الملامح الأولية لموازنة 2016/ بقلم: عبدالمجيد الخندقجي
أقر مجلس الوزراء اوائل الشهر الماضي تشرين ثاني/ نوفمبر، قانون الموازنة العامة للعام القادم 2016 دون تأخر عن الموعد الدستوري كما في السنوات الماضية. وقد بلغ إجمالي النفقات حسب وزير المالية، الذي أدلى ببيان حول الموازنة 8469 مليار دينار، أما الإيرادات فقد بلغت 7589 مليار دينار لعجز يصل إلى 907 مليون دينار لعام 2016، مقابل 915 مليون دينار للعام 2015.
هذا وبلغت نسبة نمو الموازنة 9.7% دينار في الموازنة الجديدة، وهذه الزيادة تجعل من الموازنة موازنة تنموية كونها تركز على زيادة النفقات الرأسمالية التي قدرها الوزير بــ 2 مليار دينار منها 1311 مليون دينار في الموازنة العامة، و 700 مليون دينار للوحدات الحكومية.
لقد وعد الوزير بأن يكون هذا العام 2015 آخر عام لارتفاع الدين العام، بمعنى أن الحكومة عازمة على التوقف عن الاقتراض، بعد أن بلغ حجم الدين العام 22,3 مليار دينار، منها 5 مليار دينار سببها شركة الكهرباء الوطنية، وقال أن خسائر الكهرباء الوطنية سوف تتوقف ابتداءً من بداية العام القام 2016 لتصل إل الصفر، وأضاف أن أية زيادة على أسعار الكهرباء لن تحدث في العام القادم.
هذا وتبلغ فوائد الدين العام 1,1 مليار دينار حوالي (1,5 مليار دولار)، مشيراً إلى ان انخفاض أسعار النفط قللت من إيرادات الدولة 150 مليون دينار.
وأشار الوزير فيما يناقض قوله بأن أسعار الكهرباء لن ترتفع العام القادم، أن الحكومة سوف تنسحب من الدعم للكهرباء والمياه، أي ترك الموضوع للعرض والطلب.
وتحدث الوزير حول معدلات النمو الاقتصادي الذي يتوقع حسب البيان أن لا يتجاوز 2.4% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، مقابل 3.4% من الناتح المحلي الإجمالي لعام 2014، وهذه هي المؤشرات الأبرز بالنسبة لموازنة 2016 والتي تهم المواطن ورجال الاقتصاد:
1_ أن تكون الأولوية في الموازنة الجديدة لتخفيض العجز الذي يشكل 3.1% من الناتج المحلي الإجمالي، أي أن تبذل المحاولات لهذا الهدف كهدف أساسي.
2_ عجز الحساب الجاري بحيث يتم تخفيضه إلى نسبة 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي.
3_ زيادة النفقات الرأسمالية وضبط النفقات الجارية وهذا ما دعا الوزير إلى وصف الموازنة بالتنموية.
4_ الحفاظ على معدلات النمو الاقتصادي.
طبعاً هذه الأرقام والبيانات ليست ثابتة، لأن قانون الموازنة سيرفع إلى مجلس الأمة (النواب والأعيان) كما أنها ليست دقيقة أيضاً، إذ تشير البيانات غير المعلنة إلى أن عجز الموازنة قبل المنح يصل إلى حوالي 10.1% من الناتج المحلي الإجمالي مع أن المستهدف هو 5.6%، أما عجز الحساب الجاري فكان المستهدف وصوله إلى 4.2% وفي البيان 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي.
ووفق البيانات سيتم تمويل النفقات الرأسمالية من المنح، وأن الأردن بصدد طلب منحة جديدة من دول الخليج.
بماذا توحي هذه الأرقام والبيانات؟
بالنسبة لفوائد الدين والبالغة 1,1 مليار دينار (حوالي 1,5 مليار دولار) دون ذكر أقساط الدين المستحقة، تعتبر مبالغ باهظة وثقيلة وستستنزف الموازنة، كما انه ليس بمقدور الأردن حتى لو توقف عن الاقتراض بموارده الحالية أن يسد هذه المبالغ، ويحتاج إلى سنوات طويلة بشرط أن تكرس كافة العمليات الاقتصادية لذلك، وهذا يعني الإفلاس، والاقتراض من جديد، هذا إذا كان هناك من يقرض دولة مثقلة بالديون إلى هذا الحد.
أما الإنفاق الرأسمالي، فكل الأدبيات الاقتصادية تتفق على أنه ليس المهم زيادة الإنفاق الرأسمالي، بقدر ما هو مهم أوجه الصرف للأموال المخصصة ومدى توليدها للنمو الاقتصادي، ومدى مساهمة القطاع الخاص، فقد شهد الأردن فترات عديدة كان فيها بند الإنفاق الرأسمالي عالياً ولكن لم يؤد ذلك إلى زيادة معدلات النمو، ولم يتوقف نمو عجز الموازنة العامة، وكذلك لم يتحسن مستوى معيشة المواطن ولم تتراجع معدلات الفقر والبطالة عن مكانها.
من الواضح أن معدلات النمو الاقتصادي الواردة في تقديرات الحكومة متواضعة جداً، وحتى لو كانت هذه المعدلات مرتفعة ومرضية، فإن المهم أن تنعكس على مختلف الشرائح الاجتماعية، لا أن تذهب إلى جيوب رجال المال وأصحاب الاحتكارات.
فما شهدناه في سنوات الذروة في ارتفاع معدلات النمو، أن معظم المحافظات لم تستفد منه، كما لم تشهد زيادة في فرص العمل، وظلت معدلات البطالة تتراوح بين 12% إلى 15%.
كذلك لم ينعكس ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي على الأجور للعمال، وإذا حدث أن ارتفعت بعض أجور العمال والموظفين فقد التهمها التخضم وارتفاع الأسعار، وكانت النتيجة أن الأرباح التي تحققت من النمو الاقتصادي كانت تعمق من الهوة الطبقية من خلال تركيز الثروة وسوء توزيع الدخل.
كذلك فإن النمو الاقتصادي إذا ما تحقق فإنه في الأغلب الأعم يذهب إلى القطاعات الخدمية مثل قطاعات الإنشاء وبالتالي لا يولد قيمة مضافة.
لقد ورد في بيان الوزير، أن هناك توجه للانسحاب التدريجي من الدعم للكهرباء والمياه، وترك الموضوع للعرض والطلب، والمعروف أن كافة النظريات الاقتصادية تؤكد أن رفع الدعم عن السلع والخدمات يؤدي حتماً إلى ارتفاع أسعارها، وهذا ما يعني أن هناك تناقض أو عدم صدق في وعود الوزير بأن أسعار الكهرباء لن ترفع العام القادم.
ختاماً، هذه الكليشهات والبيانات تتكرر منذ سنوات طويلة، وعند الإعلان عن كل موازنة سنوية، ولكن لم نلمس أي تطور لا على صعيد الاقتصاد، ولا على صعيد مواجهة الأزمات والتحديات. إذن ما الفائدة إذا لم يكن هناك إصلاح اقتصادي وسياسي حقيقي، وإذا لم تتحقق هيكلة الاقتصاد وسن قوانين وتشريعات تخرج الأردن من هذه الدائرة المفرغة.