طبقة رجال الأعمال هي الفئة الوحيدة المستفيدة من سياسات رفع الأسعار / عبدالمجيد الخندقجي
عاصفة من الإجراءات الضريبية أقدمت عليها حكومة الملقي استناداً إلى حالة الاختلالات والأزمات الاقتصادية التي كشفت عنها موازنة (2018). وقد شملت هذه الإجراءات القاسية والظالمة عشرات السلع والخدمات بحيث لم تبقى لا سلعة ولا خدمة إلا وشملتها الضريبة حتى الكتاب ومدخلات ومخرجات القطاع الزراعي.
لقد وصلت نسبة الضريبة إلى (10%) طالت أكثر من (164) مادة غذائية فيما تسببت الضريبة ورفع الدعم عن مادة الخبز برفع أسعار الخبز إلى أكثر من (100%). وقد شهد الأردن موجة من الاحتجاجات والمسيرات والاعتصامات، مطالبة بالتراجع عن هذه الإجراءات الضريبية، والتي على أثرها أرتفعت أسعار معظم السلع والخدمات واجتاحت السوق المحلي حالة من الغموض والفوضى.
إقدام الحكومة على هذه الحملة الضريبية المسعورة وصف من قبل العديد من خبراء الاقتصاد بأنه ليس فقط بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية ووقوع الأردن تحت ضغط مديونية مخيفة ومقلقة وصلت إلى حوالي (27) مليار دينار (ما يقارب (40) مليار دولار) وعجز متفاقم في الموازنة العامة، وإنما أيضاً للتغطية على فشل الإدارة الحكومة في ضبط وسيطرة الحكومة في تحصيل ضريبة الدخل في ظل غياب البيانات الحكومية ومحابات الأثرياء والسكوت على حالات التهرب الضريبي وسياسة الإعفاءات وعدم تطبيق القوانين وإنزال العقوبات بحق المتهربين من دفع الضريبة.
فقد كشف بعض المسؤولين عن أن قيمة التهرب من الضريبة على الدخل بلغت (1.5) مليار دينار فيما أكد رئيس الوزراء الأسبق عبدالله النسور بأن القيمة بلغت (1.9) مليار دينار العام الماضي إضافة إلى أن هناك متأخرات ضريبية تبلغ (2) مليار دينار منها (800) مليون دينار غير قابلة للتحصيل.
وتتوزع هذه المبالغ على النحو التالي (695) مليون دينار تهرب ضريبي منها (495) مليون دينار تهرب من ضريبة المبيعات و(200) مليون دينار تهرب من ضريبة الدخل إضافة إلى إعفاءات ضريبية تبلغ (834) مليون دينار و(370) مليون دينار متأخرات ضريبية مجموع هذه المبالغ لو تم تحصيلها لأعفى الحكومة من هذه الهجمة الضريبية الشرسة على قوت المواطن ودخله المتدني وتكاليف المعيشة التي لم يعد يقوى على كبحها.
بالطبع لا أحد يعيب على الحكومة فرض ضريبة على السلع والخدمات، فهذه الضريبة إحدى أهم الأدوات المالية التي تستخدمها كافة دول العالم، كما وأن ظاهرة التهرب الضريبي موجودة في أرقى دول العالم وأكثرها ديمقراطية، لكن عندما لا توظف الضريبة في التنمية الإقتصادية، وفي خلق فرص عمل وعندما يكون التهرب الضريبي يتم بشكل سائب بدون محاسبة فإن الضريبة تتحول صراحة إلى جباية وسطو دون مبرر على دخل المواطن وخاصة محدود الدخل والفقير المعدم.
ولقد تبين أن الحكومات الأردنية المتعاقبة لم تحقق أية فائدة من التحصيلات الضريبية، بل ألحقت أضراراً جسيمة بالشرائح الفقيرة حصرياً وبالاقتصادية. وحتى الحكومة نفسها نالها قسط من الضرر. والمستفيد الوحيد من زيادة الضرائب والرسوم وإرتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية والخدمات هم رجال الأعمال، أي أصحاب الدخول المتغيرة مثل التجار وأرباب الصناعة وأصحاب العقارات والمستوردين وأصحاب الودائع بالبنوك. فهؤلاء تزداد مدخولاتهم مع موجة التضخم التي تنتج عن زيادة نسب الضريبة وأحياناً ترتفع بنسبة أكبر من نسبته ارتفاع المستوى العام للأسعار، أي غالباً ما يستفيد هؤلاء من موجة الغلاء.
