“النواب” ينحاز لقانون الانتخاب “الحكومي”، ولا عزاء للأحزاب وقوائمها الوطنية
انحاز قانون الانتخاب الذي تم إقراره يوم أمس في مجلس النواب لالتقاء المصالح الانتخابية الآنية (القائمة المفتوحة على مستوى الدوائر) على حساب البرامج السياسية ذات البُعد الوطني (القائمة الوطنية المغلقة)، حيث أقرّ مجلس النواب في أقل من ثلاثة أيام، القانون المفصلي والأهم على صعيد الإصلاح السياسي كما ورد من مجلس الوزراء، مع تعديلات طفيفة، يبدو أنها تمت بتوافق حكومي – نيابي، والتي كان أهمها، تقسيم الدوائر الانتخابية على مستوى المملكة.
المجلس ينحاز للحكومة على حساب الشعب والنخب السياسية
وبهذا يكون المجلس النيابي قد ضرب بعرض الحائط أكثر من ألفي توصية واقتراح من الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني، تركزت في معظمها على أهمية ومحورية عودة القائمة الوطنية المغلقة لدورها في تعزيز الحياة الحزبية.
وترى الرفيقة عبلة أبو علبة أمين عام حزب الشعب الديمقراطي “حشد” أن إخراج القانون بهذه الصيغة، أثار استهجاناً كبيراً لدى القوى والأحزاب السياسية, خصوصاً وأنه تعمّد تجاهل تعديلات أساسية, حظيت بموافقة نسبة عالية من المشاركين في المناقشات التي أجرتها اللجنة القانونية ووزارة الشؤون السياسية.
ولفتت أبو علبة إلى أن هذا يدلل على إصرار رسمي على إقرار القانون كما جاء في صيغته الحكومية دون تعديل: أي إعادة إنتاج الصوت الواحد وفق آلية مختلفة عن القانون المعمول به منذ عام 1993م.
ويتفق الرفيق الدكتور سعيد ذياب أمين عام حزب الوحدة الشعبية مع ما ذهبت إليه أبو علبة، مؤكداً على أن مجلس النواب لم يحدث تعديلات ذات بال على مشروع القانون، مشيراً إلى أنها بالسياق العام تعديلات ذات طابع شكلي.
ويضيف ذياب في حديث أجرته معه نداء الوطن، أن المسألة الأخطر في كل ذلك، تمثلت بطريقة تقسيم الدوائر الانتخابية التي أقرها مجلس النواب اللجنة القانونية، حيث تم تقسيم الدوائر الكبرى: دائرة عمان إلى 5، وإربد إلى 4، والزرقاء إلى دائرتين، هذا التصرف يعكس مسألتين: تجويف لمبدأ النسبية، وعدم الاستفادة من هذا المبدأ الذي يعني عدالة في التمثيل وتطوير للعمل الحزبي.
الباحث حسين أبو رمان أشار إلى أن اللجنة القانونية ومن بعدها مجلس النواب تجاهلوا مخرجات الحوار الوطني الذي أدارته اللجنة القانونية السابقة بكفاءة عالية مع الخبرات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني والمحافظات، وفي مقدمة تلك المخرجات العودة إلى القائمة الوطنية على مستوى المملكة وتعديل نظام احتساب الفوز بما يخدم تشكيل كتل نيابية كبيرة، وتخصيص مقعد نسائي لكل دائرة انتخابية بدل مقعد لكل محافظة.
ولفت أبو رمان في اتصال هاتفي مع نداء الوطن، إلى أنه كان من الأفضل أن يبقي مجلس النواب على محافظات العاصمة وإربد والزرقاء باعتبار كل منها دائرة انتخابية واحدة كتعويض جزئي عن عدم إقرار القائمة الوطنية، غير أنها لم تفعل، برغم أن فكرة النظام الانتخابي الجديد هو القائمة النسبية المفتوحة على مستوى المحافظة!!
