مجلس النواب السابع عشر: خذلان للمواطن وخنوع للحكومة وسياساتها
غصّت مواقع التواصل الاجتماعي بالفرح احتفالاً بالإرادة الملكية بحلّ مجلس النواب الأردني، ولم يضاهيها فرحة سوى خبر قبول استقالة حكومة النسور التي قام بعض المواطنين بـ “تكسير الجرة” احتفالاً برحيلها.
ويرتبط مجلس النواب السابع عشر في ذهن المواطنين بمسلسل طويل من خيبة الأمل للمواطنين الذين راهنوا على مجلسهم أكثر من مرة، إلا أن “ممثلي الشعب” كانوا مصرّين على خذلانهم.
90% من النواب لم يقدموا أي استجواب للحكومة، و18 منهم لم يتقدموا بأي سؤال
مجلس النواب السابع عشر: خذلان للمواطن وخنوع للحكومة وسياساتها
بداية الخذلان: تسمية النسور
بداية الخذلان كانت مع أولى دورات المجلس النيابي السابع عشر في شباط 2013، وذلك عندما قام أعضاء المجلس بتسمية الرئيس عبدالله النسور لمنصب رئيس مجلس الوزراء بعد مشاورات ملكية مع النواب هي الأولى من نوعها. وقد قام النواب بترشيح النسور على الرغم من غضب الشارع ورفضه، على خلفية هبّة تشرين التي انتفض فيها الشارع الأردني بعد قرار النسور رفع أسعار المحروقات. ليستمر النسور في مسلسل الرفع، ويقوم برفع آخر على المحروقات مع بدء الديوان الملكي لمشاوراته مع النواب، ما شكّل إحراجاً للنواب وضغطاً عليهم من قبل قواعدهم باتجاه عدم ترشيح الرئيس النسور. إلا أن النواب “خذلوا” المواطنين وقاموا بترشيح النسور خلافاً لتوجهات الرأي العام الأردني.
الشهيد رائد زعيتر والثقة بالنسور
المحطة الثانية من الخذلان تمثلت بقضية الشهيد رائد زعيتر القاضي الأردني الذي استشهد على يد قوات الاحتلال الصهيوني، حيث قوبلت عملية قتله بموجة احتجاج شعبية واسعة قابلها النواب بالمطالبة بإلغاء معاهدة وادي عربة وإقالة حكومة النسور. إلا أن المفاجأة كانت بتراجع النواب عن مطالبهم، بل وتصويتهم بإعطاء الثقة بالرئيس النسور وبأرقام أعلى مما حصل عليها في المرة الأولى!! ما شكّل صدمة للشارع الأردني الذي ذُهل من تراجع النواب عن مواقفهم “العنترية” والتخلي عن هذه المواقف لحظة التصويت على الثقة بالحكومة!!
رفع أسعار الكهرباء
في بداية عام 2015، قدمت الحكومة مشروع قانون الموازنة العامة الذي تضمن رفع أسعار الكهرباء بنسبة 15%، وقوبل هذا التوجه الحكومي باحتجاجات شعبية واسعة، فقدمت اللجنة المالية لمجلس النواب حلاً وسطاً لـ “إنقاذ” الحكومة بخفض النسبة إلى النصف لتصبح 7.5%.
مجلس النواب قام بالتصويت ضد الحل الوسط وأصرّ على عدم رفع أسعار الكهرباء بالمطلق، وهو ما قابله الشارع الأردني بارتياح واسع، لتأتي الصدمة بعد أيام قليلة، بتراجع النواب عن قرارهم، وقيامهم بالمصادقة على الموازنة الحكومية ورفع أسعار الكهرباء بنسبة 7.5%!!!
إقرار التشريعات: ضغوط حكومية ورضوخ نيابي
وأظهر تقرير أصدره برنامج مراقبة أداء المجالس المنتخبة “راصد” أن مجلس النواب السابع عشر كان “مجلس تشريع بلا رقابة، ومجلس المقاعد الفارغة”، في إشارة إلى غياب الدور الرقابي للمجلس والغيابات الكبيرة لأعضاء المجلس عن جلساته. كما أظهر التقرير أرقاماً وحقائق صادمة تتعلق بأداء المجلس كهيئة وأعضاء.
وذكر التقرير أن المجلس أقر طيلة فترات انعقاده 175 قانوناً بـــــ 181 يوم عمل تشريعي، أي بمعدل قانون كل يوم عمل تقريباً. وهو رقم يدلل على عدم وجود جدية حقيقية في نقاش القوانين، إضافة إلى حجم الضغوط التي تعرض لها النواب لتمرير قوانين معينة تخالف إرادتهم.
ويأتي على رأس هذه القوانين، قانون اللامركزية، الذي شهد احتجاجات نيابية واسعة، بل إن النواب رفضوا في الجلسة الصباحية تعيين 25% من أعضاء مجلس المحافظة من قبل الحكومة، وتثبيت انتخاب كامل أعضاء مجلس المحافظة، إضافة إلى تثبيت كوتا نسائية بنسبة 25% من أعضاء مجلس المحافظة، ليتفاجأ المراقبون بتراجع النواب في الجلسة المسائية عن قرارهم، حيث تم تثبيت التعيين وإلغاء الكوتا في مشهد قوبل بذهول من قبل المواطنين.
