لآخر المستجدات تابعنا على قناة تلغرام

تابعنا
مقالات

كل عالم “افتراضي” وأنتم بخير! / ماجد توبة

يستوقفك في نهاية العام، المحطة القصيرة العابرة لعام مضى وآخر قادم بكل غيبه وأحلامه وقلقه وغموضه، اتساع نفوذ وتداخل العالم الافتراضي النافذ بكل مسامات حياتنا وواقعنا اليومي، عبر تدفق غير منته من الصور والمعلومات والأخبار والخواطر والجمال، وكذلك عبر كم لا ينتهي من الأكاذيب والاختلاقات والشائعات والحروب النفسية والتضليل والكراهية، وكل ما يرد في قاموس القبح والشر من مصطلحات.

ما الذي سيميز العام الجديد بصورة فاقعة؟ بل وما الذي ميز العام المنصرم ويمكن أن نقول إنه كان فاقعا وطاغيا في تأثيره وترك بصماته على هذه الإنسانية الحائرة حول الأرض؟! أي جواب يمكن أن يتبادر إلى الذهن غير هذا العالم الافتراضي المترامي الأطراف، الذي باتت تشكله مواقع التواصل الاجتماعي ومستنقعاتها، واتساع دائرة نفوذها وتأثيرها على حيوات الأفراد والمجتمعات والدول؟!

ومصطلح “مستنقعاتها” هنا مقصود مائة بالمائة، فقد بات العالم الافتراضي يبتلع مئات الملايين إن لم نقل المليارات من البشر، فارضا عليهم سطوته واستحواذه وإدمانه، وعلى حساب الواقع الحقيقي والتفاعل معه، فاتحين بذلك بابا واسعا للاغتراب الاجتماعي والنفسي والإنساني، وقوده الأساس الشباب والأطفال والمراهقين، كما باتت تلحظ الدراسات العلمية وتحذر منه وتسعى للحد من غلوائه دون كبير فائدة حتى الآن.

الأرقام خلال السنوات القليلة الأخيرة تشير إلى نوع من الانفجار “السكاني” بهذا العالم الافتراضي، وفي أعداد رواد ومشتركي مواقع التواصل من “فيسبوك” و”تويتر” و”سناب شاب” و”انستغرام” و”يوتيوب”.. وقائمة طويلة ومتنوعة من المواقع، والتي باتت تستحوذ على فترات زمنية أطول من أوقات روادها بمن فيهم الأطفال والمراهقون، فيما بات الإدمان على مواقع التواصل والهواتف الذكية مرضا نفسيا معترفا به في بلاد متقدمة، يحتاج صاحبه لعلاج ومتابعة نفسية واجتماعية.

أما عن محتوى هذا العالم الواسع والمضلّل فحدث ولا حرج، فالكثير منه غثٌ ومسيء ومزيف للوعي وتسطيحي لاهتمامات الناس، وهو منبر يسهل اعتلاؤه من قبل جهلة وأغبياء ومجرمين ونصابين، وباتت تمتطيه أجهزة وحكومات، بعد أن عرفت قيمته وتأثيره، وسيلة للتضليل وقيادة الجموع والغوغاء، بل وبات معروفا اليوم كيف تتشكل أقسام وفرق الغزو الإلكتروني لتضليل الرأي العام أو قيادته باتجاهات واهتمامات غير جوهرية بالنسبة له، استنادا لغرائزية وحروب التضليل النفسي.

حري بنا أن نتوقف طويلا عند صعود شخصية سياسية هوجاء وفارغة ثقافيا وسياسيا كدونالد ترامب إلى سدة الحكم بأقوى دولة في العالم، لنعرف مدى تأثير هذا العالم الافتراضي وتضليله، فالرجل يشهد له بالكفاءة بامتطاء صهوة أدوات هذا العالم الإلكتروني الطاغي؛ بتسويق شخصه وبرنامجه غير المتماسك والضحل، الذي يتكشف يوما بعد آخر عن مزيد من ضحالة وتسطيح، ليكتسح بغوغائيته الطبقة السياسية الأميركية الفاسدة والمنفصلة عن هموم تيارات واسعة مهمشة بمجتمعها، وليشكل (أي ترامب) بديلا زائفا سوقته مواقف حادة وشعبوية أغرق بها مواقع التواصل ووسائل الإعلام!

محليا وعربيا؛ لم يعد يخفى على المتابع حجم التأثير السلبي والتقسيمي لهذا العالم الافتراضي وأداوته على واقعنا، فيكفيك أن يخرج واحد أو عشرة أو مائة ممن يسمون أنفسهم نشطاء مواقع تواصل، وبعضهم يحرك بـ”الريموت كونترول” ليقذف أو يقذفوا هذه الدولة العربية، بل هذا الشعب العربي أو أحد مكوناته بفرية أو شتيمة، حتى تندلع حرب “داحس وغبراء” بين شعبين أو داخل الشعب الواحد، أو بين الطوائف وتغرق الكراهية والانقسام هذا العالم الافتراضي، ونضع جميعا يدنا على قلبنا بألا يجد ذلك طريقه إلى العالم الافتراضي!

ما لا يقوده نشطاء الكراهية والتقسيم والتضليل، تتكفل به الجهالة والضحالة بتعليق هنا أو صورة هناك، حتى ينهمر ويتكالب قارعو طبول الفتن والحروب والفوضى من كل حدب وصوب، وليذهب العقل والالتزام بالسلم الأهلي والمجتمعي إلى الجحيم.

نقلا عن موقع الغد 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى