أخبار محلية

في مقابلة مع نداء الوطن أكد فيها أن التعديلات الدستورية كانت شكلية ولم نلحظ انعكاساتها على الأرض الخبير الدستوري الدكتور الحموري: الإصلاح ليس موضوع نصوص فقط، فهو إرادة ورغبة بأن نكون دولة قانون وليس دولة أشخاص

الدكتور محمد الحموري الخبير الدستوري والقانوني والوزير السابق، هو ضيفنا لهذا العدد، لنتحدث حول التعديلات الدستورية، والمحكمة الدستورية وقانون الانتخاب والأحزاب والهيئة المستقلة للانتخاب، إضافة إلى الحريات العامة.

 

تعديلات دستورية شكلية لم نلحظ انعكاساتها على الواقع
نداء الوطن: نبدأ حوارنا بملف التعديلات الدستورية، التعديلات الكبيرة على الدستور التي أقرها مجلس النواب في عام 2011، كانت أفضل من دستور 1952، ولكنها أقل من طموح الحراك الأردني، كيف تقرأها وهل حققت قفزة نوعية، أم أن الإشكالية بقيت في قدرتنا على تطبيق هذه التعديلات لتعكس حياة حزبية وبرلمانية وحرية بشكل حقيقي؟
الدكتور الحموري: التعديلات الدستورية التي أجريت عام 2011، كانت في معظمها ذات طابع شكلي، لم تحسّن شيء من حيث الواقع.
التعديل الدستوري الوحيد الذي حقق قفزة نوعية إيجابية كان المادة (128) فقرة (1)، والتي تنص على أنه “لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق، أو تمس أساسيتها.” فهذا النص من أفضل النصوص الموضوعة.
ومع ذلك، عند تطبيقه، صدر قانون مكافحة الإرهاب، الذي يتناقض بالكامل مع هذه المادة الدستورية. فوفقاً لهذا القانون، فإنك إذا أدليت بكتابات أو تصريحات من شأنها أن تعكر صفو العلاقات مع دولة صديقة أو أجنبية، تعتبر مرتكب جريمة إرهاب، وتحاكمك محكمة أمن الدولة بالأشغال الشاقة. ماذا تركت للنص الدستوري؟! بهذا أنت أفرغت النص الدستوري من محتواه.
الإصلاح ليس موضوع نصوص وفقط، الإصلاح موضوع إرادة ورغبة بأن نكون دولة قانون وليس دولة أشخاص. دولة قانون يسري على الحاكم والمحكوم على حد سواء، وليس دولة أشخاص أضع النص وأطبقه بالطريقة التي تلائمني وتلائم الحكومة وإلخ.
قانون الأحزاب في عهد “كلوب باشا” أكثر تطوراً من القانون الحالي
بالنسبة للأحزاب والحريات، أي دستور في العالم تجد فيه نوعين من النصوص؛ نوع متعلق بالحريات والناس، ونوع بالسلطات التي وظيفتها أن تحمي الحقوق والحريات وترعاها. التعديلات الدستورية التي تم إقرارها لم تمس الحقوق والحريات، كون نصوص الحقوق والحريات في دستورنا من أجمل النصوص. ولكن تلاحظ في التطبيق أين قيمتها، مثال: بالدستور قبل التعديلات الأخيرة وبعدها: “للأردنيين حق إنشاء الأحزاب السياسية”، فأنت تستمد حقك من الدستور، بينما ينظم القانون طريقة تأليف الأحزاب السياسية ومراقبة مواردها (المادة 16).
ولكن ما هو شرط تشكيل الحزب؟ يقول الدستور “للأردنيين حق تشكيل الأحزاب على أن تكون غاياتها مشروعة ووسائلها سلمية وذات نظم لا تخالف الدستور.” فقط، ولكن كيف يطبق؟ وضعوا لنا نصوص في القوانين المتعاقبة على الأحزاب، معظمها نصوص عقابية، قانون عقوبات وليس قانون أحزاب، هذا أولاً، وثانياً، الحق بإنشاء الحزب أفرغته من محتواه، عندما قيّدته بعدد العضوية ومن المحافظات وعضوية المرأة .. إلخ، هذا اختراع للقيود. في الخسمينات كان يوجد قانون انتخاب وقانون أحزاب وضعهم كلوب باشا. أنا أطالب بقانون أحزاب وقانون انتخاب الذي وضعهم كلوب باشا لأنهم أفضل بكثير من الذي وضعناه نحن.
في الدول المتقدمة، الحكومات تتشكل بناء على الانتخابات النيابية من أحزاب سياسية، حزب أغلبية وفق برنامجه الانتخابي أو ائتلاف أغلبية. في هذه الدول أنت كناخب لا تختار أسماء، بل تختار الحزب بمعنى تختار البرنامج، والمعارضة في الدول المتقدمة دقيقة في المراقبة. في بريطانيا مثلاً تدفع الدولة للمعارضة دخلاً سنوياً، بحيث يمكّنها من أداء دورها كمعارضة.

