في ندوة أقامها “الوحدة الشعبية”، المتحدثون يؤكدون على أهمية الانتفاضة في إعادة بوصلة الصراع إلى وجهته الحقيقية نحو الكيان الصهيوني
الزرو: ما يجري في البلدان العربية يخدم الأجندة الصهيونية التي تدعو إلى تفكيك الدول والمجتمعات والجيوش العربية
البشير:التحالف الامبريالي الصهيوني الرجعي نجح في إغراق الوطن العربي بشلالات من الدماء، مستخدماً التيارات الظلامية الإرهابية
ذياب: بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية يُصنع في ميدان المواجهة مع المحتل وليس في العواصم العربية.
أقامت دائرة الإعلام في حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني الندوة الشهرية لها تحت عنوان “الانتفاضة الفلسطينية وآفاق استمراريتها”. وتحدث في الندوة التي قدم لها الرفيق وسام الخطيب كل من الأستاذ نواف الزرو الباحث المختص في الشؤون “الإسرائيلية”، والأستاذ محمد البشير رئيس معية مدققي الحسابات الأردنية الأسبق والدكتور سعدي ذياب أمين عام حزب الوحدة الشعبية.
وفي حديثه حول الرؤية الصهيونية للانتفاضة، أكد الأستاذ نواف الزرو الباحث والمختص في الشؤون الفلسطينية أن صراعنا مع الكيان الصهيوني هو صراع وجود وصراع جذري وإستراتيجي وبالتالي هذا الصراع يفرز في سياق الزمن الكثير من المواجهات والهبات والانتفاضات وهذه الانتفاضة الفلسطينية هي الثالثة في الحسابات الفلسطينية من حيث حجمها والمشاركة فيها والتضحيات التي قدمت فيها فالانتفاضة الأولى كانت 1987 إلى 1993 وكانت أهم انتفاضة في تاريخ القضية الفلسطينية بعد ثورة 36 ثم انتفاضة الأقصى 2000 وكانت معسكرة وخاضت الفصائل الفلسطينية الكفاح المسلح مع جيش ومستعمري الاحتلال.
وشرح الأستاذ الزرو التداعيات السيكولوجية على المجتمع الإسرائيلي، مشيراً إلى أنها مستمرة وكانت في ذروتها في الشهرين الأولين للانتفاضة ولكن مع تراجع العمليات الفلسطينية في الداخل الفلسطيني المحتل 48 بدأت الأحوال الأمنية تعود لتستتب تدريجياً، ولكن هناك حالات مد وجزر، فحين يكون هناك نهوض وتصعيد فلسطيني في المواجهات والعمليات، تزداد حالات القلق والخلل في الأمن الداخلي للعدو، وكما قال الراحل بهجت أبو غربية: يجب أن يقوم الشعب الفلسطيني بعمليات استنزاف للاحتلال يومياً، حتى لا يشعر بالراحة.
ونوه الزرو إلى أن سياسات الاحتلال تعمل دائماً على تفكيك عوامل التفجير في المجتمع الفلسطيني والمجتمعات العربية المحيطة، كي يرتاح الكيان لأطول فترة ممكنة من الزمن دون هبّات وانتفاضات وخسائر. فالأولى بنا وعلى عكس خطتهم، يجب أن نعمل على إشعال الجبهات ضد الاحتلال.
وأشار الأستاذ نواف الزرو إلى أن الجبهات العربية صامتة، فالذي يجري في كل البلدان العربية هو “في خدمة الأجندة الصهيونية التي كانت تدعو إلى تفكيك الدول والمجتمعات والجيوش العربية المرشحة لتهديد الوجود الصهيوني وهي مصر والعراق وسورية، ولكن مع الأسف ما يجري الآن هو بأدوات عربية متواطئة.”
ولفت الزرو إلى أن الاستخبارات العسكرية الصهيونية طرحت سيناريو لثلاثة تهديدات للكيان الصهيوني، التهديد الأول هو النزول الشعبي للشارع، وهذا ما تخشاه دولة الاحتلال بشدة. التهديد الثاني أن تنخرط الفصائل الفلسطينية المسلحة في هذه الانتفاضة، تعيد للذاكرة ما جرى في انتفاضة الأقصى. التهديد الثالث وهو في غاية الأهمية، وهو التنسيق الأمني مع السلطة، فوقف التنسيق الأمني يعني أن ينضم آلاف الفلسطينيين من الأجهزة الأمنية إلى الانتفاضة والمواجهات.
ولفت الزرو إلى أن وزير التربية والتعليم الصهيوني طرح خطة للقضاء على الانتفاضة من ثلاثة محاور:
1_ منع التحريض الفلسطيني من خلال إغلاق الإذاعات والتلفزيونات وكافة أدوات الاتصال الجماهيري بين الفلسطينيين، فأخطر دولة على إسرائيل هي دولة الفيسبوك.
2_ تغيير معادلة الردع، بمعنى أن الشباب الفلسطينيين الذين يذهبون لتنفيذ عملياتهم ويعلمون أنهم مستشهدون، فيجب على إسرائيل أن تردع هؤلاء الشباب مثل دفن هؤلاء الشهداء في مقابر مجهولة ولا يكشف عنها نهائياً، حتى يردع الشباب نفسياً، وهدم منازل أهل الشهداء.
3_ عناصر الدفاع، بمعنى أن يقوم الجيش والمستعربون الصهاينة بعمليات ردع مسبقة بأن لا يسمحوا لأي فلسطيني بالمبادرة، بمعنى أن يقوم الجيش بقتل الشباب والفتيات قبل قيامهم بعمليات الطعن.
وختم الأستاذ الزرو حديثه بالتأكيد على أن مشهد الصراع الوجودي مع العدو والانتفاضات، إذا مر على الشعب الفلسطيني حالات من المد يعقبها حالات من الجزر، ولكن حالات المد هي التي تدوم. فطالما بقي الاحتلال، يبقى الصراع قائماً.
وفي مداخلته التي قدمها حول أساليب وآليات الدعم الشعبي الأردني والعربي للانتفاضة، أشار الأستاذ محمد البشير/ رئيس جمعية مدققي الحسابات الأسبق إلى أن أمتنا العربية واجهت صراعاً مريراً مع أعدائها الداخليين والخارجيين على حدٍ سواء الذين تحالفوا ضدها في حلف غير مقدس إذ بعد أن رحلت عساكر الغرب من أرضنا، فقد ترك الغرب في بلداننا أنظمة قطرية شكلت مع النفط المكتشف في بداية القرن الماضي معولين هامين عملا على تهديم بنيان الأمة.
ولفت إلى أنه ضمن السياق أعلاه جاء استهداف مصر عبدالناصر ومن ثم العراق وبعدها سوريا كمشاريع صمدت في خندق المقاومة ضد الاعتداءات الغربية والصهيونية وسخّرت إمكانياتها لوقف حالة التدهور التي تعيشها الأمة على أكثر من صعيد تسهيلاً لسيطرة الكيان الصهيوني على مقدرات امتنا بشكل عام وبإيجاد أنظمة موغلة بالتجزأه ومتصالحة مع الصهاينة على وجه الخصوص.
وأكد البشير على أن شعبنا في فلسطين كبش فداء لهذه الأمة الذي كان وما يزال في مواجه مباشرة ومستمرة مع العدو الصهيوني وحلفاءه، طور من أدوات مواجهته وتأثر بعمقه العربي ايجابياً وسلبياً والذي ما زال يحقق انتصارات على أكثر من صعيد.
ولفت الأستاذ البشير إلى أن التحالف الامبريالي الصهيوني الرجعي نجح في إغراق الوطن العربي بشلالات من الدماء، مستخدماً التيارات الظلامية الإرهابية، لتأجيج الصراعات المذهبية الطائفية تهديداً للرابطة القومية وتفتيتاً للنسيج الوطني والاجتماعي العربي وتوجيه بوصله الصراع إلى صراع طائفي وإقليمي مما أنتج مناخا سياسيا مناسبا لتشديد الهجمة الصهيونية على الشعب العربي الفلسطيني،.
وطرح البشير جملة من المقترحات لدعم الانتفاضة تالياً أهمها:
1_ توجيه بوصلة الصراع في المنطقة ضد أمريكا والكيان الصهيوني وحلفائهما، وتعبئة الطاقات الشعبية ضد العدو الصهيوني باعتباره خطرا حقيقيا على الأمة العربية، مع التأكيد على أن معركة الشعب الفلسطيني هي معركتنا جميعاً.
2_ التصدي لسياسات التطبيع مع العدو الصهيوني، ومقاطعة منتجاته ، سواء باستيرادها أو إعادة تصديرها، ومقاطعة المؤسسات التي تتعامل معه.
3_ إقامة النشاطات السياسية والإعلامية دعماً لصمود ومقاومة الشعب الفلسطيني، وفضح سياسات العدو العنصرية والجهات الداعمة له، بتنظيم المسيرات والمهرجانات والندوات والاحتجاجات الشعبية.
4_ السعي لتقديم الدعم المادي المباشر لأسر الشهداء والجرحى والأسرى، ومساعدتها بإعادة منازلها المهدمة من قبل العدو الصهيوني.
