موسم الهجرة إلی المعارضة ! / ماجد توبة
من بین كل صنوف وأنواع المعارضات التي یمور بھا الواقع الأردني الیوم، لا تستوقفك وتستفزك سوى معارضة صف طویل من مسؤولین سابقین، باتوا لا یوفرون منبرا ولا مناسبة حتى یمطرونا فیھا بحكمتھم و“حاكمیتھم“ وھو یشرحون سلبیات الحكومة الحالیة وأخطاءھا، وینظرون علینا؛ نحن الشعب المسكین، بما نستحق من حكومة أخرى وسیاسات مختلفة تكون قادرة على انتشال البلاد من أزماتھا السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة!
خذ مثلا؛ تعیینات الحكومة الأخیرة لأشقاء نواب بمناصب علیا، والتي استفزت الشارع وأثارت استنكاره باعتبارھا محاباة وخروجا عن العدالة والشفافیة، ولا تستقیم مع الشعارات التي رفعھا الرئیس عمر الرزاز.
لم یتأخر معارضو الحكومات السابقة المتقاعدون أو سمھم المنتظرون حتى تقدموا الصفوف في النقد والھجوم، عبر مقالات وتغریدات ووشوشات في صالونات النمیمة الخاصة بھم، وعاد شعار ”ألم نقل لكم“ كاستھلال لـ“الطخ“ على الحكومة ورئیسھا وعلى سیاساتھم.
نفھم أن الشارع والناس غاضبة ومستاءة من الأوضاع العامة ومن حقھا النقد والھجوم على الحكومة وسیاساتھا، بل وحتى أن أغلبیة من أیدوا أو تفھموا الرزاز وسیاساتھ قد شعروا بالخذلان والإحباط بعد قصة التعیینات الأخیرة، لكن ما یصعب فھمھ أو ھضمھ ھو ھجوم مسؤولین ووزراء سابقین على الحكومة، تحدیدا على خلفیة ھذه التعیینات، حیث في البال سلسلة طویلة لا تنتھي من التعیینات والترضیات والتنفیعات لنواب عبر الحكومات السابقة المتعاقبة، ومنھا الكثیر مما وثق في الإعلام، قبل أن تذروه ریاح النسیان.
نعم؛ من حق الجمیع أن یعبر عن رأیھ في الشأن العام وینتقد أو یشید بھذا القرار أو ذاك، لكن الأمر یحتاج أحیانا لقلیل من الخجل، عندما ینبري مسؤولون سابقون للتنظیر وتصید الأخطاء والنقد بلا حساب مستغفلین الناس وذاكرتھم، ومتناسین أن حصاد سیاساتھم وقراراتھم وقرارات حكوماتھم ھي ما أوصلنا الیوم إلى ھذه المرحلة القاسیة والخربة، التي أفقدت الناس ثقتھا بكل شيء.
وانت تقرأ مقالا أو منشورا لمعارض ”مستجد“، كان مسؤولا سابقا یحكم ویرسم، وتراه ینظر الیوم عن الحاكمیة والشفافیة والأمانة والرؤیة الاصلاحیة المتكاملة تعتقد للوھلة الأولى أنه قادم من سویسرا، بعد أن خدم بھا وزیرا أو رئیس وزراء وأصلح أوضاعھا وشؤونھا، وجاء الیوم إلى الأردن تواضعا وتنازلا منه لیخدم أھلھا لوجه الله وإیمانا بدوره الإنساني! یتناسى أو یتذاكى لیعتقد أن بلدنا ضیقة وأن ذاكرة الناس قصیرة لینسوا إبداعاتھ وسیاسات الحكومات التي خدم بھا، وأوصلتنا إلى ھذا الدرك من الفاقة والأزمات.
أحیانا یدفع بعض المعارضین ”المستجدین“ أو الباحثین عن دور وموقع على أشلاء الحكومة الحالیة أو ھذا المسؤول أو ذاك للتعاطف مع ھذا المسؤول رغم إیمانك أنھ أخطأ ویستحق النقد والھجوم لتقصیره أو تجاوزه، لكن حجم التھافت والتذاكي والشره بالبحث عن دور جدید للمسؤول العاطل عن العمل، یكون أكبر وأسوأ من أن تجد نفسك تقف معھ بذات الموقف، فأنت تعرف أنھا ”قلوب ملیانة مش رمانة“ وأن وراء الأكمة ما وراءھا!
رحم الله معارضا مستجدا ومنتفعا عرف قدر نفسه فوقف عندھا!