قراءة في حراك الرابع «هل ينجح حراك الرابع في تحقيق أهدافه بتغيير سياسي واقتصادي ويعالج أخطاء هبة أيار؟!»
استجابة الشارع لدعوة مجهولة للاعتصام تكشف عجز الحكومة وحجم السخط الشعبي عليها
دعوة مجهولة كانت كفيلة بكشف حجم الاحتقان المتراكم في الشارع الأردني. فقد صحا المواطنون الأردنيون على دعوة من جهة أطلقت على نفسها اسم «فرقة الأحرار». الدعوة التي جاءت تحت شعار «جمعة معناش»، انتشرت كالنار بالهشيم، واعتمدت مبدأ المفاجأة، حيث تم الإعلان عن اعتصام بالقرب من الدوار الرابع، قبل ثلاثة أيام فقط من موعده، ووصل عدد المشاركين بالدعوة على الفيسبوك ما يزيد على الـ30 لف شخص، ما أثار فضول المتابعين، وجعل هذه الدعوة حديثهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
فرقة الأحرار: خميس الشعب
نجحت الفعالية وحققت أهدافها، بعودة الحراك إلى الدوار الرابع، بعد محاولات سابقة خجولة، وأظهرت حجم الغضب الشعبي من السياسات الحكومية وأداء مجلس النواب الذي أقر قانون ضريبة الدخل، وأظهر انسجاماً مع الحكومة في ما يتعلق بمشروع قانون الجرائم الإلكترونية.
نجاح الفعالية شجع الجهة المجهولة “فرقة الأحرار” للدعوة إلى فعالية أخرى تحت شعار “خميس الشعب”. واستطاعت هذه الدعوة تحقيق نجاح “فيسبوكي” كبير أظهرته حجم المشاركات لها، بل إنها أصبحت حديث الشارع الأردني، ومصدر قلق الحكومة والجهات الأمنية، في ظل عدم القدرة على تخمين أو توقع ما ستؤول إليه الأمور خاصة مع عدم القدرة على تحديد الجهة الجهة الداعية لهذه الفعاليات.
“خميس الشعب”، ورغم الأمطار الغزيرة التي تزامنت معه، شهد استجابة كبيرة من المواطنين لهذه الدعوة المجهولة المصدر. وهو الأمر الذي رفع من منسوب القلق لدى الجهات الرسمية، والشعور بأن الشارع وصل إلى مرحلة من الاحتقان تجعله يستجيب لدعوات التظاهر والاحتجاج حتى لو كانت مجهولة المصدر.
كان لافتاً في تظاهرة خميس الشعب، مشاركة قوى شبابية حزبية يسارية وحراكات شعبية وشبابية وخاصة من المحافظات، وهو الأمر الذي زاد من تعقيد الأمور بالنسبة للجهات االرسمية. كما كان للهتافات التي تم ترديدها في التظاهرة والتي ركزت على مطالب اقتصادية محددة وعليها إجماع شعبي كإسقاط قانون ضريبة الدخل إعادة دعم الخبز وتخفيض أسعار المحروقات ..الخ، دوراً كبيراً في كسب تعاطف المواطنين والانشداد للفعالية.
فعاليات ناجحة وإدامة الحراك
نجاح الفعالية الثانية شجع القوى والحراكات الشعبية والشبابية والحزبية، لجعل هذه الفعالية الأسبوعية أكثر تنظيماً وقدرة على التحشيد والتوجيه، وتجاوز الجهة المجهولة التي كانت تقوم بتوجيه الدعوات للفعالية، خاصة وأن هذه الجهة “فرقة الأحرار” قامت بإعلان توقفها عن النشر لأسباب لم نعرفها حتى اللحظة، مطالبة الشعب الاستمرار باحتجاجاته.
أطلقت قوى حزبية وحراكات شعبية تجاوزت العشرين جهة، دعوة لتظاهرة احتجاجية جديدة بالقرب من الدوار الرابع، تحت شعار “مش ساكتين”، كما أعلن ائتلاف الأحزاب القومية واليسارية عن مشاركته في هذه التظاهرة، فيما كانت الدعوات من المحافظات تتوالى للتحشيد نحو الدوار الرابع. ما زاد من قلق الجهات الرسمية، التي عملت على خطين بالتوازي: خط لقاءات لرئيس الحكومة مع جهات شبابية وحراكية كانت فاشلة بكل المقاييس، واستدعاءات أمنية واعتقالات لناشطين، لم توقف زخم الدعوات للتظاهرة.