5_ التواصل مع القوى الشعبية في الوطن العربي لتشكيل لجان شعبية مماثلة، للقيام بواجبها تجاه الشعب العربي الفلسطيني، وتفعيل الحوار لبلورة إطار شعبي عربي جامع لدعم نضاله.
6_ التعاون مع المؤسسات الشعبية الأردنية والعربية والدولية لدعم نضال الشعب العربي الفلسطيني من اجل تحقيق أهدافه في استعادة حقوقه وفي مقدمتها كنس الاحتلال الصهيوني من الأراضي المحتلة، وعودة اللاجئين لوطنهم فلسطين.
وقدم الدكتور سعيد ذياب أمين عام حزب الوحدة الشعبية مداخلة تالياً نصها:
هي قدمت إجابات رداً على الرؤية الصهيونية لانطلاقتها وكيفية التعامل معها، فحاول الإسرائيليين أن يقولوا بأن هذا عملاً فردياً وسموه بــ “الذئب المنفرد” وهو مفهوم برز في الولايات المتحدة (بالتعامل مع مجموعات داعش) وذلك لتصوير أنها حالات فردية منقطعة قادرين على احتوائها. والمسألة الثانية، اعتقدوا ومن خلال رفع نسبة تصاريح العمل للفلسطينيين، أن الجانب الاقتصادي يمكن أن يحتوي هذه الانتفاضة، بمعنى أن يعيدوا مفهوم السلام الاقتصادي.
ولكن لو دققنا في المسألتين، نرى بأن الانتفاضة تكفلت بنسف هذه الأطروحات الصهيونية:
أولاً: الأعمار للشباب، فمعظم الشباب الذين ينفذوا العمليات لم يدخلوا سوق العمل.
ثانياً: الحديث عن عدم مشاركة الجماهير بالنزول إلى الشارع، هذه المقولة تبددت من خلال الزخم الشعبي في تشييع الشهداء، وبالإضافة لذلك نرى في استطلاع أجري في رام الله بوضوح من خلال نتائج الاستطلاع، أن 68% من الفلسطينيين يؤيدون التخلي عن أوسلو، و67% يؤيدون استخدام السكاكين، و64% يؤيدون وقف التنسيق الأمني.
هذا يدلل أن هناك بيئة شعبية تحتضن وتدفع باتجاه الانتفاضة، وبالتالي تصوير الانتفاضة بأنها منقطعة عن جمهورها، هذا غير صحيح، ويفتقر للدقة.
وأيضاً جاءت الانتفاضة في انطلاقتها لتنسف فكرة شعار الدولتين، وباعتقادي أن فكرة الدولتين هي خطأ بالمعنى النظري في قراءتنا للحركة الصهيونية، ونظرتنا لأنفسنا، أول وهم عاشته الساحة الفلسطينية بأنه صار هناك اعتقاد بإمكانية التفاوض مع إسرائيل على حدود 67، وهذا الذي شجع الطرف الفلسطيني أن يتدرج في رؤيته للحل من النقاط العشرة في عام 74 وصولاً إلى القبول بمسألة الدولتين جنباً إلى جنب.
هذا الرهان بالتعايش وأن إسرائيل ممكن أن تنسحب، قاد إلى تغيير نظرتنا لأنفسنا وللكيان الصهيوني. فعندما دخلنا في مرحلة أوسلو عام 1993، تحول مفهومنا لأنفسنا بأننا لم نعد حركة تحرر وطني فلسطيني، وتغير مفهوم الصراع والعلاقة بيننا وبين العدو الصهيوني، من حالة صراعية إلى حالة تقوم على أساس التفاهمات والحوار، وهذا يتطلب نوع من التدرج في تغيير المشروع الوطني الفلسطيني. إن علينا أن ندرك أن أساس المواجهة هو الصراع مع الحركة الصهيونية كحركة استعمارية استيطانية وعنصرية، وبالتالي يكون شكل العلاقة شكل صراعي لا يمكن التعامل والتفاهم معها إلا بالمواجهة، وما تم إشاعته من حالة التفاهم والحوار، كان خطيئة كبرى جاءت هذه الانتفاضة لتصوب المفاهيم وتعيدنا إلى مربع حركة التحرر.
كل الناس كانوا محكومين لسقف السلطة، سواء القابل والرافض لأوسلو، جاءت الانتفاضة لتعيد النظر في مفهوم الصراع الذي نجحت القوى المستسلمة بفرضه على الساحة الفلسطينية وتعيد تسليط الضوء على حجم التراجع ونظرتنا لأنفسنا كحركة تحرر وطني. لقد وضعتنا الانتفاضة أمام مرحلة جديدة تمثلت بوضع حد لنهج التفاوض والتفاهم مع العدو الصهيوني لصالح نهج جديد ورؤية جديدة للمشروع الوطني الفلسطيني وبرؤية أكثر وضوحاً تتجاوز ما هو قائم الآن.