أما الفئات الأخرى مثل موظفي الحكومة والقطاع العام وأصحاب رواتب التقاعد وأصحاب الإعانات الإجتماعية فهؤلاء أكثر المتضررين لأن دخولهم تتعرض للتآكل والتدهور.
وعندما ينتج عن زيادة الضرائب غلاء وتضخم إقتصادي فإن من شأن ذلك العمل على ارتفاع وتيرة الاستهلاك وإضعاف حوافز الادخار لأن الناس تفضل في هذه الحالة اللجوء إلى تخزين السلع وخاصة السلع المعمرة.
كذلك فإن من شان التضخم المالي أن يلحق أضراراً بميزان المدفوعات، لأن ارتفاع أسعار السلع المحلية يدفع بالمستوردين إلى استيراد نفس السلعة المحلية، وهنا تتزايد الصعوبات أمام صادرات الدولة لأن تكاليف الإنتاج سترتفع مقارنة بما قبل ارتفاع معدلات التضخم.
ومن شأن التضخم الذي تفرزه كثرة الضرائب أن يلحق الضرر بالحكومة نفسها بل غالباً ما يؤدي إلى تفاقم عجز الموازنة العامة للدولة لأن الحكومة تضطر لإنفاق أموال أكثر على المستلزمات السلعية والخدمية حيث ترتفع أسعار هذه المستلزمات مع إرتفاع موجة الغلاء.
كما يؤدي الغلاء الفاحش إلى تفشي الرشوة والفساد الإداري ومحاولات الكسب غير المشروع لأن المواطن يلجأ إلى مثل هذه الأمور لكي يواجه التدهور المستمر في دخله الحقيقي وكذلك التراجع الكبير في مستوى معيشته.
ومن الأضرار الأخرى هروب الاستثمارات ونتيجة لذلك يحدث تناقص في الوظائف وتزداد نسبة العاطلين عن العمل وهنا من الطبيعي أن تنخفض القوة الشرائية للعملة المحلية ويفقد المواطن الثقة بعملته مما يضطر الناس إلى تحويل مدخراتهم إلى عملات أجنبية، وهذا ما نشاهده كثيراً في البنوك ومحلات الصرافة في الفترة الأخيرة.
إن سياسة الحكومة والحكومات السابقة تفتقر إلى الاستقلالية أولاً وإلى الاستراتيجية والفلسفة الاقتصادية، فقد أصبحت تعتمد على وصفات وتعليمات صندوق النقد الدولي الذي يخطط كما تشير المعلومات لإبقاء وصايته مفروضة على الحكومة الأردنية لسنوات طويلة. وهذه الجهة تضع في رأس أولوياتها إبقاء الأردن بحاجة دائمة إلى القروض وإنصياع الحكومة للتعليمات التي تضمن سداد فوائد هذه الديون التي تزيد عن (1.5) مليار دولا سنوياً، ولذلك هو يسعى إلى تخفيض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي من (95%) إلى (75%) وهذا يتطلب تخفيض دعم المياه والكهرباء وفرض مزيد من الضرائب والرسوم ورفع الأسعار.
هل ثمة مخرج من هذا المستنقع؟؟
ينبغي أن يتمتع الأردن وخاصة النظام الحاكم بالإرادة السياسية واستقلال القرار والتخلص من الوصاية لصندوق النقد الدولي والرأسمال الأجنبي من خلال:
- وضع سياسة اقتصادية وطنية وإشراك النخب السياسية والإقتصادية الوطنية في وضع سياسة إقتصادية وطنية.
العمل على استعادة المؤسسات والشركات السيادية التي جرى بيعها تحت اسم الخصخصة.
اعتماد الشفافية ووضع قاعدة للبيانات بحيث يتم إطلاع المواطنين على حقيقة الأزمة الإقتصادية ومخرجات ومدخلات هذه الأزمة.
الانفكاك التام من وصاية صندوق النقد الدولي والبنك الدوليين والتخلص من هيمنتهما السياسية والاقتصادية.