شعارات حكومية “خادعة” تقابلها قوانين تضرب التجربة الحزبية تطوير العمل الحزبي وأوهام الإصلاح السياسي
أعاد مشروع نظام المساهمة في تمويل الأحزاب السياسية الذي توشك الحكومة على إقراره، ملف تطوير الحياة الحزبية إلى الواجهة. وعلى الرغم من التصريحات الرسمية الحكومية –خارجياً- التي تتغنى بتطوير العمل الحزبي في الأردن، إلا أنها على الصعيد الداخلي، لم تأل جهداً في محاولة ضرب التجربة الحزبية، تارة من خلال مشاريع قوانين الأحزاب، وأخرى من خلال تقييد العمل الحزبي وملاحقة الناشطين الحزبيين، وقانون الانتخاب الذي ألغى القائمة الوطنية.
نظام المساهمة المالية: لا جديد
ولا يخرج مشروع نظام المساهمة المالية لدعم الأحزاب عن النهج الحكومي في التعاطي مع العمل الحزبي. ويرى الرفيق نشأت أحمد أمين عام حزب الحركة القومية أن مشروع النظام المالي المطروح حالياً لا يلبي استنهاض العمل الحزبي أو أي تنمية حقيقية في الحياة الحزبية، فهو أولاً صدر بنظام وليس بقانون، وهذا يجعله عرضة باستمرار للتغيير من الحكومة وحسب مزاجها ليشكل أحياناً حالة ضغط على الأحزاب برؤى الحكومة الضيقة على الأحزاب. ومن ناحية أخرى، فإن قيمة المساهمة المالية لأحزاب تنتشر في كل مساحات الوطن فهي تعتبر شكلية إذا أخذنا بعين الاعتبار المقرات، الحملات الانتخابية، الصحف والمواقف الإلكترونية، والأنشطة الحزبية، التي تشكل عامل استقطاب للأحزاب.
ويتفق الرفيق عماد المالحي مع ما طرحه نشأت أحمدمعتبراً أن الحكومة تتعاطى مع الأحزاب من على قاعدة الشبهة، وهذا ما جعل الحكومة والبرلمان يضعان موضوع التمويل بنظام وليس بقانون، وبالتالي تستطيع هذه الحكومات عبر ما يقول الوزير خالد الكلالدة أن يحدد آلية التمويل مع العلم أن في كل ديمقراطيات العالم، حق الأحزاب بالتمويل، كون الحزب هو جزء من الدولة ويمثل مصالح طبقية لشرائح اجتماعية، وبالتالي الحزب السياسي الذي لا يسعى للوصول إلى السلطة، هو ليس أكثر من جمعية خيرية. وواضح أنه من خلال البروباغندا التي تقودها الحكومة ممثلة بوزير التنمية السياسية، حول موضوع التجييش المجتمعي ضد الأحزاب من خلال عددها أو التمويل، هو يعطي مصداقية لما قلناه سابقاً بأن هناك ذهنية عدائية ولا إرادة سياسية لتطوير الحياة السياسية في البلاد. وأن قوى الشد العكسي ليس لها مصلحة بالمطلق أن يكون هناك قوى جذرية في المجتمع.
قانون الانتخاب
ويعتبر قانون الانتخاب حجر الرحى في عملية تطوير التجربة الحزبية، إلا أن الحكومة تجاهلت توصيات ومقترحات رفعتها الأحزاب لزيادة عدد مقاعد القائمة الوطنية، بل إن هذه الحكومة قامت بإلغاء القائمة الوطنية بالكامل من مشروع قانون الانتخاب الذي تم إقراره مؤخراً في مجلس الأمة.
ويرى الرفيق نشأت أحمد أمين عام حزب الحركة القومية في اتصال أجرته نداء الوطن أن قانون الانتخاب الذي تم إقراره يشكل حالة تضييق فعلي على الأحزاب للدخول بشكل برامجي بالمشاركة بقوائم وطنية نسبية. ويلفت أحمد إلى أن الحكومة وبرلمان الصوت الواحد، الذي أقر القانون، يسعى إلى وجود أحزاب ديكور وشكلي غير مؤثرة، وأن إقرار قوانين ناظمة للعمل السياسي أتى في نفس السياق في ظل تراجع الحريات والردة عن عمليات الإصلاح، وهذا يشكل عامل إعاقة في تطوير الحياة السياسية في البلاد.
ويحذّر الرفيق عماد المالحي في حديثه لـ نداء الوطن من التراجع المنهجي في العملية السياسية وأن السلطة في ذهنيتها الأمنية لا تقبل موضوع التعددية السياسية ولا تريد أحزاب قوية وفاعلة تعمل على التداول السلمي للسلطة، مع أن الديمقراطية في جوهرها هي التعددية، ولا ديمقراطية بدون تعددية.
ويعرّج الرفيق المالحي على قوانين الأحزاب، مشيراً إلى حالة من التراجع المنهجي، ففي عام 1954 كان لدينا قانون أحزاب أفرز حكومات وطنية، وكان العدد المطلوب لتأسيس الحزب 10 أشخاص، وفي عام 1955 ارتفع العدد إلى 25 شخص، أما عام 1991 أي ما بعد عودة الحياة السياسية للأحزاب، تم إخراج قانون بأن يكون عدد مؤسسي الحزب 50 عضو. لكن الكارثة الحقيقية كانت في عام 2007، عبر إصدار قانون انتخاب تشوبه شبهة دستورية تحديداً في موضوع أن يكون مؤسسي الحزب من خمس محافظات، مع أن المادة (6) من الدستور، تقول: الأردنيون سواء أمام القانون.
ويؤكد المالحي على أنه ليس هناك إرادة سياسية لتطوير الحياة السياسية في البلاد، حيث تم إلغاء الأحكام العرفية في بلادنا عام 1991 لكن تم تفجير هذه الأحكام العرفية بقوانين عرفية مقوننة، كما أن البرلمان الذي يشرّع العمل الحزبي في أغلبيته المطلقة، لم يكن عدد كبير من أعضائه، أعضاء حزبيين أو حتى أعضاء جمعية خيرية، ولنقرأ المشهد، كيف لشخص معادي للعمل الحزبي يشرّع قوانين أحزاب، وبالتالي هناك ضرب ممنهج لفكرة العمل المنظم.
ونوّه الرفيق المالحي إلى الملاحقات الأمنية التي يتعرض لها الحزبيون، لافتاً إلى أن العضوية الحزبية “ما زالت تُساءل وتُستدعى حول انتمائها السياسي، كيف يمكن لقوى سياسية أن تتطور إذا يحجب عنها العمل في الجامعات وهي المخزن الحقيقي لإفراز قيادات سياسية واجتماعية في المجتمع.”
يبدو أن الحكومة لا تزال تتعاطى مع الأحزاب بمبدأ “شر لا بد منه”. فمن جهة هي تريد وجود حياة حزبية في الأردن للتسويق الخارجي، ومن جهة أخرى لا تريد لهذه التجربة أن تأخذ حجمها الطبيعي لأنها تتناقض مع مصالح التحالف الطبقي الحاكم. وبيقى التعويل على قدرة الأحزاب ذاتياً على النضال من أجل استعادة حقها بلعب الدور الرئيسي في الحياة السياسية الأردنية.