هذه الانتفاضة جاءت لتفعل فعلها أيضاً في الجزء المحتل من عام 1948، في تغيير المفاهيم وتصويبها، فكانت هناك مقولة فكرة (دولة لكل مواطنيها) أو (فكرة المساواة)، وهذه الفكرة نظرياً خطأ، لا يمكن لدولة تحتكم لفكر الحركة الصهيونية أن تكون ديمقراطية، وبالتالي إما أن تتخلى إسرائيل عن صهيونيتها، وهذا غير وارد، أو أن المقولة خاطئة. الانتفاضة دفعت أهلنا في 48 إلى تلمّس أن الرهان على هذه الأفكار ما هو إلا وهم، والصراع يجب أن يتجه نحو مواجهة الصهيونية، وما يدلل على التوجه الجديد لأهلنا في الجزء المحتل من عام 48، هو انخراط الشعب الفلسطيني في الانتفاضة الأخيرة والتصادم المباشر مع العدو الصهيوني.
إن المقولة التي استندنا بالنظر إليها في الحركة السياسية بإمكانية الوصول إلى حل وسط بيننا وبين العدو الصهيوني، تثبت الوقائع منذ ربع قرن، عدم إمكانيتها، وقبول الحزب الشيوعي لفكرة قرار التقسيم التي استندت إلى ذات المقولة الخاطئة، بأن الصهيونية ليست حركة استعمارية بل حركة قومية، ونحن حركة قومية وبإمكاننا اقتسام الأرض.
يجب تكسير هذه المقولة، ويجب شق الطريق نحو التوافق على أننا حركة تحرر وطني نواجه مشروع صهيوني استعماري وعنصري، لا يمكن التعايش معه مطلقاً، لأن بُنية العدو الفكرية تقوم على تبرير حقه في الإجرام والعنف وإلغاء الآخر، ومن يقرأ كل تاريخ حركات الاستيطان والاستعمار، يكتشف أن الحركة الصهيونية أكثر سوءاً من حركات الاستعمار الأخرى.
جاءت الانتفاضة لتكشف مسألتين:
المسألة الأولى: بأن السلطة عاجزة عن الاستمرار في مشروع التفاوض، وعاجزة عن تقديم البديل، ومن هنا نرى عملية المراوحة التي تعيشها السلطة، ولعل اعتقال نائب في المجلس التشريعي وحبسها بسبب حديثها عن فساد عباس وأولاده، والتورط بحوادث الاغتيال مثل ما جرى للرفيق الشهيد عمر النايف، هذا يدلل على عمق الأزمة التي يعيشها النظام السياسي الفلسطيني.
المسألة الثانية: أن الانتفاضة جاءت لتكشف طرفي الانقسام بأنهم لا يريدون وحدة الشعب الفلسطيني وعدم جديتهم بإنهاء الانقسام، ولو كانوا صادقين، فإن بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية يُصنع في ميدان المواجهة مع المحتل وليس في العواصم العربية.
ويجب قراءة بأن الانتفاضة ليست معزولة عن السياق التاريخي، أنا أنظر بأنه بعد توقيع اتفاقية أوسلو 1993، بدأت تبرز لجان في الشارع الفلسطيني، من مثل لجان مجابهة التطبيع، لجان مجابهة جدار الفصل العنصري، لجان حق العودة، جوهر هذه اللجان، هو تجاوز لسقف أوسلو، ففي أوسلو تم إعطاء الشرعية للكيان الصهيوني، وهؤلاء الناس الذين ينشؤون هذه اللجان، يرفضون هذه الشرعية للكيان الصهيوني.
أهم المؤشرات التي أفرزتها الانتفاضة:
_ إمكانية الاعتماد على الذات والمقاومة حتى وإن كانت ظروف المحيط غير ملائمة والتقاط زمام المبادرة.
_ أهمية الصمود في الأرض.
_ الحث الدؤوب على المقاطعة بما في ذلك رفض القبول لشرعية العدو، ورفض أي شكل من أشكال الشرعية.
_ قد تكون الانتفاضة طرحت علامات عما آل إليه المشروع الفلسطيني، ولكنها حتى هذه اللحظة، لم تقدم مشروعاً، ولكنها فتحت الباب واسعاً أمام مراجعة التجربة السابقة والبحث عن الطريق المؤدي للمستقبل.
<
p style=”text-align: justify;”>