الفنان التشكيلي الجالوس لـ نداء الوطن: الرسم يُهذب ويُعلّم الجمال, ومِن الجمال يكون الإنسان المنشود في مجتمعنا
الفنان التشكيلي محمد الجالوس ابن مدينة عمان في الأردن، وقرية قزازة قضاء الرملة في فلسطين، وعضو رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين، ورابطة الكتاب الأردنيين، والرابطة الدولية للفنون التشكيلية، هو ضيف هذا العدد من الملحق الثقافي لنداء الوطن.
درس الفن في معهد الفنون الجميلة في عمّان عام 1979، وفي عام 1982، حصل على بكالوريوس في إدارة الأعمال من الجامعة الأردنية. كتب في مجال النقد الفني والقصة القصيرة. ومدرس الرسم لطلاب الفنون والتصميم الجرافيكي في جامعة فيلادلفيا، هو ضيفنا لهذا العدد.
نداء الوطن: “أنا خُلقت لأرسم”، هذا التصريح الذي أطلقه محمد الجالوس، جاء على الرغم من دراستك تخصص إدارة الأعمال في الجامعة. هل الرسم بالنسبة للجالوس تحول إلى أسلوب حياة وليس مجرد موهبة؟
الفنان الجالوس: بدأت الرسم في سن مبكر جداً, في الثامنة من عمري انطلقت للرسم مدفوعاً بالتحدي وهذه كانت البداية. تحدي أن أكون متفوقاً في دراستي كما كنت في بقية المواد التعليمية، وفي الصف الرابع الابتدائي, رفعت اصبعي لمعلم اللغة العربية, موافقاً وقادراً على رسم وسيلة إيضاحية للمادة, هذا الأمر دفعني للرسم دون سابق معرفة, ومن هناك تعلقت بهذا الزائر الجديد والرسم وصولاً إلى آخر المرحلة الثانوية, عندما حسمت أمري لأكون رساماً, رغم دراستي الجامعية في مجال إدارة الأعمال, ففي نفس الفترة انتظمت طالباً في معهد الفنون في عمان ومنها بدأت.
خُلقت للرسم.. نعم قلت هذه الجملة في فيلم أعد عن تجربتي للمخرجة سوسن دروزة.
نداء الوطن: كيف ساهمت نشأتك في مخيم الوحدات في صقل شخصيتك الفنية وهويتك الوطنية؟
الفنان الجالوس: في المخيم لم تكن طفولتي كما أبناء جيلي, عادية, بل كانت قاسية، وهذه القسوة هي من صنعت لدي ولجيلي التحدي لنكون, فالإحساس بالمسؤولية عالي، والتعليم كان في قمة مستواه، لأن المعلم كان يعتبر نفسه مناضلاً لجيل النكبة, في المخيم اختبرت عيني سطوح الإسمنت الملون وخشونة الملمس, وهذا جزء مهم من تجربتي, وفي المخيم شاهدت ملابس الأمهات المزركشة بالأحمر والأخضر والأبيض والأسود, قبل أن أعرف لون العلم الفلسطيني.
ثم كانت تجربتي مع مدينة عمان وفي سن مبكرة, عندما كنت وأطفال الحارة نختبر السينما للمرة الأولى, وننتقل بالباص من المخيم إلى وسط البلد, أدهشتني جبال عمان ووديانها، وظلّت في مخيلتي حتى رسمتها في سن متأخرة. المخيم علّمني أن أكون أنا، وأن أقرأ كل ما وقعت عليه يدي.
ففي الثانية عشرة امتلكت أول مكتبة للكتب، وكان همّي أن يكون لي مكتبة, وقرأت منها الأدب المترجم وكتب الثورة والفكر، وتعلقت في سن مبكرة بالفكر الماركسي, أدهشني تحليله للواقع وعلم الاجتماع, ومنه تأسس لدي التفكير النقدي وتحليل الفقر والسياسة وعلم الجمال.
نداء الوطن: ما هو سر علاقة الفنان الجالوس بالألوان المائية؟
الفنان الجالوس: ليس هناك سر, الأمر المهم أنني شخصياً أعشق الألوان المائية وهي الأصعب في علم الرسم, وفي سنوات متتابعة أرسم المدن التي أحب, وهي مدن منتقاة فيها من المعمار ما شدني, ويدفعني دائماً لأرسمها للحفاظ عليها من الاندثار, ومن هنا كانت المدن (الفحيص والسلط وعمان والقدس ونابلس)، وهي مدن زرتها أو عشت بها.
الرسم المائي أنثى، ففيه الشفافية والجمال والولادة, فالألوان تتوالد على السطح من بعضها، وتؤسس علاقاتها وجوهرها الجمالي.
نداء الوطن: كيف تقيّم الرعاية الرسمية للمواهب والإبداعات الفنية بشكل عام، وفي تجربتك الشخصية بشكل خاص؟
الفنان الجالوس: التركيز على رسومات الأطفال وتشجيعها هو من يقودنا إلى مستقبل متفائل وصحي, والبداية تكون من السنوات الأولى للطفل كونها الأصدق, فالطفل على عكس الكبار يرسم ما يعرفه وما يحسه في الأشياء ولا يرسم ما يراه, هناك تقصير واضح في رعاية رسومات الطفل من وزارات التربية المتعاقبة، فحصص الرسم قليلة وتعتبر هامشية, والأصح أنها الأساس فالرسم يُهذب ويُعلّم الجمال, ومن الجمال يكون الإنسان المنشود في مجتمعنا, النظيف الملتزم بالقواعد وهذه من ميزات الشعوب الراقية. المواطنة تعلم في المدارس في كل دول العالم, لأنها السبيل لخلق إنسان سويّ محب لوطنه ومضحياً من أجله بالمال والحياة, الشهداء أكثرنا مواطنة وأكرمنا على الإطلاق.
نداء الوطن: ما هي انعكاسات القضية الفلسطينية على لوحات محمد الجالوس ابن مخيم الوحدات؟
الفنان الجالوس: كل ما رسمته عبر أربعين عاماً، هي انعكاس لما عشته سواء في المخيم، أو الاغتراب، أو الحياة اليومية. رسمت لعمان كما رسمت للقدس وكلاهما في قلبي.
نداء الوطن: في معرضك الأخير في عمان “مقامات جسد”، ماذا أراد الجالوس أن يقول؟ هل ما يزال الجسد قادر على الإفصاح فنياً عن مكنوناته؟
الفنان الجالوس: الجسد هو أنا وأنت والمحيط، وهو بحث تفصيلي في معنى يكتسب صفة العادية، لكنه الأهم, فالجسد الإنساني ينطوي على الجمال والتعب والمعنى.
تجربتي في مقامات جسد، أتت من اشتياقي لجسدي وبحثي في سر العلاقة بين أجسادنا ومحيطنا الخشن. مقامة الجمال والرهبة ودهشة الاكتشاف.