والأمر نفسه ينطبق على قانون صندوق الاستثمار الذي أقر النواب في جلسته الصباحية رفض إشراك الشركات “الإسرائيلية” في الصندوق، ليعاود النواب التراجع عن قرارهم في الجلسة المسائية، ويسمح للشركات “الإسرائيلية” العمل ضمن الصندوق، وذلك بعد ضغوطات حكومية!!
غيابات “فلكية” وإقرار قوانين دون نصاب
يشير تقرير “راصد” إلى أن غيابات النواب عن جلسات البرلمان كانت فلكية وسجلت رقماً خيالياً، حيث بلغت غيابات النواب خلال الأربعين شهراً من عمر المجلس (283 يوم عمل)، 6191 غياباً. كما سجل “راصد” استمرار عقد جلسات للبرلمان وإقرار قوانين على الرغم من فقدان النصاب أثناء هذه الجلسات.
وفيما يخص مداخلات النواب خلال الجلسات البرلمانية، يكشف تقرير “راصد” أن النواب أوردوا (14737) مداخلة خلال المجلس النيابي السابع عشر كما وأن (10) نواب لم يتقدموا سوى بـ 50 مداخلة خلال عمر المجلس!!
ويلفت التقرير إلى أن 18 نائباً لم يتقدموا بأي سؤال للحكومة طيلة مدة المجلس النيابي السابع عشر, وهو رقم يدلل على غياب الدور الرقابي للنواب، كما يطرح تساؤلاً كبيراً حول جدية وفهم هؤلاء النواب لدورهم. وبلغ مجموع الأسئلة التي تم إدراجها على جدول أعمال المجلس 599 سؤالاً من أصل 3095، أي أن 73% من الأسئلة المجابة لم تدرج على جداول الأعمال، ما يدلل على أن غالبية النواب لم يتابعوا الأسئلة التي قاموا بتقديمها!! كما أن 81% من الأسئلة المجابة من قبل الحكومة لم تكن ضمن الفترة القانونية.
استجوابات ومذكرات يقابلها تجاهل حكومي
وعلى صعيد الاستجوابات، فقد بلغت –وفق راصد- 77 استجواباً ولم ترد إجابة من الحكومة على 39% منها. أي ما يقارب النصف، علماً بأن 15 نائباً فقط قدموا هذه الاستجوابات، فيما لم يقدم 135 نائب أي استجواب. أي أن أكثر 90% من النواب لم يقدموا أي استجواب للحكومة.
كما أظهر تقرير “راصد” أن 93% من الاستجوابات لم تقم الحكومة بالإجابة عنها، ما يدلل على حجم الاستخفاف الحكومي بأعضاء مجلس النواب وضعف هؤلاء النواب بالتصدي لتجاهل الحكومة للاستجوابات التي قدموها. فيما كشف التقرير أن 71% من الاستجوابات وجهت لرئيس الوزراء.
وفيما يتعلق بالمذكرات النيابية، أوضح “راصد” أنه تم خلال فترة انعقاد مجلس النواب تقديم 549 مذكرة، تمت الإجابة على 27% منها فقط. وهو رقم يعكس مرة أخرى استخفافاً حكومياً بمجلس النواب، وعدم جدية بعض النواب في المذكرات التي يوقعونها والتي تأتي في بعض الأحيان تحت بند المناكفة، حيث لا يقوم هؤلاء النواب بمتابعتها، ومساءلة الحكومة لتقصيرها في الإجابة عليها.
كما لم يتمكن مجلس النواب طيلة فترة انعقاده من مناقشة سوى اقتراحين بقانون وإحالتهما للحكومة من أصل 57.
مجلس للنسيان أم استنساخ لمجالس سابقة وقادمة
وكي نكون منصفين، فإن مجلس النواب السابع عشر لم يختلف أداؤه كثيراً عن المجالس الخمس التي سبقته (مجالس الصوت الواحد)، وحافظ هذا المجلس على منحنى الانحدار في أداء المجالس النيابية منذ مجلس النواب الثاني عشر وحتى الآن. وحجم الخلل والتراجع في أداء هذا المجلس يأتي ضمن سياق طبيعي نتيجة لتراكم سلبيات قانون الصوت الواحد، الأمر الذي كرس لدى الناخب الأردني القناعة بأولوية التصويت لنائب العشيرة والخدمات بالتوازي مع القناعة التامة بعدم جدوى هكذا مجالس نيابية، وعدم توقع الكثير من هكذا مجالس.
وفي ظل قانون الانتخاب المقر مؤخراً (القائمة النسبية المفتوحة على مستوى المحافظة)، فإننا لن نشهد تغييراً حقيقياً –وفق مراقبين- في تركيبة المجلس النيابي القادم، وإن كانت المشاركة الواسعة للقوى الحزبية والسياسية ستعمل على إضافة “نكهة مختلفة” للمجلس القادم، ولكنها بالتأكيد لن تكون نقلة نوعية أو انقلاباً في أداء المجلس عن سابقيه.