أزمة تركيا بين الاقتصاد والسياسة/د. وليد عبد الحي
شكل التراجع المتتالي والكبير لقيمة الليرة التركية بلغ قرابة 80% من قيمتها طيلة هذا العام وقاربت على 7 ليرات للدولار، وترتب على هذا التآكل ارتفاع حاد في الاسعار مما يستدعي التدخل الحكومي لضبط الامور ، وهو أمر لا يبدو سهلا في المدى الزمني القصير.
الاسباب الاقتصادية للأزمة:
يمكن تحديد السبب المركزي في الأزمة بأنه اقتصادي ممتمثلا في حجم الدين على الدولة والذي قارب 480 مليار دولار، منها ديون قصيرة الأجل ( أي تستحق الدفع خلال فترة قصيرة) قيمتها 180 مليار أي ما يساوي 37,5% من مجموع قيمة الديون.
وكانت تركيا لا سيما بعد تولي حزب العدالة السلطة قد لجأت للتوسع في سياسة الخصخصة وبيع القطاعات الانتاجية الهامة للدولة للمستثمرين مما ساهم في انطلاق النشاط الاقتصادي في البداية ، لكن الدولة حاليا لم يعد لها ما يمكنها تكرار نفس السياسة. بعد ان نضبت الاصول القابلة للتكرار. وفي موضوع الديون ثمة مشكلة فرعية ، وهي ان هذه الديون 70% منها بالدولار، وهو ما يجعل المشكلة اكثر وعورة، كما ان الدول الدائنة – او بنوكها بالاحرى- هي دول لم تعد متشجعة لابداء المرونة الكافية لشروط الاقراض او فترات التسامح أو غيرها نظرا للظروف الاقتصادية العالمية حاليا، مثل اسبانيا التي لها دين على تركيا قيمته اكثر من 83 مليار دولار وفرنسا (38 مليار) وايطاليا( 17 )واليابان( 14 ) وبريطانيا( 19 ) وأخيرا امريكا( 18).
الوجه الثاني للأزمة هي اصرار أردوغان على عدم تبني سياسة رفع اسعار الفائدة، ومعلوم ان رفع اسعار الفائدة يؤدي لخلل لصالح الادخار على الاستثمار وبالتالي توفر رصيدا متناميا من المدخرات التي تصلب البنية المالية للبنوك والنظام المصرفي للدولة، لكن اردوغان يصر على عدم الرفع مما يعني ابقاء المجال قائما لاحتمالات تجذر الأزمة.
بعد ثالث في الازمة يتمثل في ان معدل التضخم في تركيا يعادل 3 أضعافه في المعدل العام لدول الاتحاد الاوروبي، فقد لامس المعدل التركي حدود 16%، وهو رقم يعني ان الكتلة النقدية بدأت تفوق معدل النمو الاقتصادي مما يجعل الاسعار تلتهب وهو ما يجعل قيمة العملة المحلية اقل.
اما البعد الرابع في الازمة فيتمثل في ان الاحتياطات النقدية لدى الخزينة التركية تقارب 130 مليار دولار أي ما يعادل 27% من حجم الدين ، وهو رقم مربك بخاصة اذا ربطنا نسبته بنسبة الدين الى اجمالي الناتج المحلي التركي والذي يصل الى حوالي 50%.
وجاءت قرارات ترامب الاخيرة برفع الرسوم على الصلب التركي(بنسبة 50%) والالومنيوم( بنسبة 20%) لتعمق من جرح الازمة.
الاسباب السياسية:
لم يعد هناك فصل بين تداعيات السلوك السياسي ونتائجها الاقتصادية، وليس من السهل الفصل بين الوضع الاقتصادي في تركيا والمؤشرات التالية:
1-عدم الاستقرار السياسي الداخلي : فطبقا لمؤشرات عدم الاستقرار السياسي( نموذج كوفمان او البنك الدولي مثلا، وهما يعتمدان مقياسا يتراوح بين + 2.5 و – 2.5) فإن تركيا سجلت خلال الفترة من 2010 الى 2018 معدل تجاوز 1.05 بالسالب)، ولعل اعمال العنف والحديث المستمر عن القضاء على الارهاب والمشكلات مع الاكراد واستمرار عدم الاستقرار في جوار تركيا وتوتر علاقاتها مع بعض الدول الاوروبية بين الحين والآخر ما يفسر هذه النسبة العالية ناهيك عن التوترات التي يخلقها تدفق المهاجرين.
2- نتيجة السياسة التركية مع سوريا والعراق فقدت تركيا هذين السوقين لاسسيما انهما كانا معبرا لها نحو الاسواق الخليجية النهمة
30 التوترات بين تركيا والولايات المتحدة بدءا من مشكلة القسي الامريكي المعتقل في تركيا ( أندرو برانسون ) وقبلها مشكلة فتح الله كولن المقيم في امريكا، ناهيك عن بعض الشد والجذب بين البلدين حول عدد آخر من السياسات آخرها رفض تركيا اللتزام بالعقوبات الامريكية على ايران.
التداعيات:
الخشية الاولى ان يصاب قطاع الانشاءات المعتمد على القروض من الوضع المالي الحالي بشكل قد يعيد النموذج الامريكي لعام 2008 مما ييزيد الامور تعقيدا الا اذا تراجع اردوغان عن موقفه من صلاحيات البنك المركزي في موضوع اسعار الفائدة، وقد يمتد الضرر الاقتصادي اكثر شيء للقطاعات الصغيرة والمتوسطة.
ذلك يعني ان أردوغان قد يبدا في السعي الهادئ لاصلاح الوضع مع البيئة الاقليمية وقد يندفع نحو تحالفات دولية جديدة – وهو ما صرح به أخيرا_ مما يجعلنا امام مشهد اقليمي جديد..وجديد جدا ..ربما.