قانون الانتخاب: الإصلاح الحقيقي يجب أن يكون هدفه الوصول إلى الأغلبية الحزبية
نداء الوطن: قرأت لك كثيراً فيما يتعلق بقانون الانتخاب ولديك ملاحظات جوهرية على دستورية القائمة النسبية إضافة إلى الكوتات. ما هو جوهر هذه الملاحظات؟
الدكتور الحموري: يقول النص الدستوري: “الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين”. فكيف سأعمل كوتا أمام هذا النص؟ إذا كنت تريد أن تعمل كوتا عليك تعديل الدستور، لكن لا تأتي تحت ستار النص وتعطيه تفسيرات غائية.
ومبررهم أن هذا تمييز إيجابي، من أين أحضروا هذا المبرر؟ من أين أتيتم بمصطلح “التمييز الإيجابي”؟ إذا أردت أن تعمل تمييز إيجابي، عليك تعديل الدستور.
نأتي لقانون الانتخاب، عندما تريد إصلاح وطن، لا يمكن تصلح حال وطن، إلا إذا وصلت إلى مجلس نيابي يوجد فيه أغلبية حزبية، ومن هنا قانون الانتخاب وقانون الأحزاب هما الأساس.
الصوت الواحد أدى إلى تمزيق لُحمة المجتمع، حتى العشيرة من داخلها تمزقت. وعند الإصلاح وضعوا لنا القائمة النسبية المفتوحة، من أين أتوا بهذا؟ في العالم 65 دولة تأخذ نظام القائمة النسبية. القائمة النسبية نوعان وكلها قوائم حزبية، النوع الأول، القائمة المغلقة حيث يقوم الناخب باختيار حزب وبرنامج وليس أشخاص. النوع الثاني، القائمة المفتوحة، حزب ينزل قائمته من عشرة، لا أختارها ولكن أختار الذي أريده.
عيوب وثغرات في قانون الانتخاب
نلاحظ وجود خلل في قانون الانتخاب، مثال: هذه القائمة من عشرة إذا وضعت رئيس وزراء سابق، أضعه أول واحد لأنه يجذب الأصوات، فتأتي للقائمة 50 ألف صوت،ثم تحسب الأصوات للقائمة، فتجد بعد العد له أربعين ألف صوت، ثم نفترض بأن له جنسية أخرى، فتسقط نيابته، فتذهب الأربعين ألف صوت. فالمحكمة في الدستور تقول “يصح لك أن تطعن في الانتخابات وإذا أبطلت نيابة نائب، عليها أن تحدد النائب الفائز” هذا النص الدستوري عليها أن تحدد إسم النائب الفائز عند إلغاء نائب آخر، فهل سيتم إعطاء المقعد لمن يليه في القائمة أم من يليه في الدائرة الانتخابية ككل؟! القانون لم يقم بحلّها، ولم تضع الحكومة حلولاً لها، فالمحافظة على الدستور لا تهمهم، ولم يضعوا حولها نص قانوني.
وهناك مثال آخر يتعلق بالترشح الفردي: أنت مواطن أردني لم تجد قائمة تدخل فيها، القانون اشترط أن تكون القائمة بحد أدنى ثلاثة مرشحين، فممنوع الترشح فردي، ولكن وضعوا في النص، أنه في حال انسحاب اثنين تبقى لوحدك ويبقى الانتخاب قائم، وهذا يعطي ثغرة للتحايل على النص، فيضع المرشح شخصين في قائمته ثم ينسحبان بعد قبول الترشح!!
الخلاصة، من قراءتي للقانون في ضوء النظم الانتخابية التي أعرفها في العالم، أشعر بأن الحكومة تبحث عن الطرق التي لا توصل لمجلس النواب كفاءات تستطيع تشكيل حكومات.

الهيئة المستقلة للانتخابات والإشراف القضائي
نداء الوطن: نأتي على الهيئة المستقلة للانتخاب، من أين الاستقلالية لهذه الهيئة في ظل أن الأدوات التي تعمل بها هي أدوات حكومية؟
الدكتور الحموري: الهيئة مكونة من خمسة وعندهم موظفين إداريين بحدود 7 ووظيفتها إجراء انتخابات وضمان نزاهتها، كيف هذا؟ تعتمد في النص الموجود على نفس الموظفين الذين كانوا يزوّروا، على مدى سنين بعد 89 نفس الجهة وزارة الداخلية هي التي تنفذ، والذين تخصصوا بالتزوير لا يزالون موجودين.
كي أعالج هذه المشكلة اقترحت في ميثاق النزاهة الوطنية، أن تتشكل الهيئة المستقلة للانتخابات من عدد من القضاة تشكل جناح مستقل في السلطة القضائية، وأن يشرف على كافة الصناديق قضاة الأردن. تم تثبيت النص في ميثاق النزاهة ولكن عند التطبيق عمّ الصمت.
كما تقدمت باقتراح أن يكون القضاة غير قابلين للعزل مثل بقية العالم. وقد تم تثبيتها في ميثاق النزاهة الذي أقر في عام 2013. وتم ترجمة ميثاق النزاهة إلى اللغة الإنجليزية وعرضوه للعالم، ولكن لغاية الآن لم يتم تطبيقه.
نداء الوطن: أنت من الفقهاء الدستوريين الذين اعتبروا أن القائمة الوطنية مخالفة للدستور، على الرغممن أنها تسهم بشكل كبير في تعزيز الحياة الحزبية التي تطالب بها. هل لنا أن نفهم الفكرة من هكذا طرح؟
الدكتور الحموري: القائمة الوطنية التي كانت تضم 27 شخص تؤشر على الــ 27 كلهم، منهم الحرامي ومنهم الشريف.
نداء الوطن: ولو أنها حزبية واقتصرت على الأحزاب؟
الدكتور الحموري: إذا تم ذلك، يجب أن يتم تعديل الدستور أولاً ليتوافق النص القانوني مع الدستور.
المشكلة عندنا، صدر الدستور سنة 1952، اعتباراً من 1954 بدأوا بوضع التعديلات المتعلقة بالسلطة والتي تزيد من قوتها على الناس، حتى وصلت 28 تعديل دستوري لغاية سنة 1984، أعطوا للحكومات صلاحيات إلهية.

