أخبار محلية

إقرار قانون العمل يحرم العمال من حقهم في إنشاء نقاباتهم والدفاع عن مصالحهم

"النواب" والحكومة يتفقان على الانحياز لأرباب العمل على حساب الطبقة العاملة

“نعبر عن قلقنا من التعديلات التي جرت على قانون العمل، واعتمدها مجلس النواب مؤخرًا. هذه التعديلات فشلت في التجاوب مع متطلبات منظمة العمل الدولية، في ما يتعلق بالحقوق الأساسية والحرية في تككوين الجمعبات والمفاوضات الجماعية.إننا نطالب حكومتكم بإجراء تعديلات دون تأخير على انتهاكات أوجدها قانون العمل. إن بعض التعديلات التي وافق النواب على إجرائها، تشكل مخالفات واضحة للمواثيق والمعاهدات الدولية ذات العلاقة والتي صادق الأردن عليها”.
من رسالة الاتحاد الدولي لنقابات العمال إلى رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز / 21 كانون ثاني 2019.

أقر مجلس النواب مشروع قانون العمل المؤقت لعام 2010، بعد انتظار ومماطلة دامت لأكثر من ثمانية أعوام. وفي ظل غياب شبه تام للاتحاد العام للنقابات العمالية، وانفسام تشرذم في صفوف النقابات العمالية والمستقلة.
الحكومة التي انحازت تايخيًا لأصحاب العمل على حساب العامل، اقتنصت اللحظة التاريخية المناسبة لتمرير مشروع القانون، بعد أن ضمت تمريره وفق رغبات رأس المال، وبما يخدم مصالحه.
مشروع قانون لم يكن لأي حكومة القدرة على تمريره قبل ذلك، نتيجة للحضور المميز للنقابات المستقلة والحركة العمالية في الفترة السابقة، وفي ظل أجواء حراكية مميزة وقادرة على الانتصار للعمال.
قانون يستهدف حرمان العمال من حقهم النقابي
يؤكد الرفيق أحمد مراغة نائب رئيس اتحاد النقابات العمالية المستقلة وعضو اللجنة المركزية لحزب الوحدة الشعبية، على أن حالة الأنسجام حد التطابق الحاصلة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية لا مثيل لها إلا في بلدان التخلف والاستبداد، وخير دليل على ذلك إقرار مشاريع القوانين التي تستهدف قوت الشعب وحريته. تلك القوانين التي أقرها مجلس النواب في الأشهر الأخيرة وفي عهد هذه الحكومة الحالية، أولها قانون ضريبة الدخل الذي استهدف مداخيل الناس المحدودة ليزدادوا فقراً وحاجة، وثانيها قانون الجرائم الالكترونية لقمع الحريات وتكميم الأفواه، وآخرها اقرار تعديلات عدد من مواد قانون العمل الذي رغم أهميته بات في ادراج المجلس منذ عام (2010).
ويرى مراغة أن أهمية قانون العمل تكمن في ارتباطه بحياة كل العاملين في القطاع الخاص وعددهم يقارب المليون ونصف المليون عامل، إضافة إلى عائلاتهم، كانوا ينتظرون استعادة حق مسلوب منذ أكثر من أربعة عقود مضت وفقاً لنصوص الدستور ومعايير العمل الدولية الملزمة لدولتنا، حق تشكيل نقابات عمالية حرة وديمقراطية تتولى إدارة شؤون هذه الشريحة الاجتماعية الكبيرة، وكالعادة أتت النتائج على عكس الطموح.
ويضيف الرفيق أحمد مراغة “ها هو مجلسنا العتيد يقر حصر التفاوض في النزاعات العمالية بالنقابات فقط وحرمان المجموعات العمالية غير المنتسبة لهذه النقابات من إدارة المفاوضات الجماعية كما كانت معرّفة في المادة (2) من القانون الأصلي، ومن الفقرة (ب) من المادة (44) أيضاً”.
