي الشهيدة سالي زهران أيضاً، هل كنتُ حقاً هناك، أنا والخديعة، والقمصان المهترئة، وسالي زهران؟!
رحماك يا رب الميادين.. لم أكن صورة مناسبة لكي تعرض في نشرات الأخبار.. وإلا لكنت شهيداً مثيراً، أكره أن أكون هدفاً سهلاً لقناصة أو لكاميرا الجزيرة.!
ربما بسبب ذلك بقيت على قيد الحياةً.. في الحرب، هذه الحرب أعني.. الموت هو المنتصر، أما الموتى فهم شهداء الهزيمة.. هزيمة الأحياء أعني. أشتم رائحة البارود في كل قمصاني.. أشتم رائحة الغاز المسيل للدموع، أما العطر فقط ذهب جفاءاً.
لن أرفع رايةً بعد اليوم، ولن أردد شعاراً أو نشيداً وطنياً.. سأرقص أمام أعدائي، رافعاً إصبعي الأوسط، في الحرب تجري الأمور كما في الحرب.. إلا في هذه الحرب,, هناك بشاعة لا نظير لها.!
ثم ما لبث أن نزل عن الحاوية، قبل أن ينفض سامر المتسولين الذين شرعوا يهتفون بعد خطابه الموفق: ارحم، ارحم، ارحم.