مقالات

إنترنت الأشياء، رفاهية وقسوة العالم القادم (2/2)

 

لم تنس إنترنت الأشياء سؤال الطاقة والصناعة والزراعة، حيث ستعمل على تحديد الطاقة المستعملة بناء على الشروط اللازمة، من مصابيح الإنارة في الشوارع إلى عدادات الكهرباء إلى إرسال رسائل نصية عن انتهاء العمر الافتراضي، أو الحد الاستهلاكي لقطعة صغيرة في آلة كبيرة.

في انترنت الأشياء، لا حصر للأشياء التي ستنضوي تحت راية الانترنت، حتى الأشجار سترسل طلب المساعدة لانقاذها من أيدي قاطعيها غير القانونيين، والبحر سيتحدث عن جزره ومده، والأرض عن الزلازل القادمة إليها.

يبدو ذلك مشجعاً، ولكنه يبدو مخيفاً أيضاً ، فكما واجه الإنسان عجزه أمام الطبيعة من خلال المعرفة والوصول إلى المعلومة، إلا أنه اليوم سيواجه، اجتماعياً ونفسياً، بالدرجة الأولى، قلق فائض المعلومة واندلاقها وتدفقها من كل مكان، وفي كل وقت. هل سيزداد قلق الأمهات مع كل قراءة؟ هل تباعد الأوقات بين أعراض احمرار وجه الطفل قد تكون أكثر لطفاً؟ هل معرفتنا الكاملة عن مجريات الأحداث الفسيولوجية في ذواتنا سيدخلنا في دائرة مغلقة مع الذات؟ بمعنى آخر هل سترتفع حالات الوسواس القهري؟ هل يتململ داروين في قبره للحديث عن الأعضاء التي تضمحل وتتلاشى لقلة الاستعمال؟ هل سينحصر دماغ المستهلك للتكنولوجيا في عمليات التحليل السريع ويخسر الجبهة الخلفية الأمتن، وهي الذاكرة؟ هل التعرض للحجم الهائل من المعطيات سيكون هو القفزة الكبرى للإنسان العادي (وقد يكون معنى العادي هنا المستهلك للتكنولوجيا وليس المصنع لها، قد ينحصر التعريف إلى هذا الحد)، أم هو المسمار الأخير في نعشه ؟ قنوات الاتصال المتعددة والمفتوحة دائماً هل تضع الإنسان تحت قسوة الاتصال أم تحت قسوة العزلة؟ سنفتخر كثيراً بالقدرة على تأمين كم هائل من المعلومات وفي وقت واقعي “Real Time“، ولكن هل سنفرح بانقطاع التراكم، أو بالسعة “Capacity” ، أو بالقدرة على معالجة كل المعلومات المندلقة. هل سنحمي أنفسنا من تضارب “الرغبات الشعورية”، أو “المعالجات الإدراكية ربما” ؟ هل تخمة المعلومات ستسبب تآكل البنية السليمة؟ الحوارات المتقطعة السريعة والكثيرة بدلاً من الحوارات المكتملة، “البطيئة” والقليلة (Broken Dialogues VS Complete Dialogues).         

في أنظمة الاتصال يشبهون بروتوكول UDP بساعي البريد الذي يضع الرسالة ويمضي، والمرسل لا ينتظر أي تأكيد على وصول الرسالة إلى المستقبل “Connectionless protocol“. أما نظام TCP فينتظر فيه المرسل تأكيد وصول الرسالة، “Connection oriented protocol“، وإذا لم يصل الرد خلال فترة محددة، فيتم إلغاء الحوار وبدء حوار جديد. أين سيصل اتصالنا نحن مع أنفسنا والناس الآخرين و”الأشياء الأخرى”… لم نعد نمتلك صبر الرسائل المنقولة من خلال ساعي البريد، والحوارات المتقطعة علمتنا التخلي عن بروتوكولات البدء والختام في الحوار حتى، والـــ “Last Seen” تأخذ موقفاً ملتبساً من خصوصية المرسل والمستقبل…

لربما أنني أطلت في أسئلتي هنا، ولكن بقي ثمة سؤال واحد: عند انتهاء النقد، وتحوله بالكامل إلى سعات تكنولوجية، ماذا سيطلب الشحاذون، وعلى أية أبواب سيقفون؟

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى