ذياب في ندوة بإربد: الانتفاضة كشفت عجز النظام السياسي الفلسطيني، وحولت القضية الفلسطينية إلى قضية أممية
أقام منتدى الفكر الاشتراكي/ فرع إربد، ولجنة العمل الوطني في إربد، مساء يوم أمس الأربعاء ندوة سياسية بعنوان “انتفاضة السكاكين واقع وتطلعات في ظل الوضع الراهن للمنطقة”، وذلك في قاعة نادي الجليل في مخيم إربد.
وتحدث في الندوة الدكتور سعيد ذياب الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني.
وتالياً النص الكامل لكلمة الدكتور ذياب:
يشارف الشهر الخامس لانطلاق الانتفاضة على الانتهاء، وهي أكثر صلابة ومضاءً، وتثبت في كل يوم أنها عصيّة على الاحتواء، وأن عناصر استمرارها وديمومتها تزداد قوةً وبأساً.
لقد جاءت هذه الانتفاضة لتشق طريقاً جديداً في التعامل مع العدو الصهيوني، بعد أن وصل درب التفاوض إلى الحائط، طريق يمهد لآفاق أكثر رحابةً وأكثر وضوحاً.
لم يكن انسداد التسوية هو السبب الوحيد لانطلاقة الانتفاضة، بل أن استمرار الاحتلال وسياسة الإذلال التي تمارس بحق الفلسطينيين أينما اتجهوا واستمرار الهجمة الاستيطانية وحرق عائلة بأكملها عائلة الدوابشه، وحرق الطفل محمد أبو خضير، والاعتداء المتكررة على الأقصى، وحروب ثلاث شنّتها إسرائيل على غزة، كل تلك العوامل، كانت بمثابة صواعق التفجير لحالة التمرد الشعبي على ذلك الواقع.
كانت الانتفاضة هي الترجمة العملية لفشل ما عُرف بسياسة (كيّ الوعي)، بقصد إيصال الفلسطيني إلى حالة الاستسلام والقبول بذلك الواقع.
إن النظر إلى أعمار الشباب الذين يواجهون العدو الصهيوني كل يوم، يكتشف أنها لا تتجاوز حدود العشرين عاماً، هذا العمر الذي يعرف (بجيل أوسلو) هو البرهان على فشل سياسة دايتون وأذنابه وفشل سياسة ثقافة الخنوع والاستسلام التي دأبوا على تسويقها.
إن قراءة الانتفاضة يجب أن لا تتم خارج نطاق الفعل الشعبي الذي راح يتبلور بعد التوقيع على أوسلو عام 1993، حيث وجد هذا الفعل الشعبي فضائه خارج الإطار السياسي لتلك الاتفاقية، تجلى ذلك الفعل بـــ :-
_ حركات المقاطعة لإسرائيل
_ لجان حق العودة
_ لجان مقاومة جدار الفصل العنصري
_ لجان التصدي للاستيطان
باختصار، كنا أمام فعل خارج نطاق السيطرة الصهيونية من ناحية، وأمام عملية شعبية متنامية ومتطورة تستهدف إعادة صياغة الحالة الفلسطينية بعيداً عن الرؤية التي سادت، (رؤية أوسلو)،
وانتفاضتنا تأتي في ذات السياق.
إن ما تركه لنا الشهداء من كتابات تدلل على طبيعة التفكير، فها هو شهيدنا مهند الحلبي يكتب على صفحته (لا أظن أننا شعب يرضى بالذل)، وها هي الشهيدة رشا تقول( أعرف أن طريقي انتهى وهذا الطريق اخترته بكامل وعيي دفاعاً عن وطني وشبابه وبناته، لم أعد أحتمل ما أرى).
هذه الإشارات هي التعبير الأوضح لرفض الشباب للاحتلال من ناحية، وعدم ثقتهم بالنخب السياسية السائدة من ناحية أخرى.
أيها الأخوة الحضور:
لقد فعلت هذه الانتفاضة الشيء الكثير سواء في انعكاسها على الاقتصاد الصهيوني وما أحدثته من أضرار كبيرة، وما أثارته من رعب كبير لدى مستوطنيه. بالإضافة إلى ما أحدثته الانتفاضة على مستوى السلطة وقيادتها، التي باتت عاجزة عن التعامل مع الواقع الجديد.
وبقدر أهمية تلك الانعكاسات سواء ما لحق بالكيان الصهيوني، فإن هذا الجيل أخذ على عاتقه تصويب وإعادة صياغة العلاقة بين الشعب الفلسطيني وبين الاحتلال الصهيوني، باعتبارها علاقة صراع، وليست علاقة تفاوض وتفاهم. ولعل هذا هو الإنجاز الأبرز والأهم للانتفاضة.
إن هذه الانتفاضة وهذا الجيل، تمرّد على الواقع، فنجح كذلك في إعادة القضية الفلسطينية إلى الصدارة بعد أن نجحت القوى المعادية (الأمريكية والإسرائيلية وقوى الفتنة الطائفية) في تهميشها وإحلال الصراع المذهبي بديلاً عنها.