غياب القائمة الوطنية: لا عزاء للأحزاب
ويشير أبو رمان إلى أن القانون كما جاء من الحكومة وأقر بالبرلمان يتعاكس مع التوجه الذي عبر عنه الملك بشأن حاجة الأردن إلى أحزاب فاعلة على طريق تشكيل الحكومات البرلمانية، لأن شطب القائمة الوطنية التي مثلت أهم تطور في قوانين الانتخاب الأردنية، والإبقاء على نظام الباقي الأعلى الخاص بتوزيع المقاعد النيابية على القوائم الفائزة، يؤكدان ضعف القناعة بعملية الإصلاح السياسي.
ففي ظل نظام الباقي الأعلى، وغياب نسبة حسم، وتقسيم المحافظات الكبيرة إلى دوائر فرعية سيكون من الصعب على القائمة المرشحة الحصول على أكثر من مقعد في الدائرة الواحدة ربما ما عدا البلقاء والكرك.
فيما تربط أمين عام “حشد” الرفيقة عبلة أبو علبة في حديث خصّت به نداء الوطن، تغييب القائمة الوطنية بتغييب البرنامج الوطني العام. وتعتبر أن الإصرار على القائمة على مستوى الدائرة الانتخابية, مع نظام القائمة المفتوحة, هي دعوة صريحة لإعادة إنتاج الصوت الواحد, والتحايل على استحقاقات التطوير الجادّ لقانون الانتخابات النيابية.
وحذّرت أبو علبة من أن تغييب القائمة الوطنية, والإصرار على نظام انتخابي وفق نظام القائمة المفتوحة سيؤديان إلى تكريس الخلل في علاقة الناخب بالمرشح والتي أحدثها قانون الصوت الواحد, وبدلاً من إجراء تغيير جاد على إعادة ثقة الناخب بالمرشح على أساس برنامجي, وتقديم أفضل المرشحين للانتخابات من القادرين على تبني برامج التغيير, بدلاً من ذلك يكرس مشروع القانون في صيغته الحالية, الظواهر السلبية الخطرة التي أدت إلى استفحال الفساد المالي, وتقديم المرشحين على أسس فئوية وجهوية بدلاً من القائمة الوطنية التي تقدم نفسها على أساس تبنيها لبرنامج شامل من أجل تقدم الشعب والوطن، وفق أبو علبة.
ويرى الدكتور سعيد ذياب أمين عام حزب الوحدة الشعبية أن الإصرار على إلغاء القائمة الوطنية مبعثه الأساسي هو الموقف من الأحزاب وعدم الرغبة بتعزيز الحضور الحزبي. لأن فائدة التمثيل النسبي تتجلى كلما اتسعت الدائرة، وبالتالي عندما تكون الدائرة على المستوى الوطني يصبح ساحة العمل والفعل واسعة جداً تمكن الأحزاب من الوصول إلى كافة مكونات المجتمع وأبناء المجتمع، وفي الوقت نفسه يصبح التنافس على أساس البرامج وبعيداً عن العلاقة الفردية والشخصية.
واعتبر ذياب أن الدولة لا تزال مسكونة بهاجس الخوف من الأحزاب والعمل المنظم. ولا تزال منحازة إلى العمل الفردي والفرد المتنفذ، وهي تكشف هذا الموضوع كذلك من خلال إصرارها على القائمة المفتوحة التي تعني فيما تعني تكريس للفرد وللعلاقة الشخصية وتحجيم وتقسيم للقائمة وللبرامج.
مجلس النواب بإقراره مشروع القانون كما ورد من الحكومة وتثبيته المشروع بنصه وبقدّه وقديده، يكون –وفق ما صرح به الدكتور ذياب- قد تشارك مع الحكومة بقطع الطريق على إمكانية الوصول إلى قانون انتخاب ديمقراطي حقيقي يشكل رافعة لكل الحياة السياسية.