خبراء ومختصون: التعديلات الدستورية تجرد الحكومة من مهماتها وتحولها إلى مؤسسة خدمية
أعلن رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة أن المجلس سيشرع غداً الأربعاء، بمناقشة التعديلات الدستورية، في جلستين صباحية ومسائية، وتوقعت مصادر نيابية مطلعة أن ينهي المجلس إقرار مشروع التعديلات الأربعاء، على أن يقرّها مجلس الأعيان في جلسة له ببحر الأسبوع المقبل، وفق ما ذكرت صحيفة الغد.
المفاجأة قي تصريحات الطراونة تمثلت في دعوته لعقد جلسة “النواب” قبل إقرار اللجنة القانونية للمجلس التعديلات الدستورية، ما حدا برئيس اللجنة لدعوتها لاجتماع استكملت فيه بحث مشروع التعديلات الدستورية، حيث يتوقع أن تقر اللجنة اليوم المشروع لرفعه للمجلس لإقراره الأربعاء.
توقيت التعديلات وتراجع الحراك الشعبي والوضع الإقليمي
ورغم انتشار إشاعات سابقة، بنيّة الحكومة رفع تعديلات دستورية لمجلس الأمة، إلا أن أحداً لم يتوقع أن تكون هذه التعديلات بهذا التوسع، خاصة أنها تأتي بعد أقل من سنة على إجراء تعديل دستوري أعطى الملك صلاحية حصرية بتعيين مدير المخابرات ورئيس هيئة الأركان في الجيش، الأمر الذي طرح أسئلة عديدة حول توقيت هذه التعديلات.
الكاتبة لميس أندوني أكدت أن التوقيت غير واضح، غير أن النظام للأسف يشعر باستقواء على الشعب بعد تأكيد واشنطن على اعتباره من الحلفاء “الموثوقين”، ولذا يتوقع منه أن يباشر بسياسات اقتصادية واجتماعية وخارجية غير مقبولة شعبياً، وتنعكس سلباً على وضعهم الاقتصادي، تحت ضغوط من صندوق النقد الدولي والحكومة الأمريكية. من ضمن هذه التوقعات، المضي في اتفاقية الغاز لأسباب سياسية بحتة أهمها تعميق وتوسيع التطبيع مع الحكومة الصهيونية.
وتضيف أندوني في حديث خصّت به نداء الوطن، أن هناك أيضاً ضغوطاً متوقعة حتى يقبل الفلسطينيون بتحديد أسس الحل النهائي بما يضمن بقاء المستوطنات اليهودية وضمّها إسرائيلياً، والتخلي ضمنياً عن غور الأردن، والسيطرة على ما تعتبره إسرائيل حدوداً لها. وبالتالي سوف تشتد الضغوط على الأردن للوقوف مع الموقف الأمريكي بالرغم ما يشكله خطراً على الأردن نفسها.
الدكتور سعيد ذياب أمين عام حزب الوحدة الشعبية، لفت إلى أنه في بداية الحراك عام 2011، تم رفع شعار التعديلات الدستورية، وذلك كأحد مقومات الإصلاح السياسي المطلوب آنذاك، إضافة إلى تعديلات في منظومة القوانين وقراراً سياسياً بمحاربة الفساد.
ويشير ذياب في اتصال هاتفي أجرته معه نداء الوطن، إلى أنه ليس خافياً أن الهدف من طرح التعديلات الدستورية في تلك الفترة هو تفعيل مبدأ (أن الشعب هو مصدر السلطات) وتفعيل مبدأ الفصل بين السلطات، بقصد عدم السماح بتغول أحدها على الآخر.
ويرى ذياب أن الحراك الشعبي والقوى السياسية لم تنجح آنذاك في إحداث تغيير في موازين القوى الأمر الذي أوصلها إلى عدم النجاح في إحداث تلك التعديلات المطلوبة. وأن الأمور بقيت فقط في حدودها الدنيا الشكلية التي لم تؤسس لإصلاح حقيقي. وذلك من خلال توجه الحكم لإجراء تعديلات طفيفة لذر الرماد في العيون.
ارتباطاً بكل ذلك، يضيف ذياب، فإن تقييمنا كحزب من أن هناك ردّة على الإصلاح بدأت منذ حكومة الدكتور فايز الطراونة، وتبعتها حكومة الدكتور عبدالله النسور، هذا التقييم لم يكن خيالياً أو مبالغاً فيه أو غير مستند إلى وقائع، بل على العكس من ذلك، هذا التقييم ارتبط في إصرار الحكومات على عدم الاستجابة للمطالب الشعبية المذكورة. وفاقمت ذلك بتراجع في مستوى الحريات العامة، وتهميش لمجلس النواب، وتغول للأجهزة الأمنية.
ويحذّر الدكتور سعيد ذياب، أن هذا المسار وصل الآن إلى محطته الرئيسة، وذلك من خلال اقتراح الحكومة بإجراء تعديلات دستورية جديدة، لا تقود في محصلتها النهائية، وبرغم كل مبرراتها، إلا إلى تجريد الحكومة من مهماتها، وإضعافها بل وتحويلها إلى مجرد مؤسسة خدمية وليست سلطة ذات ولاية عامة.
