فهمي الكتوت لـ نداء الوطن: سياسة التبعية حرمت الشعب الأردني من إنجاز مشروع الأردن التنموي
فهمي الكتوت لـ نداء الوطن: سياسة التبعية حرمت الشعب الأردني من إنجاز مشروع الأردن التنموي
السياسة الاقتصادية الرسمية مبنية على ردود الفعل والخضوع لمصالح المستعمر
محاربة الفساد والضريبة التصاعدية واسترداد الأموال المنهوبة بديلاً عن جيب المواطن
تستضيف نداء الوطن في هذا العدد الكاتب والخبير الاقتصادي الأردني الأستاذ فهمي الكتوت، وحديث حول الاقتصاد الأردني وحقيقة الأزمة التي يعانيها وكيفية خروجه من هذه الأزمة.
الاقتصاد الأردني والخضوع لمصالح المستعمر
نداء الوطن: كيف يصف فهمي الكتوت وأنت الخبير الاقتصادي، واقع الاقتصاد الأردني؟ لماذا تتراكم الأزمات الاقتصادية في الأردن؟ هل تكمن المشكلة في إمكانيات الأردن أم في طريقة تعاطي الحكومات المتعاقبة مع هذا الملف؟
فهمي الكتوت: يعاني الاقتصاد الأردني من أزمة حادة؛ ناجمة عن جملة من الأسباب أبرزها: ضعف البنى الاقتصادية الإنتاجية، وزيادة الإنفاق الممول بالقروض، وتفاقم المديونية التي استنزفت خدماتها الإيرادات الضريبية المتصاعدة، فأصبحت الحلول أسباباً لتفاقم الأزمة، فإن زيادة العبء الضريبي وخاصة ضريبة المبيعات التي تعتبر ضريبة انكماشية، أسهمت في تراجع النمو الاقتصادي.
فقد شهدت البلاد خلال السنوات الأخيرة تراجعا ملموسا في نمو الناتج المحلي الاجمالي؛ وصل إلى أدنى مستوياته منذ انفجار الأزمة المالية والاقتصادية لعام 1989، فقد تراوح النمو خلال الأعوام 2010 – 2016 بين %3 و2% مقارنة مع نمو اقتصادي نسبته 6 الى 7% خلال الأعوام التي سبقتها، كما واصل عجز الموازنة ضمن مستوياته المرتفعة 1812، 1714 مليون دينار خلال الأعوام 2015، 2016 علي التوالي، وتراجعت الإيرادات الضريبية خلال النصف الأول من العام الحالي 2017 بنسبة 2% رغم زيادة العبء الضريبي على المواطنين، بسبب السياسات الانكماشية؛ التي أسهمت في تراجع النمو الاقتصادي إلى أدني مستوياته ليلامس معدلات النمو السكاني الطبيعي.
الكاتب والخبير الاقتصادي الأردني الأستاذ فهمي الكتوتكما أدى عجز الموازنة العامة للدولة إلى ارتفاع غير مسبوق في الدين العام الذي وصل إلى نحو 27 مليار دينار، وخدمته المتزايدة ليتخطى الحدود الآمنة، إضافة إلى تراجع تدفقات الاستثمار، وتزايد الاختلالات في الموازين الاقتصادية الخارجية كالميزان التجاري والحساب الجاري لميزان المدفوعات جراء تراجع الصادرات نحو9%، مما أفضى إلى حالة من العجز المالي لم يسبق لها مثيل منذ نهاية ثمانينات القرن الماضي، وتعمق الفجوة الطبقية نتيجة سوء توزيع موارد البلاد .
اقترن ذلك بغياب الرؤية العلمية الاستراتيجية لمواجهة الأوضاع، والاكتفاء بإجراءات متسرعة وسياسات مبنية على ردود الافعال لا تعدو أكثر من مسكنات مؤقتة لا تقوى على معالجة الاختلالات الاقتصادية والمالية. وقد ارتبطت الأسباب الحقيقية للاختلالات البنيوية للاقتصاد الأردني بمصالح الاستعمار في المنطقة، والذي عمل على إبقاء الاقتصاد الوطني اقتصادا يعتمد على المساعدات الأجنبية، ويفتقر إلى القاعدة الإنتاجية. وعلى الرغم من مرور أكثر من سبعة عقود على الاستقلال، وستة عقود على إلغاء المعاهدة البريطانية إلا أنه ظل محافظا على مساره.كما أن سـيادة بعض الأنماط الاقتصادية القديمة إلى جانب تمدد البورجوازية الطفيلية، عمق التشوهات الهيكلية وعزز النمط الاستهلاكي.
سياسة التبعية وغياب الإنجاز التنموي
نداء الوطن: ما مدى قناعتك بوجهة النظر التي تربط ما بين الجيوسياسي والمشاريع الإقليمية والأزمة الاقتصادية في الأردن، أي أن هذه الأزمة مفتعلة لفرض الحلول الأمريكية للقضية الفلسطينية على حساب الأردن. ما مدى جدية هذا الطرح من وجهة نظرك؟!
