مقالات

لتتوقع الحكومة موجة نزوح لمدارسها / ماجد توبة

يدفع التزايد الكبير بكلف المعيشة بعد تراكم آثار القرارات الاقتصادية الحكومية العام الحالي والأعوام السابقة، شرائح واسعة من المواطنين إلى محاولة التكيف مع هذه الظروف الضاغطة على ميزانيات الأسر وأوضاعها المعيشية. إلا أن الخيارات أمام هذه الأسر، ونتحدث هنا عن الأسر المدرجة ضمن تصنيفات الطبقة الوسطى أو محدودة الدخل، تكاد تنحصر حد الانعدام في أوجه الصرف والانفاق غير الأساسي أو التي تدخل في باب الرفاهية!

مع موجة الارتفاعات الواسعة في أسعار السلع والخدمات التي جرتها القرارات الاقتصادية الرسمية، وبدء تلمس آثارها من قبل المواطنين والأسر، وفي ظل محدودية الخيارات لتنويع وزيادة الدخول وتحسينها نظرا لمعاناة المؤسسات الاقتصادية الخاصة والقطاع العام من أوضاع صعبة أيضا، تتجه أنظار الأسر والأفراد إلى محاولات الترشيد بسلة الانفاق قدر الإمكان. ويمكن للمراقب اليوم أن يلحظ مثل هذه المحاولات والخطوات المتواضعة التي يبادر اليها الكثير من المواطنين في إنفاقهم ليستطيعوا الصمود بوجه ارتفاع أعباء المعيشة وتوفير الالتزامات الاساسية من غذاء وطبابة وتعليم ونقل وطاقة.

حسب مشاهدات شخصية وبعض المناقشات العامة، يلفت الأنظار اليوم أن العديد من الأسر، ممن تعتمد في تعليم اولادها على المدارس الخاصة حزمت أمرها أو هي في طور الصراع الداخلي والتفكير الجدي في نقل أبنائها او عدد منهم الى المدارس الحكومية، لتستطيع مجاراة تآكل دخولها وتلبية الأساسيات الأخرى للحياة، بعد أن كان مثل هذا القرار شبه مستحيل نظرا لما يعانيه قطاع التعليم العام من أوضاع ومستويات صعبة وطاردة لدى الأسر القادرة التي هي كما كل الأردنيين تعتبر تعليم الأبناء أهم استثمارات وأولويات الحياة.

ولم يعد مستبعدا، ان نشهد مع بداية العام الدراسي المقبل، اي قبل نهاية العام الحالي، نزوحا واسعا من طلبة المدارس الخاصة التي تضم اليوم نحو 400 الف طالب، إلى المدارس الحكومية التي تضم مليونا و400 الف طالب تقريبا، والتي تعاني اصلا من اكتظاظ وترد ونقص في البنى التحتية وعجز في تلبية حاجة العملية التعليمية والمدارس بالكوادر التعليمية الكافية. هذا التوقع بالنزوح المرتقب ليس ضربا بالرمل بل هو مبني على تقدير آثار الأوضاع المعيشية والمالية لشرائح واسعة من الأسر ممن ستشهد انزياحات في مستوياتها الاقتصادية هبوطا إلى مستويات أدنى وذات قدرات مالية أقل!

بوادر هذا النزوح من المدارس الخاصة الى المدارس الحكومية او المدارس العسكرية وتلك التابعة لوكالة الغوث “الأونوروا” سجلت خلال السنوات القليلة الماضية بصورة ملموسة أيضا، حيث ينزح بضعة عشرات الآلاف من الطلاب سنويا عائدين إلى حضن المدارس الحكومية، كخيار اضطراري للأسر في ظل تراجع أوضاعها الاقتصادية وزيادة أعبائها الاخرى من تعليم جامعي أو قروض إسكانية إضافة إلى ارتفاع كلف الحياة اليومية.

مثل هذه الأوضاع المعيشية القاسية والمستهلكة لميزانيات عشرات آلاف الأسر في عمليات “حتٍّ وتعرية” عابرة للسنوات الأخيرة ستدفع –بحسب مؤشرات وارهاصات عديدة- إلى تزايد أعداد الأسر المضطرة إلى الانتقال بأبنائها إلى المدارس الحكومية وتضحية المضطر للقبول بهذا الخيار الصعب، ليستمر مركب الأسرة والحفاظ على أساسيات ومستويات معيشية أخرى.

الراهن، أن هذا النزوح المتوقع من المدارس الخاصة الى الحكومية سيفرض بلا شك تحديا  كبيرا على وزارة التربية والتعليم وعلى الحكومة وموازنتها العامة، المثقلة أصلا بالأعباء والالتزامات، لكن ليس أمام الوزارة والحكومة إلا الاستجابة والتكيف مع هذا التحدي. ولن يكون مقبولا منهما التقصير في التعامل معه، خاصة وان السياسات الاقتصادية والمالية للحكومة قصيرة النظر، هي التي تقف وراء خلق مثل هذا الواقع الجديد!

لن تكون مهمة سهلة على الحكومة أن تتحمل كلف استقبال عشرات الآلاف من الطلبة الجدد القادمين من المدارس الخاصة العام الدراسي المقبل، ممن سينضافون إلى عشرات آلاف الطلبة الجدد  ممن سيدخلون المرحلة الابتدائية لأول مرة. لكل ذلك عليها الاستعداد منذ اليوم للقادم.

نقلا عن الغد

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى