اللعب مع الكبار.. والحل في سورية/ بقلم: ماجد توبة
تبدو قوة الدفع، التي أطلقها التوافق الروسي الأميركي، وإقرار هدنة وقف الأعمال العدائية في سورية، مبشرة باتجاه فتح طاقة أمل لانطلاق عملية سياسية تصل إلى حلول للأزمة المشتعلة منذ أكثر من خمس سنوات.
ورغم أن دون نجاح الهدنة عراقيل عديدة تفرضها تشابكات الأزمة والقوى المحلية والإقليمية المنخرطة فيها مباشرة أو بالوكالة، فإن الالتزام شبه الكامل بالهدنة ووقف الأعمال العدائية بين طرفي الصراع خلال اليومين الأولين، يعكس جدية الطرفين الأميركي والروسي، الضامنيين الرئيسيين مع مجلس الأمن الدولي، لهذه الهدنة، التي يؤمل أن تمهد لإعادة إطلاق المفاوضات السياسية يوم 7 آذار (مارس) المقبل، كما أعلن المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا.
وبعيدا عن الجدل المشتعل حول موقفي الولايات المتحدة وروسيا من الصراع في سورية، فإن الثابت اليوم أن مركز الثقل في القرار المتعلق بالملف السوري بات بصورة أساسية بيد الدولتين العظميين، وبدعم أوروبي ودولي واضح، فيما تأتي الممانعة ومحاولات خلط الأوراق وإدامة الصراع من قبل أطراف إقليمية، قامرت واستثمرت طويلا في الأزمة، ولم تعد تخفي رغبتها بمزيد من المقامرات بدم الشعب السوري.
الواضح اليوم أن التغيير الاستراتيجي الذي تسبب به “تسونامي” التدخل العسكري الروسي في الأزمة، والذي لجم وحجم التدخلات الإقليمية، وعلى رأسها التركية، كأطراف فاعلة بالأزمة السورية، مهيأ، بما يظهر من توافقات أميركية روسية، لإطلاق ديناميكية الحل السياسي وانتقال السلطة عبر المفاوضات بين طرفي الأزمة وبدعم دولي.
استعراض بعض المحطات الرئيسية والفاصلة عبر مسيرة الأزمة السورية منذ أكثر من خمس سنوات، يشير إلى أن الأطراف والمحاور الإقليمية، كانت لها اليد الطولى في إدامة وتوجيه الصراع في سورية، فيما لم تكن الولايات المتحدة تمانع بمنح خيار الحسم العسكري على الأرض ضد النظام السوري وحلفائه الوقت والفرصة للنجاح، حتى مع لجوء الأطراف الإقليمية لسلاح الإرهاب و”داعش” وجبهة النصرة. فيما تبدو اليوم الولايات المتحدة وأوروبا، خاصة بعد التدخل الروسي القوي، وانفلات غول الإرهاب من عقاله، إضافة إلى انفجار أزمة اللاجئين بوجه أوروبا، معنيتين بدعم خيار الحل السلمي والتوافقي للأزمة السورية، حتى لو كان ذلك بالضد من مصالح وسياسات أطراف إقليمية، بقيت فاعلة بالملف.
المؤسف اليوم، أن عددا من أطراف المعادلة السورية الداخلية المنخرطين بالأزمة ما يزالون يراهنون على أطراف ومحاور إقليمية، لحرف التوجه الدولي المتبلور حاليا، بعيدا عن المسار السياسي والحل التفاوضي، وذلك من دون مراعاة لحجم المأساة والمعاناة التي يرزح تحت نيرها الشعب السوري في الوطن ومنافي اللجوء.
حجم الدم والدمار الذي يلف سورية اليوم بعد سنوات حرب عجاف يثير التشاؤم من القدرة على الوصول إلى حل سياسي للأزمة، ينقذ هذا البلد وشعبه. مع ذلك فإن لا خيار أمام السوريين والعالم اليوم إلا خوض خيار المفاوضات والحل السياسي، فكل الخيارات الأخرى لن تجلب إلا مزيدا من الموت والدمار والمنافي!