فهمي الكتوت: لا أعتقد أن الأزمة مفتعلة؛ لم يتمكن الأردن من بناء اقتصاد وطني يعتمد على الذات، بعد حصوله على الاستقلال السياسي وإلغاء المعاهدة الأردنية – البريطانية. من الطبيعي أن دولة تحتاج إلى ثلث نفقاتها من الخارج (قروض ومنح) يبقى قرارها السياسي رهينة للجهات الممولة، فقد تواصلت سياسة التبعية التي حرمت الشعب الأردني من إنجاز مشروع تنموي يسهم بإحداث تغيرات في النمط الاقتصادي الريعي، والتخلي عن المساعدات الأجنبية، وتوسـيع دور القطاعات الإنتاجية لكي يصبح الاقتصاد الوطني قادرا على النمو والتكيف مع المستجدات والتقلبات، فهو لا يستطيع البقاء والصمود في مواجهة الازمات السـياسـية الإقليمية والدولية بحكم حساسـية الموقف الرسمي تجاه الجهات الممولة لنفقات الخزينة، وهي قضـية مركزية لا يمكن تجاهلها، إن لم يجر إعادة صـياغة الاقتصاد الأردني بمعالجة التشوهات الهيكلية وتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة تضمن للدولة الأردنية استقرارا ذاتيا نابعا من مقوماتها الحقيقية، ويعزز قدراتها في التصدي للمشاريع والحلول الأميركية للقضية الفلسطينية.
رفع سعر الخبز وقانون الضريبة
نداء الوطن: كيف تنظر لمشروع الحكومة حول قانون الضريبة الجديد وما هي النقاط التي استوقفتكم، وهل ترى أن هذا القانون سيوقف التهرب الضريبي؟ ولماذا تستهدف الحكومة الطبقة الوسطى في هذا القانون؟
فهمي الكتوت: كان للسياسة الضريبية فلسفتها المبنية على إعادة توزيع الدخل لتحقيق العدالة الاجتماعية، واستخدام السياسة الضريبية كأداة لتحفيز القطاعات الإنتاجية، وتوفير المال للخزينة. ومنذ خضوع الدولة لإملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين، طرحت فلسفة جديدة مبنية على فكرة توحيد العبء الضريبي بين المواطنين وتوفير المال للخزينة.
ومع تفاقم عجز الموازنة الناجم عن فشل النهج السياسي والاقتصادي واستفحال مظاهر الفساد المالي والإداري وغياب المشروع التنموي الاقتصادي الاجتماعي وإغراق البلاد بالمديونية،احتلت سياسة الجباية وفرض الضرائب وافقار المواطنين الأولوية، وذلك انسجاما مع سياسات صندوق النقد الدولي بذريعة تصحيح الاختلالات النقدية والمالية في موازين المدفوعات ومساعدة الاقتصاد الأردني على الخروج من أزمته، بدفع الحكومة نحو اتخاذ حزمة من الإجراءات المالية والاقتصادية التي تعبر عن رؤية المدرسة الاقتصادية النيوليبرالية والعولمة الرأسمالية، وأهمها؛ (تحرير أسواق المال والتجارة، وإزالة الحواجز لانسياب السلع والتدفقات النقدية، وتقليص الخدمات الحكومية، ووقف الدعم، وتطبيق سياسة التخاصية).
وقد أسهمت إملاءات صندوق النقد الدولي في تعميق الأزمات المالية والاقتصادية بدلا من معالجتها، وجاءت على حساب الشرائح والطبقات الفقيرة في المجتمع بتحميلها أعباء وكلف الازمة. فقد لجأت الحكومات إلى تقليص الإنفاق على الخدمات العامة وخفض عائدات الطبقة العاملة من الإنتاج باستحداث ضريبة المبيعات، ومع اتساع الإجراءات التي تمت باسم “التصحيح الاقتصادي” والتي تعتبر السياسة المالية والضريبية أهم أدواتها أحدثت تبدلات ملموسة في التركيبة الاجتماعية. فقد اتسعت طبقة الفقراء واضمحلت الطبقة الوسطى، وتركزت الثروة بين ايدي طبقة طفيلية، واتسعت دائرة الفقر وارتفعت معدلات البطالة بشكل غير مسبوق حيث وصلت نسبتها الى 18%. أما معالجة التهرب الضريبي فهي تحتاج إلى إرادة سياسية، فالجزء الأهم في قضية التهرب الضريبي يعتبر من أحد مظاهر الفساد المالي.
نداء الوطن: كيف تنظر للتوجه نحو رفع أسعار الخبز وإلغاء الإعفاءات عن السواد الأعظم من السلع الأساسية؟ وهل لجوء الحكومة لهذا الخيار يعكس حجم أزمة حقيقية يعيشها الأردن؟
فهمي الكتوت: يأتي الحديث عن رفع أسعار الخبز وإلغاء الدعم؛ ضمن سياسات متصلة برؤية صندوق النقد الدولي بإلغاء الدعم عن مختلف السلع، فالحكومة تتحدث عن دعم الخبز بقيمة 140 مليون دينار، وتدعي اتباع سياسة إيصال الدعم لمستحقيه، مما يخفض كلفة الدعم الى النصف، في حين تستهدف الموازنة زيادة الإيرادات الضريبية بنحو 950 مليون دينار.
لا اعتقد ان حكومة تتمتع بالأهلية السياسية لاتخاذ قرار مستقل لها مصلحة بفتح معركة الخبز مقابل 70 مليون دينار، وهي تسعى لتحصيل عشرة أضعاف قيمة الدعم من خلال زيادة الضرائب. أما الشق الثاني من السؤال؛ نعم هناك أزمة عميقة يعيشها الأردن، لكن مبلغ كهذا لا يسهم في معالجة الأزمة، وإن ضبط نفقات الحكومة ومؤسساتها، يحقق وفر على الخزينة أضعاف الأرقام المستهدفة، ومن واجب الحكومة إدارة موارد البلاد بشكل متوازن، بإعادة توزيع الدخل المتأتي من الضرائب التي تجمعها من المواطنين، لتوفير الغذاء والدواء بأسعار مناسبة للمواطنين.
حلول عملية بعيداً عن جيب المواطن
نداء الوطن: ما هي البدائل التي تطرحها المعارضة وما الذي يمنع الحكومة من تبنيها إن كانت قادرة على إخراج الأردن من أزمته؟
فهمي الكتوت: بداية ينبغي التأكيد؛ أن تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية؛ هي ثمرة النهج السائد في البلاد، وهي تشكل عائق كبير امام انتشال الاقتصاد الوطني من أزمته المتفاقمة، والحكومة غير مؤهلة لتبني برنامج البديل الوطني،ويحتاج برنامج البديل إلى نهج جديد ينطلق من مصالح الشعب، وحكومة منبثقة مِن برلمان منتخب يعكس إرادة الشعب؛ وتتبنى المهام التالية:
أولا: المهام الآنية:
1- إصدار موازنة موحدة (الحكومة المركزية والوحدات الحكومية) وإعادة هيكلتها على أسس جديدة.
2- وقف سياسة هدر المال العام، وترشيد نفقات الدولة.
3- تحقيق اصلاح ضريبي يعتمد مبدأ الضريبة التصاعدية، وزيادة مساهمات كبار الرأسماليين وسياسة تفضيلية للقطاعات الإنتاجية،وإلغاء ضريبة المبيعات على الغذاء والدواء.
4- دمج الوحدات الحكومية بالوزارات وإلغاء الامتيازات غير المبررة الممنوحة لكبار الموظفين.
5- الشروع باسترداد أموال الشعب المنهوبة من خلال الصفقات المريبة، وإغلاق منابع الفساد بإجراءات حازمة، ومحاكمة الفاسدين، وتحصيل أموال الخزينة ومكافحة التهرب الضريبي
ثانيا: المهام الاستراتيجية
1- تحويل الاقتصاد الوطني من اقتصاد ريعي الى اقتصاد منتج، بتبني مشروع تنموي اقتصادي اجتماعي، وبمساهمة الدولة بمشاريع انتاجية بالمشاركة مع القطاع الخاص، وطرح سياسة اقتصادية طويلة المدى لتطوير القطاعات المنتجة، تكفل استغلال ثروات البلاد المتنوعة، وتوجيه النفقات الرأسمالية نحو المشاريع التنموية في القطاعات الأساسية كالصناعة والزراعة والسياحة وتكنولوجيا المعلومات، وإعطاء أولوية لمشاريع الطاقة والمياه والمواصلات.
2- توفير بيئة استثمارية، باستقرار التشريع، وتحقيق الشفافية، وتوفير التسهيلات الإدارية، ورعاية البحث العلمي.
3- زيادة إيرادات الخزينة من عائدات التعدين، بفرض رسم مناسب وبنسبة مئوية تحقق ايرادات مجزية للخزينة.
4- تشجيع القطاع الزراعي بفرعيه النباتي والحيواني، لدعم وتطوير وحماية هذا القطاع الحيوي من المنافسة الحادة.
5- تطوير قانون الضمان الاجتماعي بما يضمن حماية الشيخوخة بشكل عادل، ويتناسب مع معدلات التضخم.
6- توفير التأمين الصحي الشامل للمواطنين وعائلاتهم كافة، وتأمين التعليم للجميع على مختلف المستويات، ومراعاة تحقيق العدالة، والغاء منح الديوان.
7- تعزيز وتطوير العلاقات الاقتصادية العربية وتشجيع التجارة البينية، نحو بناء تكتل اقتصادي عربي في مواجهة العولمة الرأسمالية. مستفيدين من الطاقات والامكانيات العربية المتنوعة، من خبرات وكفاءات، وثروات غنية، وفوائض مالية، لتحقيق تكامل اقتصادي عربي، ومعالجة البطالة المتفاقمة في الوطن العربي، وإلغاء المشاريع المرتبطة مع العدو الصهيوني.