تظاهرة “مش ساكتين” حققت زخماً في الحضور كماً ونوعاً رغم رداءة الطقس، وحجب البث المباشر. وشارك الالاف من المواطنين في التظاهرة، في مشهد أعاد للأذهان أحداث الدوار الرابع التي أسقطت حكومة الملقي.
البيان التأسيسي لـ “مش ساكتين”
حتَّى لا نسمح بمزيدٍ من التغوّل على أرزاقنا وأرزاق أبنائنا؛ وحتَّى نحمي الوطن والدولة من الانهيار الاقتصاديّ الذي تقود البلاد إليه الحكومات المعيّنة المتعاقبة التي فرّطت بمقدّرات الوطن، وباعت مؤسَّسات الشعب وثرواته الطبيعيّة بأبخس الأثمان، وورّطتنا وتورّطنا باتّفاقيّات التطبيع مع العدوّ الصهيونيّ، وأفسدت الحياة السياسيّة وجرَّفتها. حيث ترافق ذلك كلّه مع تدنّي الخدمات الصحيّة والتعليميّة وتردّي البنية التحتيّة.
ومع ذلك، نؤكِّد أنَّ معركتنا مع النهج، حتَّى إنْ تغيرت وجوه المنفِّذين.
ونقول: نحن الشعب مصدر السلطات، وسندافع بكلّ طاقتنا عن قوتنا وعن العيش الكريم لنا جميعاً. طموحنا أن نتساوى بالعيش الكريم، وليس بالفقر والذلّ والمهانة التي تدفعنا إليها السياسات الجائرة للسلطة الحاكمة المرتهنة لوصاية صندوق النقد الدوليّ.
وبناء عليه، فإنَّنا ندعوكم إلى التظاهر في ساحة مستشفى الأردن (بالقرب من الدوّار الرابع)، مِنْ أجل تحقيق المطالب التالية:
1. إلغاء رفع ضريبة المبيعات على السلع الأساسيّة التي خضعت للرفع بداية عام (2018)، وإعفاء الدواء مِنْ هذه الضريبة، وتخفيض نسبتها على باقي السلع من 16% إلى 8%، والعودة عن قانون ضريبة الدخل الجائر الذي تمّ تمريره مؤخراً.
2. إلغاء بند فرق أسعار الوقود على فواتير الكهرباء.
3. تخفيض الضرائب والرسوم على المحروقات لتتناسب مع السعر العالميّ.
4. إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين ومعتقليْ الرأي وإسقاط منظومة القوانين التي تقيّد الحريّات العامّة.
الحكومة والحل الأمني لوقف الحراك
مرة أخرى يزداد تأزم الموقف الرسمي، فلا يكون لها خيار سوى تغليب الجانب الأمني رغم ما قد يشكله من إحراج لرئيس وزراء أتى من خلفية ليبرالية تدعي صون الحريات العامة. ورغم استخدام كافة الأساليب والأدوات التقليدية وغير التقليدية في لجم الحراك، ورغم إعلان الحكومة البدء في ترتيبات إصدار مشروع قانون العفو العام، وسحبها مشروع قانون الجرائم الإلكترونية، إضافة إلى جلب أحد أهم المطلوبين على قضايا فساد “عوني مطيع”، إلا أن كل هذا لم يحل دون أن يواصل الناشطون دعواتهم لفعالية أخرى بنفس المكان والزمان.
لم تثني برودة الطقس والأجواء الماطرة، المواطنين عن المشاركة بالفعالية الرابعة، وذلك رغم التحشيد الأمني الضخم في محيط منطقة الاعتصام، ومحاولات إعلامية رسمية وشبه رسمية لشيطنة الفعالية. ورغم انخفاض أعداد لمشاركين مقارنة بالفعاليات التي سبقتها، إلا أن هذا الأمر كان مفهوماً نتيجة للظروف المناخية.