الرسوم .. ضريبة غير دستورية
نداء الوطن: الضرائب التي تضعها الحكومة على المواطنين تحت مسمى رسوم الأراضي وغيرها؟ ما هي دستوريتها؟
الدكتور الحموري: النص يقول: لا تفرض ضريبة أو رسم إلا بقانون ولا يدخل في بابهما أنواع الأجور التي تتقاضاها الخزينة مقابل ما تقوم به دوائر الحكومة من خدمة (المادة رقم 111)،كل أنواع الرسوم، رسوم تمليك الشقق والأراضي وغيرها، لم توضع بقانون، ما يعني عدم دستوريتها.
قوانين تقيد الحريات ومحكمة دستورية لا تناسب الأردن
نداء الوطن: فيما يتعلق بسلسلة قوانين المطبوعات والنشر والجرائم الإلكترونية ومنع الإرهاب.. هذه القوانين عملت خلط بين حرية الرأي والإرهاب. هل هذه القوانين مخالفة للدستور أم هي أداة حكومية لتقييد الحريات وضبط إيقاع التوجه العام ليتناغم مع السياسات الحكومية؟
الدكتور الحموري: الدستور ينص على: “لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر لتنظيم الحقوق والحريات على جوهرها أو تمس أساسياتها”.
إذا كتبت مقالة أو أبديت رأي بدولة ثانية، معناه أنك مرتكب جريمة الإرهاب.
في أمريكا أصدرت دستورها عام 1787، وبدأ تطبيقه 1789، رئيس الجمهورية جورج واشنطن عنده وزراء وأول مرة تقام دولة لهم، أصبح الكل يريد أن يمارس صلاحيات، فانتبه الكونغرس، فأصدروا التعديل الأول على الدستور سنة 1791 لا يجوز إصدار قوانين من شأنها أن تقيد الحرية أو تمنع حق الاجتماع السلمي… إلخ. من ذلك الوقت يطبق لليوم.
نداء الوطن: لماذا كنت من الرافضين للمحكمة الدستورية؟
الدكتور الحموري: أنا ناديت بعدم إنشائها لأن البلد غير مؤهلة سياسياً.
نحن لسنا مؤهلين للمحكمة الدستورية بمعنى أن الحكومات والأجهزة متوحشة ومتغولة بامتداداتها على كل ما عداها، ويجب مراعاة الظرف والحالة، وهذا ليس نتيجة سوء الأردنيين، بل نتيجة عدم قدرة الناس على وقف الحكومات وأحهزتها عند حدودها.
وعندما ندخل على اختصاصات المحكمة الدستورية نجد أنها مؤذية، أنت حصرت حق رفع الدعوة مباشرة لمجلس النواب والأعيان والحكومة. الحكومة تصدر النظام والقانون بخمسة دقائق وبخمسة دقائق تعدله. فلماذا تطعن بقانون أو نظام هي من وضعته وهي القادرة على تعديله؟!!

من هو الدكتور محمد الحموري: 

_ مواليد قرية بيت راس في شمال إربد 1940.
_ درس في مدارس إربد وأكمل دراسته الجامعية البكالوريوس والماجستير في جامعة القاهرة.
_ درس في جامعة كامبريدج الدبلوما والدراسات العليا والدكتوراه. 
_ عاد للأردن في منتصف السبيعنات للتدريس في قسم العلوم السياسية في الجامعة الأردنية، ثم أصبح عميد كلية الحقوق التي ساهم بإنشائها.
_ يرى أنه كأستاذ لا تضيف المناصب الوزارية له شيئاً، رغم استلامه أكثر من حقيبة وزارية، حيث استلم حقيبة وزارة الثقافة والتراث القومي في 1988، ثم وزيراً للتعليم العالي في 1991.
_ حالياً متفرغ لعمله في المحاماة في الداخل والخارج، وشارك في العديد من المؤتمرات الدولية.
_ عضو مجلس المنظمة العربية لمكافحة الفساد الذي أسسه رئيس وزراء لبنان الأسبق سليم الحص ومقرها بيروت.
_ عضو مجلس أمناء جامعة هارفرد.

.

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى