ليست نخبا مطبّعة.. بل مرتزقة تطبيع!
مع أن التطبيع العربي مع كيان الاحتلال الصهيوني لم ينقطع خلال العقدين الماضيين، وتواصل تسجيل الاختراقات على هذا الصعيد، إلا أن اللافت أن العام الأخير بات يشهد توسعا ملحوظا وتكالبا على التطبيع مع العدو الوجودي للأمة، من قبل أوساط عربية رسمية وغير رسمية، ما يطرح الكثير من الأسئلة التي تتجاوز مسألة بحث بعض الأشخاص أو المؤسسات عن مصالح شخصية دنيئة حتى لو كانت عبر الارتماء بحضن العدو، إلى ما هو أوسع وأسوأ بوجود سيناريوهات ما تطبخ على صعيد التطبيع والعلاقة مع كيان الاحتلال!هذه الأيام تثار الزيارة التطبيعية المدانة من قبل مجموعة تدعي أنها من الصحفيين العرب إلى كيان الاحتلال، والالتقاء بعدد من مجرميه بدعوة من وزارة الخارجية الإسرائيلية. وفي شهر شباط (فبراير) الماضي أيضا زارت مجموعة اخرى من الصحفيين العرب كيان الاحتلال بدعوة ايضا من وزارة الخارجية، وصدر عن أفرادها ودون أن يكشفوا عن أسمائهم الصريحة تصريحات تقتر كرها للذات ولقيم أمتهم وتتبنى رواية القاتل الصهيوني بعدوانه وجرائمه، ما يكشف المستوى المتدني والرخيص لمثل هذه النماذج حتى لو إدعت أنها صحفية ومثقفة.
هذه الزيارات لمدّعي الصحافة والثقافة إلى كيان الاحتلال تندرج ضمن سياق أوسع من محاولات محمومة، لحكومات ومؤسسات عربية، للتطبيع مع الكيان المحتل، عبر استضافة مسؤولين صهاينة أو فرق وإسرائيليين بنشاطات بدول عربية، أو بتنظيم لقاءات مع إسرائيليين، في الغالب خلف ستار من السرية والاكتفاء بتسريبات صحفية حولها، لغايات كسر الحواجز النفسية في التعامل مع الاحتلال كما يبدو، و\أو للتمهيد لمشاريع تطبيعية أكبر قد تأتي في سياق ما يسمى بـ”صفقة القرن” وتسويات سياسية لا يمكن لها إلا أن تصادر الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.
طبعا؛ مثل هذه الاختراقات والاجراءات التطبيعية مع العدو التاريخي والوجودي للأمة العربية، لا يمكن لها بأي حال أن تخفي عقم محاولات هضم الكيان المحتل بالمنطقة ومن قبل الشعوب العربية، التي ورغم كل الانقسامات والخلافات والاستقطابات في صفوف دولها، لم تحد بوصلتها عن جوهر الصراع مع العدو الاول والأهم لهذه الأمة، وهو كيان الاحتلال المدعوم اميركيا، حيث تقابل محاولات وخطوات الاختراق والتطبيع المحدودة معه أضعاف أضعاف المواقف والشواهد على صلابة الأمة بشعوبها ونخبها بالعداء لكيان الاحتلال، ورفض القبول به تحت أي ذريعة او مسمى.
وإذا كان الكثيرون ينفضون أيديهم من مواقف الحكومات العربية التي تهرول نحو التطبيع، بدوافع مصلحية قاصرة، فإن التصدي لمن يدعون بإنهم نخب عربية، صحفية أو مهنية أو مثقفة وهم من النخبوية ببراء، واجب مهم وذو أولوية لمختلف الفاعليات الشعبية والإعلامية والمهنية العربية، والمطلوب منها تعرية هذه المجموعات من المرتزقة وعزلها، دفاعا عن قيمنا ومصالحنا كأمة وشعوب عربية ما تزال ترنو بأنظارها وقلوبها لفلسطين وشعبها وحقهما بالحرية والاستقلال، وفي وجه أبشع احتلال وعدوان بالتاريخ الحديث.
ما يثير الأسى والقرف أكثر عند النظر إلى اقدام مثل هؤلاء المرتزقة “العرب” على تطبيعهم مع الكيان المحتل، أنه تطبيع وارتزاق يأتي في ظل تزايد حركة المقاطعة الدولية لكيان الاحتلال ونخبه الاكاديمية والإعلامية والسياسية، وتحقيق هذه الحركة العالمية لاختراقات مهمة بمحاصرة إسرائيل حتى في الدول الأوروبية والولايات المتحدة، لتحدي هذا الكيان للشرعية الدولية والمواثيق الأممية وإصراره على عداونه وجرائمه بحق الشعب الفلسطيني.
أعتقد أن الفاعليات الشعبية والاتحادات المهنية العربية مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى باستنفار أدواتها المهنية والقانونية والسياسية لعزل ومعاقبة مرتزقة التطبيع، لئلا يتكاثروا كالفطر السام بغفلة وليل!