ويتفق الأستاذ أحمد عوض مدير مركز الفينيق والمرصد العمالي، مع ما ذهب إليه، مراغة، مؤكدًا على أن أهم التعديلات التي أقرها مجلس النواب، انصبت على المواد المتعلقة بالتنظيم النقابي والمفاوضات الجماعية، حيث تم زيادة القيود على التنظيمات النقابية العمالية إضافة الى القيود الموجودة أصلا في القانون، وأصبح وزير العمل هو صاحب الصلاحية في إصدار نظام التصنيف المهني الذي بموجبه تتشكل النقابات، وهذا يتعارض من حيث المبدأ مع فكرة حرية التنظيم النقابي التي أصبحت تشكل الحدود الدنيا من المعايير التي يموجبها تتأسس النقابات، والحكومة بموجب هذه المعايير يجب أن لا تكون صاحبة صلاحية في الموافقة أو عدم الموافقة على تأسيس النقابات، فهي حق للعاملين دون غيرهم. كذلك تضمنت التعديلات قيام النقابات بالمصادقة على أنظمتها الداخلة من وزير العمل، إلى جانب منح الوزير الحق بحل الهيئات الإدارية للنقابات العمالية، وهذه خطوة تراجعية كبيرة.
ويرى عوض أن هذه التعديلات كرست القيود على العاملين الذين ليس لهم نقابات، وحرمتهم من حق الاستفادة من أدوات فض النزاعات العمالية في حال نشأ بينهم وبين أصحاب الأعمال خلافات حول ظروف العمل، إلى جانب حرمانهم من حق التفاوض الجماعي مع أصحاب الأعمال مرتين في السنة على الأقل إذا كانوا يعملون في مؤسسات فيها 25 عاملا فأكثر.
انحياز لأرباب العمل على حساب العامل
ويرى الرفيق أحمد مراغة أن قانون العمل، من شأنه حرمان أكثر من (95%) من العمال غير المنتسبين للنقابات القائمة من هذا الحق، ومعلوم بأن هذه النقابات في معظمها طاردة للعضوية كي يسهل على قيادتها تجديد نفسها بالتزكية لدورات عديدة كما هو حاصل بالتنسيق الكامل مع الجهات الأمنية وتواطؤ وزارة العمل.
ويلفت مراغة إلى أنه حتى يكتمل المشهد في حرمان العمال من إدارة شؤونهم عبر نقابات حرة أقر المجلس المادة (98) من القانون بتغيير عبارة “المهنة الواحدة” بعبارة “الصناعة أو النشاط الاقتصادي الواحد”، بالنتيجة هي قيود على حرية التنظيم النقابي خاصة أن هذا القانون قد منح وزير العمل صلاحية التصنيف وتسجيل النقابات، بينما الأصل دستورياً وحسب معايير العمل الدولية أن يعطى العمال حق تشكيل النقابات وإشعار العمل بذلك عند اكتمال شروطها.
ويشدد مراغة على أن مجلس النواب أبقى تمايزاً فاضحاً بين تشكيل النقابات العمالية ونقابات اصحاب العمل حيث لا قيود عليهم كما على العمالية، وهذا ما يفسر الفارق الكبير في عدد النقابات بينهما، حيث عدد نقابات اصحاب العمل حوالي (50) نقابة غير الاتحادات والجمعيات وغرف الصناعة والتجارة، بينما عدد النقابات العمالية فقط (17) نقابة، انه انحياز مكشوف لمصالح أرباب العمل على حساب العمال.
كما يشير إلى أنه من ثغرات ما تم اقراره، شطب الفقرة (ب) من المادة (99) من القانون الأصلي والتي تنص على أن للنقابة فتح فروع لها، وهذا ما دفع الاتحاد العام للنقابات العمالية إلى إلغاء الفروع المنتجة صاحبة الصلاحية والاستعاضة عنها تشكيل لجان نقابية بقرار من الهيئة الإدارية للنقابة دون صلاحيات، وامكانية حل اللجنة وارد بقرار من ذات الهيئة، وهي دعوة لمركزية القرار مما يعيق النقابة القيام بواجباتها في كل مساحة الوطن.
كما أعطى هذا القانون -وفق الرفيق مراغة- في الفقرة (أولاً) من المادة (100) للاتحاد العام لنقابات العمال صلاحية بأن يضع نظاماً داخلياً للنقابات خاصة وأن الأصل في العمل النقابي هو للنقابات، وهي من شكلت الاتحاد، فهي صاحبة الصلاحية في وضع نظامها وفقاً لظروفها، ومن جانب آخر فإن انتساب النقابة للاتحاد اختيارياً، لذا فإن منح الاتحاد هذه الصلاحية تعني منحها سلطة لا تملكها.
