یبدو أن ماراثون تعدیلات قانون العمل في طریقھا إلى التعقید أكثر، بعد أن تعمقت الاختلافات بین كافة الأطراف حوله، سواء في البرلمان بشقیه النواب والأعیان، أو منظمات المجتمع المدني والنقابات.
ویحمل كل من الطرفين وجھة نظر بعیدة عن وجھة نظر الجھات الأخرى، ویبدو ان كافة الاجتماعات والنقاشات التي أجریت خلال الشھور الأخیرة حول القانون لم تفلح في الوصول إلى قانون توافقي بحسب مراقبین.
الحلقة الأخیرة من أنشطة نقاشات قانون العمل كانت الخمیس الماضي عندما اجتمعت لجنتا العمل والقانونیة في مجلس الأعیان، الذي استلم القانون من النواب مؤخرا، بعد أن اجرى الأخیر تعدیلاته علیه، لتقرر رفض تعدیلین جدیدین أقرھما مجلس النواب أولھما یتمثل في تعدیل الإجازة السنویة للعامل، بحیث تصبح شھرا لمن اتم خمسة أعوام في عمله و21 یوما لمن لم یتمھا، في حین كانت 21 یوما لمن أتم خمس سنوات و14 یوما لمن لم یتمھا، والتعدیل الثاني رفض تعدیل النواب بإعفاء ابناء غزة من استصدار تصاریح عمل.
مقررة اللجنة القانونیة في الأعیان فداء الحمود بررت رفض اللجنتین لھذین التعدیلین بالتأكید انھ فیما یخص إجازات العمال “ العطل في الأردن تصل إلى 153 یوما بحسب دراسة لمنتدى الاستراتیجیات، ونحن دولة تعاني من قلة الانتاج أساسا، وبذلك لیس منطقیا زیادة عدد أیام الاجازات“، وفیما یخص رفض إعفاء ابناء غزة من استصدار تصاریح عمل تقول الحمود إن اللجنتین فضلتا ترك ھذا الأمر لصلاحیات رئاسة الوزراء، ولیس وضعھا ضمن مادة في قانون العمل من منطلق وجود جنسیات اخرى على الأراضي الأردنیة یجبرھا القانون على استصدار تصاریح عمل.
وكان مجلس النواب أقر الشھر الماضي، تعدیلا على قانون العمل المؤقت، یقضي بإعفاء أبناء الأردنیات المتزوجات من غیر الأردنیین وأبناء قطاع غزة من استصدار تصریح عمل، ووقتھا رحب خبراء بھذا التعدیل مع التأكید على ضرورة تعدیل قرار وزیر العمل المتعلق بالمھن المغلقة أمام غیر الأردنیین، بما یستثني أبناء الأردنیات وأبناء قطاع غزة من ھذا القرار.
مدیرة مركز ”تمكین“ للدعم والمساندة لندا كلش تعلق على رفض لجنتي العمل والقانونیة في الاعیان على التعدیلین المذكورین بالقول “ ما حدث في مجلسي النواب والاعیان فیما یتعلق بتعدیلات قانون العمل ما ھو الا مجزرة ومقصلة للعمال، وتحكم رأس المال في مفاصل الدولة، وما حدث من نقاش لا یعدو ان یكون مضیعة للوقت“.
وتقول أنه“ عندما یطلب من الفلسطیني المقیم في الأردن أن یحصل على تصریح عمل، والا یتم استثناؤه من المادة 12 من القانون ما ھو الا مخالفة صریحة لقرار سابق لمجلس وزراء الداخلیة العرب والخاص بمعاملة الفلسطینیین في الأقطار العربیة والذي نص في مادته الثانیة على معاملة الفلسطینیین في العمل والتنقل والإقامة نفس معاملة مواطني الدول المصدرة لوثائقھم وتضیف كلش “ كما أن التراجع عن زیادة أیام الإجازة السنویة مجحف بحق العمال، معربة عن تأییدھا لزیادة أیام الإجازة السنویة لتصبح ثلاثین یوما مع تقلیل الإجازات في المناسبات الرسمیة والأعیاد الدینیة، ناھیك عن تقیید الحق في التنظیم النقابي، وكذلك تعریف النزاع العمالي،ھذا بالإضافة الى ما یحویھ القانون نفسھ من ثغرات في مواد لم یتم فتحھا للتعدیل“.