نجحت الانتفاضة في إعادة المواجهات إلى عموم فلسطين التاريخية، ووحّدت الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده في مواجهة المحتل.
جاءت هذه الانتفاضة لتبدد الوهم الذي سيطر على تفكير قيادة السلطة بإمكانية التفاهم والتفاوض مع العدو الإسرائيلي وتحقيق الحقوق الفلسطينية.
ونجحت الانتفاضة في إعادة الأمور إلى طبيعتها كحركة تحرر وطني في مواجهة كيان عنصري استعماري.
أيها الأخوة.. الأمر المؤكد أن وعياً جديداً راح يتبلور من أن القيادة الحالية للسلطة قد وصلت إلى نهاية الطريق، فهي لا تمتلك غير إستراتيجية التفاوض الذي ثبت فشله، وفي الآن ذاته، فهي عاجزة عن طرح بديل يتجاوز هذا المأزق.
باختصار، نحن في هذه الانتفاضة أمام مرحلة جديدة، طرحت مسألة المشروع الوطني الفلسطيني للبحث والنقاش.
أن هذا المشروع لا يمكن أن يكتب له النجاح وتحقيق أهدافه من خلال التفاهم والحوار مع العدو الصهيوني.
أن المشروع الفلسطيني الجديد، يجب وبالضرورة أن يستجيب لكل مكونات الشعب الفلسطيني.
المقاومة هي الرد الحقيقي والفعلي على العدو، وهي كذلك تعني تعزيز الفلسطيني بالكرامة وتخليصه من كل أشكال الدونية.
لقد جاءت هذه الانتفاضة وهذه المرحلة الجديدة كذلك لكي يكتشف أهلنا في الجزء المحتل من عام 48 أن السعي نحو دولة المساواة ليس إلا سراباً، وأن التعامل مع العدو الصهيوني لا يمكن أن يكون إلا من خلال التصادم مع الصهيونية كحركة عنصرية استعمارية.
هذا الوعي للطبيعة العنصرية والاستعمارية التي تقوم على إلغاء الشعب الفلسطيني، كلها وحدت الشعب الفلسطيني إلى حالة وعيٍ مشترك لإعادة النظر بما تسرب بالذهن وبالعقل الفلسطيني عن إمكانية الوصول إلى حل للجزء المحتل من فلسطين عام 1967، ولإمكانية التعايش مع الحركة الصهيونية.
أيها الأخوة:
مكانة القضية الفلسطينية:
لقد نجحت الانتفاضة بأنها أعادت السؤال مجدداً حول مكانة القضية الفلسطينية على المستوى العالمي، ففلسطين لم تعد قضية الفلسطينيين فقط، ولا قضية العرب المركزية فحسب، بل أصبحت رمزاً للمواجهة مع العنصرية الصيهونية وأصبح النضال الفلسطيني رمزاً للنضال من أجل العدالة والتحرر على المستوى العالمي.
فها هي حملات المقاطعة لإسرائيل تتنامى وعلى مستويات عدة، ولكن المقاطعة الأكاديمية هي الأكثر دلالة على وعي الطابع العنصري لهذا الكيان.
وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد نجحت بإلغاء القرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، عام 1975، تحت رقم 3379، باعتبار الصهيونية شكل من أشكال العنصرية، في عام 1991، فإن نظرة العالم بالرغم من تلك الجهود الأمريكية، بدأ ينشد أكثر إلى عدالة القضية الفلسطينية، وتحولت إلى رمز للنضال العالمي ونضال كل القوى اليسارية والتقدمية في العالم.
الواقع الفلسطيني:
ما من شك أن انطلاقة الانتفاضة جاء في ظل واقع فلسطيني مأزوم، عجز عن التعامل مع الواقع، وعجز عن التعامل مع المتغير، وانقسام فلسطيني منذ فترة، أخفقت كل المحاولات لعودة طرفي الانقسام عن نهجهما الانقسامي.
جاءت هذه الانتفاضة في ظل هذا الواقع لتكشف عجز النظام السياسي الفلسطيني.
والأمر الآخر، أن الانتفاضة تأتي في ظل حالة عربية من أصعب وأقسى الظروف، يتم فيها استهداف الهوية العربية، والدولة الوطنية، من خلال مشروع أمريكي صهيوني يريد رسماً جديداً للجغرافيا العربية، من خلال تقسيمها على أسس طائفية لكن من يمن الطالع أن حالة من التوافق الزمني في الانطلاقة بين الانتفاضة والإنجازات التي تتحقق الآن على أرض سورية في مواجهة قوى الإرهاب والحلف التركي السعودي. هذا التوافق يعزز عملية الفرز الحقيقية التي راحت تتبلور على امتداد الوطن العربي بين المشروع الأمريكي الصهيوني الرجعي العربي، وبين القوى المناهضة لهذا المشروع.
وختاماً، من الضروري الإشارة إلى التطورات الإيجابية التي حدثت بفعل التدخل الروسي الذي ساهم بشكل كبير في إحداث تحول في موازين القوى، الأمر الذي أحبط المخططات المعادية لوطننا.
<
p dir=”RTL” style=”text-align: justify;”>