التعديلات: تعيينات وازدواجية في الجنسية
أهم التعديلات الدستورية التي رفعتها الحكومة لمجلس الأمة، وتوقف أمامها المراقبون،اشتملت على المادة 40 من الدستور الفقرة (1) وتنص على “يمارس الملك صلاحياته منفرداً بتعيين الجهات التالية: أ. ولي العهد ب. نائب الملك ت. رئيس وأعضاء مجلس الأعيان ث. رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية ج. رئيس المجلس القضائي ح. قائد الجيش ومدير المخابرات ومدير الدرك”، حيث تم إضافة مدير الدرك ومجلس الأعيان والمحكمة الدستورية إلى هذه الفقرة.
كما توقف المراقبون أمام التعديل المتعلق بالسماح لمزدوجي الجنسية بالحصول على المناصب العليا، وهو الأمر الذي أثار ضجة كبيرة، حيث لم يتم إقراره في الجلسة التي عقدتها الحكومة لإقرار التعديلات الدستورية، واضطر مجلس الوزراء لعقد جلسة مسائية لإقرار هذا التعديل، ما طرح علامات استفهام حول أسباب حدوث هذه الواقعة غير المفهومة.
وترى الكاتبة لميس أندوني أن أخطر ما في التعديلات، هو تركيز السلطات بيد القصر، والقول أنها تهدف إلى فصل السلطات، يجافي الموضوعية، بل هي خطوة كبيرة إلى الوراء، لن تؤدي إلى حكومات برلمانية، بل ترسّخ عقيلة القمع والخوف، عدا أن ذلك يضع القصر والملك في مواجهة أي غضب شعبي مستقبلي.
وتشير أندوني إلى أن الغريب في الأمر،أن معارضي التعديلات، خاصة هذا الجزء منها، يبدون أكثر حرصاً على استمرار النظام واستقراره واستقرار الأردن أكثر من النظام نفسه، وبدلاً من أن يستغل النظام المزاج الشعبي المتخوف من حالة عدم الاستقرار بالمنطقة، من أن يحاول التوصل إلى عقد اجتماعي على أساس قوانين وتشريعات وممارسات تضمن الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية والسياسية وتوسيع المشاركة الشعبية، قام باستغلال هذه المخاوف بإرساء أسّس للمزيد من القمع وغياب المساءلة والمحاسبة.
وفيما يتعلق بازدواجية الجنسية، أكدت أندوني في حديثها لـ نداء الوطن، أنها إشكالية موجودة في معظم دساتير الدول فيما يخص مسؤولي الدولة وخاصة في المواقع السيادية، هناك مشكلة حقيقة في الأردن أن النخب العليا وحتى الكثير من العائلات من الطبقة الوسطى، لجأت إلى الحصول على جنسيات أخرى دليل على عدم الشعور بالأمان وهذه الظاهرة الأهم، وفي العقدين الأخيرين يكاد يقتصر نجاح الحصول على جنسيات أخرى على النخب الميسورة لارتفاع تكلفة الهجرة وشروط الجنسية من أموال، أي أن المسألة طبقية.
وأضافت أندوني “إن ازدواجية الجنسية لا تشكك بحب الأردني لوطنه، لكن على الكثيرين التفكير بجدية السعي للحصول على جنسية غربية بالأخص، إذ أن هذا ما يجذب الأكثرية، والطموح بمناصب في الدولة. المشكلة أن القصر وهذا الظاهر على الأقل، لا يرى إلا نخب معينة، ويريد راحتها، وهذه المسألة الأخطر، بما في ذلك من إقصاء الفئات الاجتماعية الأخرى.”
حزب الوحدة الشعبية الذي كان أول المعارضين لهذه التعديلات، أكد أمينه العام الدكتور سعيد ذياب في حديث خاص لـ نداء الوطن، أن سحب صلاحية تعيين السلطة القضائية والهيئة الدستورية والجيش والمخابرات والدرك، من يد الحكومة، وتركيز كل ذلك بيد الملك، يعني فيما يعني غياب المسائلة والمحاسبة، الأمر الذي يحدث خللاً كبيراً في موضوع الفصل بين السلطات، بعكس ما حاولت الحكومة الادعاء بغير ذلك.
ونوه ذياب إلى أن الدستور هو عبارة عن عقد بين الشعب والحاكم، ويجب عدم التعامل معه بخفة وإن أي تعديل يجب أن يكون مشروطاً بهدف الارتقاء وتطوير الحياة السياسية وليس العمل عكس جوهر من أن الشعب هو مصدر السلطات.
ولفت الدكتور ذياب إلى التراجع عن تعديل كان قد حصل عام 2012، والذي يؤكد عدم جواز استلام أي منصب لمن يمتلك جنسية دولة أجنبية، معتبراً أن الحديث عن عدم جدوى حظر المناصب على مزدوجي الجنسية، ليس إلا تبريراً لعودة هذه الفئة من الناس والتي تأتي في سياق تعزيز دور الليبراليين الجدد الذين عملوا ولا يزالون يعملون على رهن الأردن لشروط صندوق النقد الدولي.
وختم أمين عام حزب الوحدة الشعبية حديثه بالتأكيد أن عدم إجراء هذا التعديل ورفضه، هو مطلب وطني، على مجلس النواب أن يتوقف بمسؤولية عالية أمامه.