مدیر ”بیت العمال“ الخبیر في سیاسات العمل حمادة ابو نجمة یؤكد انه تم الانتھاء من القانون الخمیس الماضي في لجنتي العمل والقانونیة، ولكنھ سیعرض على مجلس الأعیان الأسبوع القادم، ومن ثم یعاد إلى مجلس النواب، ویؤكد انه ”للأسف لم تتابع أي من الجھات ذات المصلحة موضوع التعدیلات الخاصة بالنقابات التي اثرناھا في تقریر سابق لبیت العمال، وكان ھذا خطأ كبیر أدى إلى اقرار النواب والاعیان نصوص تسمح للحكومة بالتدخل بعمل النقابات بصورة تخالف المعاییر الدولیة، خاصة من حیث شرط تصدیق انظمة النقابات الداخلیة من وزارة العمل، وصلاحیة الوزیر بحل النقابات بدلا من القضاء، وصلاحیة الوزیر منفردا في تصنیف النقابات المسموح بانشائھا بدلا من اللجنة الثلاثیة“.
وأضاف أبو نجمة “ حاولنا اقناع الجھات المعنیة للتدخل ووقف ذلك، من اتحاد العمال الى وزارة العمل وعدد من منظمات المجتمع المدني، ومجلسي النواب والاعیان، ولكن لم یتحرك احد سوى نقابة العاملین في الكھرباء، وھذه التعدیلات الخاصة بالنقابات ستسیئ لصورة الأردن كثیرا على مستوى دولي، بعد ان كنا قد تقدمنا كثیرا في ذلك عند وضع القانون المؤقت عام 2010 والتعدیلات ایضا تدل على تسرع غیر مدروس في الصیاغة التشریعیة، فرغم وجود مثل ھذه الصلاحیات للحكومة قبل العام 2010 ،إلا ان الحكومة لم تكن تستخدمھا نھائیا احتراما للمعاییر الدولیة وخشیة تعرضھا للادانة“.
بدوره یؤكد المستشار القانوني في منظمة محامون بلا حدود المحامي معاذ المومني ان بعض التعدیلات التي طرأت على قانون العمل ایجابیة وتقدم ضمانات حمایة أكثر للعامل مثل إجازة الابوة وتعدیل مادة انشاء الحضانات في أماكن العمل ، لكنھ یؤكد ان بعض التعدیلات بحاجة لاعادة نظر مثل تعریف النزاع العمالي الذي جعلھ التعدیل الجدید مقتصرا فقط على النقابات العمالیة .
وتعرف المادة الثانیة من قانون العمل، بنسختھا التي وصلت من لجنة العمل والسكان النیابیة النزاع العمالي بأنه “ كل خلاف ینشأ بین النقابة من جھة وبین صاحب عمل او نقابة أصحاب العمل من جھة أخرى حول تطبیق عقد عمل جماعي او تفسیره او یتعلق بظروف العمل وشروطھ“ وبذلك یحصر النص المقترح الخلاف بین النقابة وصاحب العمال ویغیب العمال الذین لیس لھم نقابات.
وفي سیاق آخر، یرى المومني أن من السلبي اعطاء الوزیر الحق بحل الھیئة الاداریة للنقابة، لیؤكد ان اعطاء السلطة التنفیذیة ھذا الحق یعد تعدیا على العمل النقابي والمؤسسات النقابیة إذا كان یتوجب ان یتم ذلك بقرار قضائي.
وختم المومني بالقول :“ اعتقد أن تعدیل القانون اصبح في مراحلھ الدستوریة النھائیة وكنا نتمنى ان تفتح كل مواد القانون لنقاش مستفیض لیحقق العدالة للعامل ویعید ضبط وتعریف العلاقة بین العامل ورب العمل وفقا لمبادئ العدالة وسیادة القانون، كما ان الحق في تشكیل النقابات والتفاوض الجماعي ھو حق مصان لجمیع العاملین ولیس فقط للنقابات العمالیة، خاصة وأن الغالبیة الكبیرة من العاملین في الأردن لا یتمتعون بالحق في التمثیل النقابي وأغلبھم لا ینضون تحت مظلة مؤسسة نقابیة تخمي وتحافظ وتدافع عن حقوقھم“.