قراءة في الواقع الاقتصادي والاجتماعي الأردني/ بقلم: الأستاذ محمد البشير
الوضع الاقتصادي:
إن السياسة هي عقل الاقتصاد، والاقتصاد هو قلب السياسة، فالعلاقة جدلية بين الاثنتين، فكلما كان السياسي منتمي إلى طبقة الأغنياء فالنتيجة سياسات مالية ونقدية تصب في مصلحة هؤلاء والعكس صحيح، فإذا كان الفريق السياسي ينتمي إلى الوطن، ينتمي إلى غالبية الناس ويحكم وفق العقد الاجتماعي ما بين الحاكم والمحكوم الذي يجعل من التوازن بين الطبقات عنواناً للحكم فإن التشريعات الاقتصادية ودور السلطة التنفيذية سيكون تباعاً لذلك يعمل لصالح الوطن والمواطن على حد سواء.
وحيث أن الواقع الأردني غير ذلك، بعد أن التحمت القيادة السياسية مع سلطة رأس المال ابتداءً من بداية التسعينات حيث عدلت التشريعات الاقتصادية مما كان له الأثر الكبير على فئات المجتمع المختلفة وبدأ الاقتصاد بالانكماش التدريجي وفقاً للتعديلات المستمرة التي اتسمت بها هذه التشريعات، حيث شكلت السياسات المالية وأدواتها (النفقات، المديونية، الضرائب) العناوين التي زادت من نسب البطاقة واتساع جيوب الفقر، حيث تجلى ذلك بتعديل التشريعات الضريبية لأكثر من خمس مرات جعلت من ضريبة المبيعات المصدر الرئيسي لموارد الخزينة بدلاً من ضريبة الدخل إذ تشكل الاثنتان ضريبة الدخل والمبيعات ما يزيد عن (70%) من الإيرادات المحلية، وهذا يعني أن واردات الخزينة أصبحت تعتمد على دخول المواطنين (القوى الشرائية)، مما ساهم في انخفاض الطلب على السلع والخدمات وبالنتيجة تعطل وسائل الإنتاج وتشريد العمال.
وكان من مظاهر ذلك إغلاق الكثير من الصناعات الرئيسية بسبب ضريبة المبيعات هذه، أما ارتفاع فاتورة الطاقة وتأثيرها على السلع والخدمات فكبير، حيث أدى ذلك إلى رحيل الكثير من الصناعات إلى الدول المجاورة بحثاً عن سعر أقل للطاقة وسعر أقل لمدخلات الإنتاج خاصة أن العمالة وكلفتها أيضاً في مصر والسعودية على سبيل المثال أصبحت أقل نسبياً من العمالة في الأردن.
أما النفقات فإنها كانت بازدياد وساهم الحراك الشعبي بشكل غير مباشر في رفع فاتورة الرواتب مما زاد من الضغط على المالية العامة مضافاً لذلك ارتفاع فاتورة الإنفاق العسكري بحجة ما يحصل بالوطن العربي من أوضاع فكانت النتيجة مزيد من المديونية حيث استخدمت الحكومات المتعاقبة المديونية لمعالجة هذه الاختلالات وبوظيفتها الثانية بدلاً من وظيفتها الرئيسية والأولى والمتعلقة بالاقتراض من أجل الإنفاق الرأسمالي الذي يتيح ويوظف ويزيد من النمو والذي افتقدته المديونية أردنياً واقتصادنا بشكل عام خلال السنوات الماضية.
لقد كان للتشوهات التي أحدثها الفريق الاقتصادي في الاقتصاد الأثر الكبير في الوضع الذي نحن فيه، فالاعتداء على الوظيفة العامة عبر الوحدات المستقلة التي تقاضي ويتقاضى العاملون بها ثلاثة أضعاف العاملين ما يتقاضاه في الوزارات والمؤسسات العامة وهذا ينسحب على العاملين بعقود جعل من الحديث عن الوطن موضوع تهريج!؟ كما أن رفع الضرائب والرسوم على مختلف الخدمات سواء كان ذلك يتعلق بالملكية أو رسوم التقاضي أو اشتراكات الضمان الاجتماعي والتعديلات التي تمت عليه باختراع ما يسمى بالتقاعد المبكر الأثر الأكبر على الانكماش الاقتصادي وتآكل دخول الناس دون أن ننسى ارتفاع فاتورة التعليم أو المعالجة أو أجور النقل بشكل عام كلها أسباب ساهمت في الضعف الذي شهده الأردن خلال الفترة الماضية خاصة ونحن نشهد مزيد من الفساد على مختلف الصعد رافقه معالجة شكلية وسطحية لم تكون بمستوى التدهور الذي أصاب القطاعين العام والخاص على حدٍ سواء.
الوضع الاجتماعي:
كان للتفاعلات السياسة والاقتصادية الأثر الواضح للوضع الاجتماعي الذي نعيشه فتراكم الأعباء الاقتصادية وارتفاع نسبة البطالة وتراجع الخدمات وغياب العدالة في التعليم والعمل والصحة أسباب كافية لخلق بيئة العنف الذي شهدته الجامعات وكثير من القرى والمدن الأردنية خلال فترة السنوات الأخيرة من عمر الأردن لقد كان للسياسات التي اتبعتها الحكومات على الصعد السياسية والاقتصادية الدور الأبرز في تفكيك علاقة المواطن بالوطن، وأصبح الحديث عن القضية الوطنية مرتبط بمصالح الأفراد والجماعات، وأصبح إحساس الأفراد بالبحث عن الحماية عبر العشيرة أو المدينة ملاذاً ساهم في تراجع منظمة الأخلاق الوطنية إلى صالح الفرد وعائلته وأصبح الاستهتار بمؤسسة الدولة كمنظومة جامعة للجميع الخطاب السائد.
وقد تجلى ذلك في الاعتداء على امتحانات الثانوية العامة وعلى العملية التعليمية برمتها والاعتداء على المستشفيات والأطباء وانتشار ظواهر الفعل ورد الفعل بين الجيران والعائلات على أتفه الأسباب مما أدى إلى حوادث القتل وما تبعها من تشريد وترحيل لكثير من العائلات في أكثر من مدينة وأكثر من محافظة.
إن الاستبداد وتغييب دور الناس وأدواتهم المختلفة وعلى رأسها المنظومة الحزبية وتغييب العدالة عناوين هامة في معالجة الاختلالات السياسية أولاً والتشوهات الاقتصادية، ثانياً، وإن المشاركة بمعناها الواسع سيجعل من إعادة الوطن إلى مكانته في وجداننا مدخلاً هاماً لخلق أدواتنا السياسية وسيساهم في مشاركة حقيقية في انتخابات برلمانية تساعد في انتخاب نواب يستطيعون أن يعبروا عن حاجات شعبنا وقواه المختلفة وبما يعزز من منظومة العقد الاجتماعي الذي يحافظ على علاقة متوازنة ما بين الطبقات من جهة والحاكم والمحكوم من جهة أخرى.