قانون العمل والنقابات المستقلة
وحول أثر القانون على تشكيل النقابات المستقلة، يرى الأستاذ أحمد عوض أن القانون يتضمن قيودا قاسية على تشكيل النقابات العمالية الجدية، والتي تشكل النقابات المستقلة أحد مظاهرها. ويلفت إلى أن الفكرة الجوهرية التي نطالب بها تتمثل في تعديل مجمل نموذج النقابات العمالية في الأردن المسيطر عليها من قبل الحكومة، ولا تقوم بدورها بالدفاع عن مصالح العاملين، والتعديل يجب أن يقوم على معايير العمل الدولية والممارسات الفضلى في العالم، وتقوم على قاعدة حرية التنظيم النقابي وبدون قيود. وهذا من شأنه إعادة التوازن إلى علاقات العمل في الأردن وضمان إنفاذ تشريعات العمل وتحسين شروط العمل.
وحول غياب التحركات العمالية للتصدي للقانون، يشير عوض إلى أن النقابات العمالية المستقلة تقوم بالعديد من الإجراءات لمقاومة هذه التعديلات الكارثية على قانون العمل، حيث نفذت اعتصامًا أمام مجس النواب، وخاطبت الاتحاد الدولي للنقابات ومنظمة العمل الدولية لثني الحكومة ومجلس النواب عن هذه التعديلات التراجعية.
ويؤكد الأستاذ أحمد عوض على أن التعديلات البسيطة الإيجابية التي أجريت على قانون العمل من قبل مجلس النواب، والتي تتناول إعفاء أبناء الأردنيات وأبناء قطاع غزة من تصاريح عمل، بالإضافة الى تحسين المادة الناظمة لموضوع الحضانات لأبناء العاملات وزيادة عدد أيام الإجازة السنوية. هذه التعديلات ليست ذات قيمة في ظل القيود التي كرستها التعديلات على التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية، حيث تم نزع أنياب القانون وافراغه من أدوات تنفيذه، لأن غياب قوة اجتماعية تفرض إنفاذ القانون (النقابات العمالية) يجعل هذه التعديلات الإيجابية غير ذات مغزى.
مجلس النواب: استهداف آخر للعمال
يلفت الرفيق أحمد مراغة عضو اللجنة المركزية لحزب الوحدة الشعبية إلى أن النتائح التي استقر عليها مجلس النواب وإقراره تعديلات المواد على قانون العمل على النحو الذي تقدمت به الحكومة، تؤكد ماهيه هذا المجلس، وأنهم قد انحازوا إلى مصالحهم لأن اغلبهم أرباب عمل. هذا من حيث الجوهر، ومن حيث الشكل، وفي كيفية تعامله مع هذا القانون، ترك المجلس هذا القانون تسع سنوات في أدراج المجلس، وعندما طرح للنقاش بعد هذه المدة ضرب النصاب في الجلسة الأولى بحضور فقط اربعون نائباً فقط مما دعى رئيس المجلس إلى رفع الجلسة، وفي الجلسة الأخيرة بحضور ثمانون نائباً وغاب خمسون، وبمشاركة محدودة من عدد قليل منهم تم إقرار أغلب المواد بسرعة فائقة.
ويضيف مراغة، أي سلطة تشريعية تدعي أنها منتجة، وتمثل الشعب هذه حالها وحال تعاملها مع القضايا الحساسة التي تلامس الناس ومستقبلهم؟! مجلس على هذا النحو يمثل على الشعب ولا يمثلهم.
ويختم الرفيق مراغة “إقرار المواد المتعلقة بالشأن النقابي العمالي مخالفة للدستور ومعايير العمل الدولية، أصبح واجباً على من وعد من النواب اللجوء إلى المحكمة الدستورية أن ينفذ وعده.
والمسؤولية الأولى في نيل هذه الحقوق على أصحاب المصلحة وهم العمال، أنها مهمة نضالية تقع على نشطائهم في توحيد العمال كتلة صلبة لانتزاع هذا الحقد.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى