بيان بمناسبة الذكرى 25 لتأسيس حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني
خمسة وعشرون عاماً .. مستمرون في نضالنا الوطني الديمقراطي
خمسة وعشرون عاما انقضت على تأسيس حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني، كانت مليئة بالتطورات، والتغيرات، النجاحات والاخفاقات، التقدم والتراجع ، ولكن السمة الرئيسية كانت استمرار نضال حزبنا الدؤوب والمثابر بجهود كل رفاقه وأصدقائه وكل من رأى فيه ممثلاً لطموحاته في التغيير الديمقراطي والتقدم الاجتماعي، ومواجهة المشروع الصهيوني، والسعي للوحدة العربية.
جاء الإعلان عن تأسيس حزبنا في العشرين من تشرين ثاني لعام 1990، والتحول من صيغة منظمة الجبهة الشعبية في الأردن وظروف العمل السري والأحكام العرفية إلى صيغة حزب الوحدة الشعبية وبرنامجه ذي المهمتين: “الأردن الوطني الديمقراطي”، و”استرداد حقوق الشعب العربي الفلسطيني” ، المترابطتين جدلياً محطة نوعية في نضالٍ تمتد جذوره إلى بداية تأسيس حركة القوميين العرب في بداية الخمسينيات من القرن الماضي.
برنامج المهمتين الذي يستجيب لمتطلبات الواقع الموضوعي بمكوناته التاريخية، والجغرافية، والديمغرافية، مثَل مساهمة خلاقة ربطت بين مشروع التغيير الوطني الديمقراطي من جهة ومشروع تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني من جهة أخرى.
وجاءت الأحداث والتغيرات الكبرى التي عصفت بمنطقتنا العربية على مدى السنوات الخمس الأخيرة، والذي عمل الحلف الإمبريالي الصهيوني الرجعي العربي والقوى الإقليمية المتحالفة معه لفك العلاقة ما بين مشروع التغيير الديمقراطي الداخلي على صعيد كل قطر عربي من جهة ومجابهة المشروع الصهيوني وتحرير فلسطين من جهة أخرى، لتضع هذه المسألة في مقدمة القضايا الاستقطابية للقوى الاجتماعية وتعبيراتها السياسية.
لقد دفعت أمتنا العربية دماً ودماراً وتخريباً جراء هذا الفصل بين القضيتين، ولم تعد مواجهة المشروع الصهيوني ومعاداة “اسرائيل” ورفض كل أشكال التطبيع معها ضمن برنامج الكثير من الأنظمة العربية والخليجية بشكل رئيسي، والقوى الظلامية والسياسية المرتبطة بها، في خطابها السياسي وممارستها العملية، ليحل مكانه خطاب طائفي مذهبي تفتيتي يعطي الأولوية للصراع السني الشيعي وغيرها من المكونات، وهو ما خدم ويخدم دولة الكيان الصهيوني وأمنه وديمومة احتلاله للأرض العربية.
لقد خاض حزبنا نضالاً ديمقراطياً على كل المستويات الوطنية، السياسية والاجتماعية والمطلبية، من خلال حضوره ونشاطه الدؤوب في صفوف الطبقة العاملة ونقابات العمال، والنقابات المهنية، والقطاع النسوي، والشبابي الطلابي في الجامعات والمعاهد والتعليم الثانوي، ومبادراته بالدعوة لتأسيس أطر وطنية وشعبية تسعى لتبني القضايا المطلبية لقطاعات اجتماعية محددة كحملة “ذبحتونا” وحملة “الخبز والديمقراطية”، وتبني قضايا في مواجهة المشروع الصهيوني ومجابهة التطبيع، واللجان الشعبية لدعم المقاومة في المناطق.
وقد كان من أبرز منارات النضال المطلبي، دور حزبنا في محاربة خصخصة التعليم الجامعي والقطاع الصحي العام، ورغم إقرارنا بأننا لم نحل دون استمرار الحكومات في هذه السياسات، إلا أن ما قام به الحزب والأطر التي بادر إلى تشكيلها والمشاركة الفاعلة فيها إلى جانب العديد من الفعاليات الوطنية والديمقراطية، شكل عائقاً أمام مزيدٍ من التمادي في سياسات الخصخصة في هذين القطاعين ، ما يلقي على عاتقنا عبئاً ومسؤولية وطنية لتعظيم نضالنا في هذه القطاعات ، التي تستجيب لهموم مباشرة لأبناء شعبنا ويضعنا أمام تحدي تحويل هذه الحملات من الحالة النخبوية إلى الحالة الجماهيرية المنتشرة في كل بقاع الوطن.
كما كان لحزبنا دور مهم الى جانب قوى سياسية وشعبية في رفض قانون الصوت الواحد لما ترتب عليه من تخريب وتشويه للحياة الديمقراطية، وعقد انتخابات نيابية عرقلت وصول ممثلين حقيقيين للشعب الأردني إلى السلطة التشريعية، لتأتي الحكومة الحالية وتقترح قانوناً للإنتخاب ينهي فكرة الصوت الواحد وتعترف بجزء من مثالبه التي خضنا حملات مقاطعة الانتخابات النيابية التي أجريت على أساسه.
كان حزبنا وعلى مدار ربع قرن مشاركاً ومبادراً في التصدي لسياسات الحكومات التي انصاعت لتطبيق وصفات وإملاءات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وشروط منظمة التجارة العالمية، التي كرست التبعية الاقتصادية والسياسية للمركز الرأسمالي، وأضعفت القطاعات الانتاجية الصناعية، وقوضت القطاع الزراعي، وشجعت نمو قطاع الخدمات والمال والبورصة وتداول الأسهم الذي لا يؤسس لاقتصاد قوي ينقل البلد للاعتماد على الذات، بل يعزز التبعية وينخر استقلالنا الوطني، ويزيد نفوذ قطاعات الاقتصاد الوهمي الذي تحصد نتائجه قوى رأس المال المالي على حساب الوطن.
وعى صعيد الحزب الداخلي فقد مر حزبنا بمحطات التأسيس والتحول من الحالة السرية إلى الصيغة العلنية في أحلك الظروف، إذ أن ذلك التحول من صيغة منظمة الجبهة الشعبية في الأردن وظروف العمل السري، إلى صيغة حزب الوحدة الشعبية العلنية ترافقت وانهيار المنظومة الإشتراكية والاتحاد السوفياتي، والذي انعكس تحديات كبرى بالمعنى الفكري والعملي، وطرح مدى سؤال عن جدوى الاستمرار بمشروع الحزب السياسي الذي يسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية وبناء الاشتراكية.
لم يكن المخاض سهلاً، وترك تاثيراً على الحزب ودوره كما هو حال كافة القوى اليسارية والقومية في الوطن العربي والعالم، ولكن الإرادة الصلبة للرفاق القابضين على جمر المبادئ ووضوح الرؤية لديهم بأن فشل التجربة الإشتراكية التي كانت قائمة في الاتحاد السوفياتي وجزء من أوروبا، لا يعني خطأ مشروع بناء الإشتراكية، لأنه المشروع الذي يمكن أن يحقق العدالة الاجتماعية بكل ما للكلمة من معنى، وهاهو يعود كمشروع جدي لبناء المجتمعات في أمريكا اللاتينية.
وعمل الحزب على تجاوز هذه المرحلة وتقدم ضمن الآليات الديمقراطية والمبادئ التنظيمية التي حددها النظام الداخلي ومن خلال مؤتمراته الوطنية، وبقاء الحزب في حقبة التسعنيات، والانتقال الى حقبة إعادة البناء في العقد الأول من الألفية الثالثة، إلى استمرار البناء وتحقيق تقدم ونمو في نصف العقد الثاني من الألفية الثالثة، حيث عقد حزبنا خلال ربع قرن ستة مؤتمرات وطنية، آخرها في شهر حزيران الماضي، والذي تككل بالنجاح في صياغة التوجهات المستقبلية لحزبنا وانتخاب هيئات الحزب القيادية الجديدة، ولعل ما ميز المؤتمر الوطني الخامس والمؤتمر الوطني السادس على وجه التحديد هو التجديد الكبير في دماء عضوية الحزب، ونضوج تجربة الكادر الشاب والنسوي، وامتلاكه للخبرة من خلال العمل الدؤوب في المستوى الجماهيري والنقابي التنظيمي.
في الذكرى الخامسة والعشرين لتأسيس حزبنا نعاهد جماهير شعبنا، نعاهد الرفاق الذين غادرونا جسداً لكنهم حاضرون أبداً بيننا. نعاهد أسرانا في سجون الاحتلال الصهيوني، ونعاهد شهداء الأردن وشهداء فلسطين والأمة العربية وكل الأحرار في العالم أننا سنبقى أوفياء للمبادئ التي جمعتنا وترسم ملامح مشروعنا التحرري والوطني الديمقراطي على طريق بناء الإشتراكية وتحرير فلسطين.
حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني
عمان 20 تشرين ثاني 2015