لماذا الرابع؟
يبدو أن قرار الجهات المشاركة في فعاليات الرابع، يتجه لإقامة فعالية أسبوعية بنفس المكان والتوقيت إلى حين تحقيق مطالبهم. ولم يكن اختيار منطقة الدوار الرابع صدفة، فلهذا المكان رمزيته حيث شهد سقوط أول حكومة على يد الشعب الأردني بعد حكومة سمير الرفاعي، إضافة إلى رمزية المكان حيث مقر رئاسة الوزراء الذي خرجت منه كافة القرارات الاقتصادية التي أثارت الشارع. كما أن منطقة الدوارالرابع تتسم بأنها إحدى أهم المناطق الحيوية، حيث تقع في قلب العاصمة وفي منطقة تربط بين جنوب العاصمة وغربها.
الشارع بين البيروقراط والليبرال
لم يجد البيروقراط فرصة أفضل من إقرار الحكومة قانون ضريبة الدخل، لتكون مدخلاً لهم لتصعيد هجومهم على حكومة الرزاز ذات التوجه الليبرالي. واستخدم هؤلاء كافة أدواتهم المتاحة من إعلام ووشخصيات تقليدية كانت قد اختفت عن الساحة السياسية لفترة ليست بالقصيرة، إضافة إلى تشكيل أطر وتحالفات ومحاولات الدخول في حراكات شعبية من أجل تحقيق أقصى الضغوط على حكومة فقدت جزءاً كبيراً من شعبيتها نتيجة لسياساتها التي تماهت مع سياسات الحكومات السابقة.
يحاول البيروقراط الدخول على خط “فعاليات الرابع”، ومحاكاة الليبراليين الذين تسلقوا على حراك الرابع في المرة الأولى “هبة أيار” ليسيطروا على سدة الحكومة. ويبدو أن قطبي الحلف الطبقي الحاكم لا ينظران إلى الشعب الأردني إلا كأدوات لتحقيق مصالحهم الضيقة على حساب الوطن والمواطن.
إلا أن المواطن الذي تعلم جيداً من درس هبة أيار، لن يسمح لأي جهة كانت أن تختطف منه نضالاته وانتصاراته. والمتابع لما يدور في ساحة الاعتصام، يلحظ أن السواد الأعظم من الهتافات والشعارات، تعمل على توجيه الخطاب نحو تغيير النهج السياسي والاقتصادي والذي يقوده الحلف الطبقي الحاكم بقطبيه البيروقراطي والليبرالي. كما أن الأحزاب والقوى القومية واليسارية، مطالبة بأن تلعب دوراً حاسماً في اتجاه الماحفظة على مطالب فعالية الرابع بعيداً عن الأهداف الضيفة لطرفي الحلف الطبقي الحاكم.
حراك الرابع ليس نهاية المطاف
منذ انطلاقة الحراك الشعبي في كانون ثاني من عما 2011، أي قبل ثماني سنوات تقريباص، لم تتوقف موجات الحراك الشعبي، ضد نهج وسياسات الإفقار الرسمية. وفي الوقت الذي اتسمت فيه هذه الموجات بالتباعد بين موجة وأخرى، إلا أننا شهدنا هذا العام موجات متتالية من الحراك، ابتدأت في شهر شباط حيث بدء تنفيذ قرار رفع الدعم عن الخبز، تلاها هبة أيار، وانتهى هذا العام بحراك الرابع.
ويبدو أن هذه الموجات من الحراك لن تتوقف، في ظل غياب القدرة والرغبة الرسمية في تحقيق مطالب الحراك، والأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمر بها الأردن نتيجة سنوات من التبعية للمؤسسات المالية الدولية، صاحبها تفشي الفساد وتحوله إلى عمل مؤسسي وممنهج.
ويبدو أن الحكومة العاجزة عن تقديم أية حلول حقيقية للخروج من الأزمة، وجدت في الحل الأمني وشراء الولاءات ومحاولة تقسيم الحراك، الوسيلة الوحيدة أمامها لوقفه. إلا أنها تناست أن الضنك الذي يعيشه هذا الشعب، والتجارب التي مر بها، لن تكون إلا دافعاً له نحو حسم خياراته بتحقيق أهدافه نحو تغيير النهج السياسي والاقتصادي وتشكيل حكومة وحدة وطنية تحملعلى عاتقها ملف القطع مع المؤسسات المالية الدولية ومحاربة الفساد وتعزيز الحريات العامة.